لا يوجد في الكلام الموجود في نهج البلاغة تصريح بان الغيرة المقصودة هي الغيرة من الزواج الثاني للرجل، بل العبارة مطلقة حيث ورد فيها " غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ وَ غَيْرَةُ الرَّجُلِ إِيمَانٌ".
من هنا يمكن تصنيف غيرة النساء في هذا المجال الى صنفين:
الغيرة الناشئة من العلاقة الوطيدة و حبّ المرأة لحياتها الزوجية: فهذه تعلم بان الزواج الجديد (الدائم او المنقطع) لا يعد مخالفة للشريعة الاسلامية و أن زوجها لم يرتكب بفعله هذا أمراً مستقبحا شرعاً، الا ان حبها لحياتها المشتركة و قلقها على مستقبل تلك العلاقة يجعلانها تسعى جاهدة لافشال هذه القضية و ردع الزوج عن الزواج الجديد. و يمكن تفسير اكثر مواقف النساء بذلك و حمل غيرتهن على الخشية من تصدع العلاقة الزوجية و انفراط العقد المقدس بينها و بين زوجها. و لايوجد من يساوي بين هذه الغيرة و بين الكفر قطعا!
الغيرة التي يكون منطلقها عدم الرضا بحكم الله تعالى: فلو قدر وجود رجل يرى في نفسه الحاجة الى إمرأة أخرى سواء بالعقد الدائم أم المنقطع، فلا يحق له الخروج عن الضوابط التي رسمتها الشريعة الاسلامية، كما لا يحق لزوجته الاولى اعتبار ما قام به مخالفة للحكم الالهي؛ و ذلك لان هكذا موقف سيجرها في نهاية المطاف الى الكفر بالله، و المرأة المؤمنة لا يصدر منها ما يشم منه رائحة الكفر.
انطلاقا مما مرّ يمكن حمل المقطع المذكور في نهج البلاغة "غيرة المرأة كفر" على القسم الثاني، فكما ذمت الشريعة الغيرة غير المبررة للرجال أحياناً، كذلك اعتبرت الغيرة غير المبررة للنساء –احياناً اخرى- كفراً. وعليه يمكن الخروج بالنتيجة التالية من خلال مقارنة الرواية المذكورة مع الآيات و الروايات الاخرى، بأن أمير المؤمنين (ع) لم يكن بصدد ذم الغيرة المنطلقة من مبررات موضوعية لكل من الرجل و المرأة، فلم يوجه (ع) سهام نقده للغيرة المبررة للمرأة، و لم يضفي على الغيرة غير المبررة للرجال صفة الشرعية و الحق قطعاً، بل كان بصدد الاشارة الى نوع من الغيرة التي قد تجر صاحبها الى الكفر.
كما ينبغي الاشارة الى قضية مهمة جداً و هي أن مفردة "الكفر" تستعمل في الشريعة الاسلامة في أكثر من معنى و لها اكثر من مصداق، و ليس بالضرورة كلما استعملت هذه المفردة يراد منها الكفر بالله تعالى و نجاسة صاحبها، بل قد يطلق الكفر و يراد به – أحياناً- الاشارة الى عدم الشكر و الرضا و غير ذلك.
لا يوجد في الكلام الموجود في نهج البلاغة تصريح بان الغيرة المقصودة هي الغيرة من الزواج الثاني للرجل، بل العبارة مطلقة حيث ورد فيها " غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ وَ غَيْرَةُ الرَّجُلِ إِيمَانٌ"[1]
و من الصعب – إبتداءً- أن يدرك الانسان المراد من المقطع المذكور، و من هنا قد يحمل على كونه نوعاً من التمايز بين الجنسين، في الفكر الديني و كلمات المعصومين، الا ان التأمل في العبارة يزيح هذا التصور الخاطئ عن الاذهان و يكشف لنا ان المراد صورة أخرى لاعلاقة لها بما يتوهم إبتداءً.
و نحن اذا تابعنا كلمات الباحثين العرب ندرك بأن مفردة "الغيرة" تستعمل أحياناً في الحالات التي يبدي صاحبها نوعاً من الحساسية المفرطة و ردة الفعل العنيفة تجاه قضية معينة.
فاذا انتقلنا الى الدائرة الاضيق "الاسرة" فحينئذ يمكن تفسير الغيرة بالحساسية و ردة الفعل العنيفة لكل من الزوجين قبال العلاقة بين زوجه و طرف ثالث من الجنس المخالف. و هنا لابد من البحث في قضية أخرى متمثلة بالموقف الاسلامي من هذه الغيرة، و هل الاسلام يرتضيها أو يرفضها؟ و هذا يقتضي تحليل الموارد المختلفة لاستعمالات الغيرة انطلاقاً من الاصول الاسلامية المقررة:
1.غيرة الرجل و ردة فعله اتجاه العلاقة غير المشروعة للمرأة: لقد جعل الله تعالى الرجال قوامين و مسؤولين عن إدارة الاسرة، و قد اشار الى الحكمة التي دعت الى هذا التشريع المتمثلة بالمسؤولية المالية و الإنفاق الذي يقع على كاهل الرجال.[2] و الرجال المؤمنون إضافة الى مسؤوليتهم و مديرتهم المالية لم يغفلوا عن تحمل عبء الادارة الثقافية للاسرة أيضاً ساعين بالحد الممكن للحفاظ على أسرهم من الضياع و الانحراف و الضلال.[3]
و من البديهي أن النساء المؤمنات يعملن بمسؤولياتهن الدينية و الاخلاقية أيضاً و يتجنبن جميع ما لا ينسجم مع الشريعة الاسلامية، لكن اذا ما أحس مدير الأسرة –احياناً- بوجود الوساوس الشيطانية تجري في محيط الاسرة لتجر إمرأته أو أحد اولاده الى هاوية الانحراف، و لم يظهر ردة فعل معاكسة، فلا ريب أن هكذا موقف مدان و مذموم من قبل الشريعة الاسلامية و التعاليم الدينية.[4] و من الطبيعي أن غيرة الرجل و ردة فعله تجاه هذه الامور يعد من الإيمان و من الامور المحبذة التي يجب تشجيعها و النظر اليها نظرية ايجابية "غيرة الرجل إيمان".
2. غيرة الرجل اتجاه العلاقات المشروعة للمرأة: و هنا يطرح التساؤل التالي: هل من الصحيح أن يعيش الرجل حالة من سوء الظن و النظرة الى المرأة و الاولاد بمنظار الريبة و الشك، و مراقبتهم و تحسس اخبارهم حتى في الامور التي لم يصدر منهم ما هو مريب او ما يخالف للشريعة، ظناً منه: "أنه رجل غيور"؟!
وقد تصدت التعاليم و الارشادات الدينية لمثل هذه الصفة لدى الرجال و منعت من سوء الظن و الشك و إبداء الغيرة و ردة الفعل اتجاه التحركات المباحة التي تصدر من أحد أفراد الاسرة، و اعتبرت هذا النوع من الغيرة من الامور القبيحة التي لا ينبغي الاتصاف بها.
يقول أمير المؤمنين (ع) في وصيته لولده الحسن المجتبى (ع): " وَ إِيَّاكَ وَ التَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ وَ الْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَب".[5]
و في هذا إشارة الى قضية مهمة و هي أن التذرع بالغيرة و إبداء ردة الفعل غير الطبيعية يحد من حركة المرأة و يمنعها من القيام بمهامها الاجتماعية، الأمر الذي لا تحبذه الشريعة و لا يرتضيه الفكر الديني الاصيل.
3. غيرة النساء قبال العلاقات غير المشروعة للرجال: هل مجرد الاستناد الى بعض الروايات كالرواية المذكورة في متن السؤال يبرر لنا القول بأن الغيرة من شؤون الرجال، و لا ينبغي للمرأة أن تبدي ردة فعل اتجاه سلوكيات زوجها المنافية للشرع، فلا تحرك ساكناً و ليس أمامها الا التوكل على الله؟!
لاريب أن التعاليم الاسلامية تضع على كاهل المرأة الكثير من المسؤوليات الاجتماعية شأنها شأن الرجل، و عليها أن تتصدى للانحرافات و القبائح التي تصدر هنا أو هناك مع قدرتها على التغيير و التصدي، وقد صرح القرآن بهذه الحقيقة في الآية المباركة: "الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر".[6]
إنطلاقا من ذلك لو قدر للمرأة المسلمة أن تردع زوجها عن العلاقات غير المشروعة يجب عليها العمل بمسؤولياتها الشرعية، فاذا تساهلت في هذه القضية الحساسة فحينئذ تلام على ذلك و تؤاخذ بسبب تهاونها عن القيام بمسؤولياتها.
4. غيرة النساء قبال العلاقات المشروعة لأزواجهن: من الطبيعي جداً أن تبدي المرأة حساسية و غيره على زوجها و لا تريد أن تزاحمها أخرى في حياتها الزوجية، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى الكل يعلم بان الشريعة الاسلامية أباحت للرجال – بشروط خاصة- تعدد الزوجات، و هذا ما صرح به القرآن الكريم[7]، و إن كان الواقع قد أثبت بأن نسبة الرجال الذين استفادوا من هذا الترخيص لا يتجاوز الواحد بالمئة. الا ان ذلك لا ينفي وجود الاباحة المذكورة التي قد تكون سبباً لغيرة المرأة.[8]
و من هنا يمكن تصنيف غيرة النساء في هذا المجال الى صنفين:
1-4. الغيرة الناشئة من العلاقة الوطيدة و حبّها لحياتها الزوجية: فهي تعلم بان الزواج الجديد (الدائم او المنقطع) لا يعد مخالفة للشريعة الاسلامية و أن زوجها لم يرتكب بفعله هذا أمراً مستقبحا شرعاً، الا ان حبها لحياتها المشتركة و قلقها على مستقبل تلك العلاقة يجعلانها تسعى جاهدة لافشال هذه القضية و ردع الزوج عن الزواج الجديد. و يمكن تفسير اكثر مواقف النساء بذلك و حمل غيرتهن على الخشية من تصدع العلاقة الزوجية و انفراط العقد المقدس بينها و بين زوجها. فهل مثل هكذا غيره تعد كفراً؟!
و من حسن الحظ أن رواية عمار بن اسحاق تجيب عن السؤال المذكور قال: قلتُ لأَبي عبد اللَّه (ع): المرأَةُ تغارُ على الرَّجل تؤذيه! قال: ذلك من الحبِّ.[9]
و المتأمل في الرواية يرى بأن الإمام الصادق (ع) لم ينظر الى القضية نظرة سلبية و لا يرى موقفها هذا كفراً، بل يراه ردة فعل طبيعية ناشئة من الحب، بل لا يرى المساواة بين حبّها هذا و بين الكفر بالله.
2-4. الغيرة التي يكون منطلقها عدم الرضا بحكم الله تعالى: صحيح أن القرآن الكريم حذر الرجال ممن يرغبون بتعدد الزوجات في قوله تعالى "فَلا تَميلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحيما"[10] فلو قدر وجود رجل يرى في نفسه الحاجة الى إمرأة أخرى سواء بالعقد الدائم أم المنقطع، لا يحق له الخروج عن هذه الضابطة التي رسمتها الآية المباركة، كما لا يحق لزوجته الاولى اعتبار ما قام به مخالفة للحكم الالهي؛ و ذلك لان هكذا موقف سيجرها في نهاية المطاف الى الكفر بالله، و المرأة المؤمنة لا يصدر منها ما يشم منه رائحة الكفر.[11]
انطلاقا مما مرّ يمكن حمل المقطع المذكور في نهج البلاغة "غيرة المرأة كفر" على هذا المعنى، فكما ذمت الشريعة الغيرة غير المبررة للرجال أحياناً، كذلك اعتبرت الغيرة غير المبررة للنساء كفراً. من هنا يمكن الخروج بالنتيجة التالية من خلال مقارنة الرواية مع الآيات و الروايات الاخرى، أن أمير المؤمنين (ع) لم يكن بصدد ذم الغيرة المنطلقة من مبررات موضوعية لكل من الرجل و المرأة، فلم يوجه (ع) سهام نقده للغيرة المبررة للمرأة، و لم يضفي على الغيرة غير المبررة للرجال صفة الشرعية و الحق قطعاً.
و في الختام لابد من الاشارة الى قضية مهمة جداً و هي أن مفردة "الكفر" تستعمل في الشريعة الاسلامة في اكثر من معنى و لها اكثر من مصداق، و ليس بالضرورة كلما استعملت هذه المفردة يراد منها الكفر بالله تعالى و نجاسة صاحبها، بل قد يطلق الكفر و يراد به – أحياناً- الاشارة الى عدم الشكر و الرضا و غير ذلك.
[1] نهج البلاغة، الحكمة 124.
[2] النساء، 34؛ "الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساء".
[3] التحریم، 6؛ "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْليكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَة".
[4] انظر: الكليني، محمد بن یعقوب، الکافي، ج 5، ص 536، ح 2-5، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365 ش.
[5] نهج البلاغة، ص 405، کتاب 31.
[6] التوبة، 71.
[7] النساء، 3؛ "فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً".
[8] انظر: موضوع "شروط تعدد الزوجات و اباحة الزواج للرجال"سؤال 3103 (الموقع: 3368).
[9] الكافي، ج 5، ص 506، ح 6.
[10] النساء، 129.
[11] الكافي، ج 5، ص 505، ح 2.