کل شعوب الدنیا تحب أوطانها. و وجود الاجانب فی بلد له صور مختلفة مثل: السفر لاجل الزیارة و السیاحة و التجارة و العمل و الانتاج و الدراسة و العلاج و لاجل القیام بالبحوث و التحقیقات العلمیة و المسابقات العلمیة و القرآنیة، و الاهداف العسکریة و....
ان وجود العتبات المقدسة فی العراق میزة استثنائیة لهذا البلد تجذب الکثیرین من عاشقی أهل البیت (ع) من کل أنحاء العالم. و أهل العراق حینما یوفرون الامکانیات الرفاهیة فانهم یفسحون المجال أمام تزاید عدد الزائرین. و لکن هؤلاء –کباقی الشعوب الحیة و الواعیة – یرفضون تواجد الاجانب بهدف الاحتلال و الاعتداء علی هذا البلد، لان حضور الاجانب ینافی الاستقلال و یوفر الفرص لنهب الثروات المادیة و تشویه ثقافة البلاد و یخدش الشعور الوطنی و.... و لهذا السبب فقد کان لهذا الشعب صفحة مضیئة فی الجهاد ضد المحتلین، و فی هذا المجال یمکن الاشارة الی ثورته و وقفته البطولیة بقیادة مراجع التقلید و علماء العراق فی مواجهة قوات الانکلیز.
و العراق الیوم محتل من قبل القوات الامریکیة و بعض حلفائها بذریعة تحریر العراق و انقاذه من قبضة صدام المقبور، و تخفی وراء ذلک هدفها الحقیقی المتمثل فی سرقة ومصادرة الثروات الطبیعیة والنفطیة و الحضور العسکری و السیاسی فی المنطقة و السیطرة علی المسلمین و الحیلولة دون اتحاد الدول الاسلامیة فی المنطقة.
و قد کان لذلک آثاره التخریبیة مثل: اثارة الفتنة الطائفیة و العنصریة و الاغتیالات و الاضرار الاخلاقیة، و تحطیم البنی التحتیة للاقتصاد العراقی، و وضع العقبات أمام طریق البناء و اعمار البلد، و نهب الثروة الوطنیة و....
وعلی هذا الاساس فان الشعب العراقی المظلوم الواعی یرفض تواجد الاجانب المحتلین علی أرضه.
کل شعوب الدنیا تحب أوطانها و تعتبرها بیوتها. و من جانب آخر فان وجود الحدود الجغرافیة للدول لم یمنع من التردد و زیارة بعضها للبعض الآخر.
و لحضور الاجانب فی بلد غیر بلدهم أشکال متعددة: کالحضور لاجل الزیارة و السیاحة و التجارة و العمل و الانتاج و الدراسة و المعالجة و لاجل تبادل الخبرات فی مجال البحوث و التحقیقات العلمیة و السفر لاجل المشارکة فی المسابقات العلمیة و القرآنیة و کذلک لتبادل الخبرات العسکریة و...
و هذه الانواع من الحضور مرحب بها من قبل جمیع دول العالم لانها توفر عائدات للدولة المضیفة، فالجمیع یسعی لتوفیر الاجواء المناسبة و تهیئة الفرص و توفیر عوامل الجذب فی جمیع المجالات من أجل کسب أقصی حد ممکن من المنافع عن هذا الطریق. و حکومة العراق و شعبه لیسوا مستثنین من هذا الامر، فهم فی سعی دائب فی استثمار کل طاقاتهم فی هذا المجال و خصوصاً مع وجود العتبات المقدسة و مراقد أئمة الشیعة (ع) فی هذا البلد. ففی کل یوم یسافر عدد کبیر من عشاق أهل بیت العصمة و الطهارة من مختلف أنحاء العالم الی هذا البلد. و شعب العراق لا یعارض هذا الحضور، و لیس هذا فحسب بل یقوم بتوفیر الامکانیات الرفاهیة للزائرین لکی یشجع علی حضور المزید منهم، فانه و بغض النظر عن المنافع المادیة، فانهم یعتبرون خدمة الزوار و المجاورین لأئمة الشیعة و سام شرف و فخراً لهم یحصلون بسببه علی الاجر و الثواب العظیم.
و علی هذا الاساس فلا یمکن القول بان الشعب العراقی النبیل یعارض کل أشکال حضور شعوب باقی البلدان مهما کانت الغایة و الهدف. انهم - کباقی الشعوب الحیة الواعیة – یعارضون حضور الاجانب الذین یکون هدفهم العدوان و الاحتلال، و ذلک:
1.انهم یعتبرون حضور الاجنبی فی بلدهم مانعاً و مخلاً باستقلال البلد و وحدة أراضیه.
2.ان الاحتلال یصاحبه دائماً نهب و سلب الثروات المادیة و تشویه لثقافة البلد المحتل.
3.ان وجود المحتلین یمس الشعور الوطنی لکل شعوب العالم و ان له آثاره السیئة الاجتماعیة و الاخلاقیة و... علی البلد.
4.ان المحتل یرید أن یجعل من البلد الذی یحتله قاعدة للهجوم علی دول الجوار.
إن العراق –و بسبب موارده النفطیة الهائلة و موقعه الجغرافی الاستراتیجی فی منطقة الشرق الاوسط- کان منذ القدم مورداً لاطماع القوی الاستعماریة، و ان لشعب هذا البلد تأریخاً حافلاً فی مواجهة المحتلین.
ففی السنوات من 1914 الی 1917 قام الانکلیز باحتلال أجزاء من العراق منها مدینة بغداد الکبیرة و التاریخیة. و قد تنبّه الشعب العراقی الغیور المسلم، بفضل العلماء و الخطباء الاسلامیین الی خطر التسلط العسکری للانکلیز و استیلائهم علی الثروات و حقول النفط العراقیة، و لجأ الی قادته الدینیین، أی مراجع التقلید و طلب منهم اعلان الجهاد من أجل مقاومة المحتل. و لم یکتف علماء العراق أمثال السید محمد کاظم الیزدی و الآخوند الملا کاظم الخراسانی والمیرزا محمد تقی الشیرازی و...[1] باصدار حکم الجهاد بل حضروا بانفسهم فی الصفوف الاولی للمجاهدین فی جبهات الحرب یصاحبهم فی ذلک کبار رجال الدین العراقیین و شیوخ العشائر و ابناء العراق الغیارى، و قاموا بمواجهة القوات الانکلیزیة و کان ذلک صفحة لامعة فی تاریخ المقاومة المسلحة الاسلامیة. ثم بدأت سلسلة من العملیات و الهجمات المسلحة علی القوات المحتلة و مقراتها فی الفرات الاوسط بتاریخ 30 حزیران 1920 فتحولت هذه الحرکة الی ثورة شعبیة عمّت جمیع أنحاء العراق و استمرت خمسة أشهر. و یعتبر یوم 30 حزیران 1920 هو یوم بدایة هذه الثورة. و قد سمیت تلک الثورة بالثورة العراقیة الکبری و حیث انها کانت فی سنة 1920 فقد عرفت بثورة العشرین.
و علی هذا الاساس فان رفض الشعب العراقی للاحتلال أمر طبیعی جداً، و المستغرب ان یکون لهذا الشعب المسلم الغیور الذی تربی منذ القدم فی ظل الاسلام و الائمة المعصومین (ع) و علماء الاسلام الواعین، سلوک آخر غیر ذلک، فالتصدی إذن ینسجم کل الانسجام مع طبیعة الشعب و ثقافته الاسلامیة.
و الیوم فان القوات الامریکیة و معها حلفاؤها قد دخلت العراق بذریعة تحریره من مخالب صدام،و لکنها اخفت أهدافها الحقیقیة من وراء هذا الاحتلال و التدنیس لأرض المقدسات.
ومن الاهداف الخبیثة لاحتلال العراق:
1.سرقة و نهب الثروات الطبیعیة و النفطیة، فقد أتوا بقواتهم فعلاً بذریعة تحقیق الامن و انهاء النزاع بین الفرقاء المتخاصمین، و لکنهم یقومون بنهب موارد هذا البلد الاسلامی و ممتلکاته بهذه الحجة.
2.التواجد العسکری و السیاسی فی المنطقة و السیطرة علی قوة المسلمین الکبیرة.
3.الحیلولة دون اتحاد الشعبین العظیمین العراقی و الایرانی،نظراً لتوفر فرص کثیرة للاتحاد و التعاون.
و قد کان لهذا الاحتلال نتائج کارثیة حلت بالشعب العراقی، منها:
1.اثارة الفتنة الطائفیة و العنصریة: حیث توجد فی البلد قومیات و مذاهب و طوائف مختلفة تتعایش فیما بینها منذ قرون طویلة، فان ایجاد الفرقة و الاختلاف و خلق الفتنة بینها تحت عناوین مختلفة یوفر الارضیة المناسبة لتضعیف هذا البلد و تقسیمه.
2.الارهاب هو أحد نتائج احتلال العراق: ان الارهاب و المشاکل الامنیة الموجودة صار هو الشغل الشاغل للحکومة الجدیدة فی هذا البلد حیث ذهب ضحیته مئات الالاف من القتلی. و طبقاً للاحصائیة التی قامت بها جامعة جان هابکینز الامریکیة و الجامعة المستنصریة فی بغداد فانه قد قتل تقریباً 600 ألف شخص فی النزاعات الداخلیة فی العراق منذ آذار سنة 2003 الی سنة 2006. فی حین انه قتل خلال عملیات احتلال هذا البلد ثلث هذا العدد تقریباً. و ان معدل ما یقتل یومیاً بسبب الاحتلال و مضاعفاته 50 الی 100 شخص. و تشیر التقاریر –إضافة الی ما تقدم – الی انه منذ احتلال هذا البلد الی بدایة سنة 2007 فقد غادر العراق ملیونا شخص تقریباً بسبب الاشتباکات الطائفیة. و کان ذلک أکبر موجة تشرید منذ زمن تشرید الفلسطینیین[2].
3.الآثار الاخلاقیة المشؤومة مثل الفقر و الفساد و الفحشاء و...
4.تدمیر البنی التحتیة للاقتصاد العراقی و ایجاد العقبات فی طریق البناء و اعمار البلد. ان الشعب العراقی المظلوم وهو من الشعوب الثریة فی العالم، لا یزال محروماً -منذ بدایة احتلال البلد و الی الآن –من الخدمات الاولیة للحیاة، کالماء الصالح للشرب و الکهرباء و الصحة و...
5.نهب ثروات هذا البلد و منها النفط؛ ان القوات المحتلة بعد سیطرتها علی آبار النفط فی البلد قامت باستخراج و نهب ملایین البرامیل من النفط .
وعلی أساس ذلک فان الشعب العراقی المظلوم الواعی، یرفض وجود الاجانب علی ارضه، و قد استطاع بتضامنه و اتحاده ان یخطو خطوات کبیرة فی طریق اخراج المحتل. و ندعو الله القادر المتعال له بالنصر النهائی المؤزر.