ینبغی الالتفات الى أن جمیع القوانین و الانظمة حتى تلک التی تنادی بحریة الفرد و النظام اللیبرالی تؤکد فی نفس الوقت على الحقوق العامة و مصلحة المجتمع و ترى ذلک مقدماً على الحقوق الفردیة عند التزاحم. نعم، هناک اختلاف فی تحدید مصادیق الحقوق العامة. و هکذا نجد النظام الحقوقی الاسلامی قد أوکل الأمر الى الحکومة هی التی تتخذ القرار عند الضرورة فی تحدید بعض الملکیات الفردیة. و على هذا الاساس، ففی هذه الموارد التی منها ما ذکرتموه فی متن السؤال یمکن أن یوجه اللوم الى الحکومة بانه لاضرورة لاتخاذ مثل هکذا قرار، و لکن لایمکن انتقاد اصل الفکرة و اساسها و الغاء صلاحیات الدولة فی تحدید الملکیة عند الضرورة.
اما بالنسبة الى الخمس فصحیح أن علماء أهل السنة قالوا بوجوب الخمس فی الغنائم الحربیة لکن الروایات الکثیرة الواردة عن أهل البیت علیهم و سعت الدائرة لیشمل الخمس کل غنیمة سواء حصلت عن طریق الحرب أو عن طریق الکسب و التجارة و کذلک المعادن و المال المخلوط بالحرام و... فکانت تلک الروایات هی المستند لفقهاء الشیعة فی الحکم بوجوبه فی ارباح المکاسب ایضاً.
یبدو أن المستفهم الکریم خلط بین موضوعین لا علاقة لبعضهما بالبعض الآخر، من هنا ینبغی التفکیک بین الاثنین للحصول على الاجابة الشافیة وحسب الترتیب التالی:
1- لماذا لایحق لصاحب المکان المستأجر – بیتاً کان أو مغازة- فی شروط خاصة إخلاء محله؟ أ لیس ذلک منافیاً لاصل الملکیة و معارضاً لها؟
2. هل الخمس ینحصر بالغنائم الحربیة فلو انتفت الحرب ینتفی حکم الخمس؟
نحاول هنا الاجابة عن الاسئلة مرتبة:
1. فی البدء نشیر الى روایة فی هذا المجال: "کَانَ لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ نَخْلٌ فِی بُسْتَانِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَیُؤْذِیهِ، فَشَکَا الْأَنْصَارِیُّ ذَلِکَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص)، فَبَعَثَ إِلَى سُمْرَةَ وَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: بِعْ نَخْلَکَ هَذَا وَ خُذْ ثَمَنَهُ. قَالَ: لَا أَفْعَلُ. قَالَ فَخُذْ نَخْلًا مَکَانَ نَخْلِکَ. قَالَ: لَا أَفْعَلُهُ. قَالَ: فَاشْتَرِ مِنْهُ بُسْتَانَهُ. قَالَ: لَا أَفْعَلُ. قَالَ: فَاتْرُکْ لِی هَذَا النَّخْلَ وَ لَکَ الْجَنَّةُ. قَالَ: لَا أَفْعَلُ. فَقَالَ (ص) للْأَنْصَارِیِّ: اذْهَبْ فَاقْطَعْ نَخْلَهُ، فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِیهِ".[1]
و من الواضح أن النبی الأکرم (ص) قد أهتم بملکیة سمرة الفردیة واحترمها فی بادئ الامر و لکن لما أصر على عناده و کانت ملکیته منافیة لملکیة شخص آخر و مضرة بها و لم یکن سمرة على استعداد للتعامل إیجابیاً مع المقترحات العقلائیة التی أبداها النبی الاکرم (ص) لحل المشکلة حینئذ اعتبر النبی (ص) تلک الملکیته ملغاة.
و هذا الموضوع لایختص بالحقوق الاسلامیة بل سلمت به جمیع المدارس الحقوقیة حیث ذهب الى احترام حقوق الملکیة الفردیة ما دامت لا تعارض حریة الآخرین و قد عبروا عن هذه القضیة "بسوء استغلال الحق".[2]
و قد جاءت فی المادة الاربعین من دستور الجمهوریة الاسلامیة الاشارة الى هذه القضیة حیث ذکر فیها أنه لایحق لأی شخص أن یجعل حقوقه الخاصة سبباً للاضرار بالآخرین و التجاوز على المنافع العامة.
على هذا الاساس – و من دون الدخول فی الجزئیات و القضایا الفردیة – یمکن الاشارة الى هذا القانون الکلی وهو أنه یحق للحکومات - انطلاقا من المصلحة العامة او فی مجال عدم الاضرار بحقوق الاخرین- القیام ببعض الامور التی یظهر للوهلة الاولى انها منافیة للمکلیة الفردیة؛ و هذا لایتنافى مع الشریعة و القانون و إن کان الانسب مراعاة الدقة فی التصمیم و الاحتیاط فی اتخاذ القرارات.
2. اما بالنسبة الى القسم الثانی من السؤال نقول: إن الفقه الشیعی مستنبط من التعالیم القرآنیة و معارف أهل البیت (ع) ای من الرکنین الذین ترکهما لنا النبی الأکرم (ص) تحت عنوان " الثقلین".
فقد ورد فی القرآن الکریم قوله تعالى " وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ ..."[3]
وقد فهم فقهاء العامة من الآیة المذکورة أن الحکم یختص بغنائم الحرب خاصة فقط، الا أن أئمة الشیعة ذهبوا الى کون موضوع الخمس لایختص بالغنائم الحربیة بل یعم کل غنیمة، و هذا ما اشارت الیه الروایات الواردة عنهم علیهم السلام منها:
الف. عن الامام الکاظم (ع): " الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْیَاءَ مِنَ الْغَنَائِمِ وَ الْغَوْصِ وَ مِنَ الْکُنُوزِ وَ مِنَ الْمَعَادِنِ وَ الْمَلَّاحَةِ یُؤْخَذُ مِنْ کُلِّ هَذِهِ الصُّنُوفِ الْخُمُس".[4]
ب. عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (ع): عَنِ الْخُمُسِ. فَقَالَ: " فِی کُلِّ مَا أَفَادَ النَّاسُ مِنْ قَلِیلٍ أَوْ کَثِیر".[5]
یبحث فقهاء الشیعة هذه القضیة فی هذین الرکنین ( القرآن و کلام المعصومین) و یفتون انطلاقا من فهمهم لتلک الادلة.
و فی الختام نوجه لکم السؤال التالی: ما هو المعیار و الاساس الذی على اساسه اعتبرتم اصل الملکیة أهم بکثیر من الخمس؟!
[1] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 34، ص 289، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.
[2] انظر: کتاب "سوء استفاده از حق مطالعه تطبیقی در حقوق اسلام و دیگر نظامهای حقوقی" تألیف الدکتور حمید بهرامی احمدی.
[3] الانفال،41.
[4] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 539، ح 4، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.
[5] المصدر، 545، ح11.