إن الأحکام الإلهیة تتبع المصالح و المفاسد. و قد وردت روایات عدیدة عن الأئمة المعصومین (ع) على أنه لا یقتص من الأب بسبب قتل ولده.
صحیح أنه لم ترد العلة الرئیسة فی نصوصنا الروائیة و لیست المسألة واضحة لدینا، إلا أنه یمکن أن نسطر بعض حِکَم هذا الحکم عبر الأمور التالیة:
1ـ مراعاة حق الأب و دفع الخسائر الأخرى.
2ـ بقصاص الأب ستصاب العائلة بمصیبة فقد عزیز آخر و سوف تتضاعف علیهم المصیبة.
3ـ الشخص الذی یتحمل الضرر الأکثر من هذه الجنایة هو نفس الأب فی الدرجة الأولى و تأتی عائلته فی الدرجة الثانیة، لأنه قد أصاب نفسه و عائلته بصدمة کبیرة، فلیس من الإنصاف أن یجرى علیه الحدّ بسبب فعله فی مثل هذه الظروف.
لکی تتضح المسألة ینبغی التنبیه علی نقاط:
1. علی اساس النظریة الصحیحة الحقة التی یعتقد بها فقهاء و مفکرو الشیعة؛ هو ان احکام الله مجعولة علی اساس المصالح و المفاسد، ای انه اذا کان أداء عمل ما له منفعة مهمة و ضروریة فان ذلک العمل یکون واجباً، و اذا لم تکن منفعته ضروریة فیکون مستحباً. و اذا کان أداء عمل ما فیه ضرر خطر و مهلک یکون فعله حراماً، و اذا لم یکن ضرره خطراً و مهلکاً فهو مکروه، و فی حالة عدم کون منفعته أو ضرره راجحاً و کان متساوی الطرفین یکون ذلک العمل مباحاً. و بالطبع فان المقصود من المنفعة و الضرر لیس مجرد المنفعة و الضرر المادی بل بالمعنی العام الوسیع الذی یتسع لکافة ابعاد الانسان الوجودیة و شمولیتها.
2. مع ان اصل کلیة هذه القاعدة – و هی ان الاحکام الالهیة مجعولة علی اساس المصالح و المفاسد ـ قطعی و یقینی، و لکن کشف المصالح و المفاسد فی المفردات و المصادیق أمر عسیر للغایة.
لانه، أولاً: یلزمه توفر امکانیات واسعة فی مختلف الابعاد العلمیة.
و ثانیاً: ان البشر مهما تقدم فی الجانب العلمی و التکنولوجی فان معلوماته لا تزال فی مقابل مجهولاته قطرة فی قبال البحر (و ما أوتیتم من العلم الا قلیلا). [1]
و یمکن ان یکون أحد علل عدم بیان علة و فلسفة جمیع الاحکام من قبل اولیاء الدین الالهیین، هو ان بیان جمیع أسرار الاحکام للناس الذین لم تنکشف لهم کثیر من الحقائق العلمیة یکون من قبیل طرح الالغاز و المعمیات و الاحجیات و ربما یؤدی إلی تنفر السامعین. یقول أمیر المؤمنین (ع): "الناس أعداء ما جهلوا"،[2] و لذا فان اولیاء الله أشاروا إلی بعض العلل و الفلسفات للاحکام و فی حدود الفهم البشری.
اضافة الی ان الهدف من الدین و الشریعة هو تحلی الناس بالاخلاق الحمیدة على المستوى العلمی و العملی و أجتنابهم ألافکار و الأعمال السیئة المنحرفة، و یتحقق هذا الهدف بتطبیق الشریعة حتی لو لم یعلم الافراد بفلسفة الاحکام و عللها، و ذلک نظیر المریض الذی یتبع وصایا الطبیب فیشفی حتی لو لم یعرف فائدة الدواء و فلسفة الوصایا الطبیة.
مضافا الی ان المؤمنین لکونهم مطمئنین و متیقنین بان التعالیم الدینیة صادرة ممن لا یخطأ علمه، فهم علی یقین من الآثار الایجابیة لهذه التعالیم و فوائدها.
3. مع ان فهم علة و فلسفة الاحکام من المسائل العسیرة، و لکن تحصیل الضوابط الکلیة للاحکام أمر ممکن. و بالطبع فان الکلیة فی الامور الحقوقیة لیست مثل الکلیة فی الامور الفلسفیة التی لا تقبل الاستثناء، بل الکلیة فی الامور الحقوقیة و الاجتماعیة هی بالمعنی الاکثری، و علیه فهی قابلة للاستثناء.
لقد وردت روایات عدیدة عن الأئمة المعصومین (ع) و منها ما نقل عن الإمام الصادق (ع) حیث قال: "لَا یُقَادُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ وَ یُقْتَلُ الْوَلَدُ إِذَا"[3]
و قد اتفق الفقهاء على هذا الحکم استنادا على هذه الروایات.[4]
بالرغم من أنه لم ترد العلة الرئیسة فی نصوصنا الروائیة و لیست المسألة واضحة لدینا، إلا أنه یمکن أن نعتبر بعض حِکَم هذا الحکم فی الأمور التالیة:
1ـ أحد أهداف القصاص هو إبعاد المجتمع من تکرار هکذا أعمال، أما بالنسبة إلى قتل الولد على ید الوالد فهذه حالة نادرة أقل ما یمکن تکرارها، إذ أن الوالد هو السبب فی نشأة الولد و هو الذی تحمل مسؤولیة رشده و تکفل بتربیته و قد تحمل الصعاب و الشداد فی سبیل سقی هذه الفسیلة التی هی ثمرة حیاته. إن هذه الأسباب جعلت هذه الأعمال و تکرارها فی غایة الندرة، فبهذا السبب و رعایة لحق الأبوة غض النظر عن قصاصه، و بالتأکید إن هذا التخفیف لا یقلل من قبح عمله.[5]
2ـ لا تقع المبادرة بقتل الولد إلا فی حالات و ظروف خاصة و عصیبة کما أنها مصیبة عظمى للعائلة و تصیب نفسیة الأب و الاسرة بصدمات لا تعوّض، و توجب ندم الأب عاجلا أم آجلا. فی حین أنه لو یجرى حد القصاص على الأب، ستصاب العائلة بمصیبة فقد عزیز آخر و تتضاعف علیهم المصیبة و تزداد مشاکلهم. فالله تعالی رفع القصاص من الأب رعایة لحال عائلته.
3ـ یأتی القصاص جزاء على القتل العمدی، فی حین أن هذا القتل یقع عادة فی حالات استثنائیة و ظروف غیر عادیة. فقتل الولد عمدا نادر جدا و یحدث فی ظروف غیر عادیة و نتیجة أزمات روحیة و نفسیة شدیدة تجعله أشبه بالقتل غیر العمدی، لأن الأب أقرب الناس إلى ولده و الولد أعز الناس إلى أبیه و مهما قسا قلبه لا یسمح لنفسه أن یقتل ولده إلا فی حالات غیر عادیة و تقریبا لا إرادیة.
4ـ من جانب آخر، الشخص الذی یتحمل الضرر الأکثر من هذه الجنایة هو نفس الأب فی الدرجة الأولى و تأتی عائلته فی الدرجة الثانیة، لأنه قد أصاب نفسه و عائلته بصدمة کبیرة، فلیس من الإنصاف أن یجرى علیه الحدّ بسبب فعله فی مثل هذه الظروف، لأن المطالبة بقصاصه أمر عاطفی غیر عقلانی أیضا. إذن منع الإسلام قصاصه إلا أن الدیة ثابتة علیه و یجب علیه أن یدفعها إلى الورثة.[6]
[1] الاسراء، 85.
[2] منتخب میزان الحکمة، ج 1، ص 214.
[3] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 29، صص 77و78، موسسة آل البیت، قم، 1409 ،.3518 مُحَمَّدُ بْنُ یَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یَحْیَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ جَمِیعاً عنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی أَیُّوبَ الْخَرَّازِ عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) قَال: لا یُقَادُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ وَ یُقْتَلُ الْوَلَدُ إِذَا ُ إِذَا قَتَلَ وَالِدَهُ عَمْداً .
35190- وَ عَنْ عَلِیٍّ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ یَقْتُلُ ابْنَهُ أَ یُقْتَلُ بِهِ؟ قَالَ: لا .