إن وحدة النظر و الفتوى بین المجتهدین ترتبط بعدة أمور:
1ـ اشتراک مصادر الاجتهاد،
2ـ وحدة المبانی فی المقدمات التی یرتبط بها الاجتهاد،
3ـ وحدة النتائج المحصلة من المصادر،
4ـ اتحاد الرؤیة و النظر فی التطبیق و تعیین الموضوعات الخارجیة،
على الرغم من وحدة مصادر الفقه الشیعی، و إنها معینة و معلومة و مشترکة بین جمیع الفقهاء، و لکن اختلاف مبانی المجتهدین فی مسائل العلوم المتعلقة بالاجتهاد، و التفاوت بینهم فی القدرات العقلیة و الاستعدادات الفکریة، کل ذلک کان سبباً لاختلاف النتائج التی توصل إلیها کل واحدٍ منهم، و فی بعض الموارد یکون الاختلاف فی تشخیص و تعیین الموضوعات سبباً فی اختلاف الفتوى بین العلماء.
و مع ملاحظة کل هذه العوامل إلا أن نسبة المسائل المختلف فیها ضئیلة جداً بالقیاس إلى المسائل المشترکة.
الاجتهاد فی اللغة یعنی تحمل المشاق و الصعوبات و اشتقاقه من مادة «جَهد»[1] بفتح الجیم، و کذلک بمعنى القدرة و الإمکانیة و اشتقاقه من «الجهد» بضم الجیم.[2]. و أما باصطلاح الفقهاء فمعنى الاجتهاد استعمال الحد الأقصى من الإمکانات و الجهد العلمیین من أجل استنباط الحکم الشرعی الفرعی و تحصیله من مصادره و أدلته، و إن وحدة النظر و الفتوى بالنسبة للمجتهدین تتعلق بعدة أمور:
1ـ إتحاد مصادر الاجتهاد و اشتراکها،
2ـ وحدة المبانی فی علوم المقدمات التی لها علاقة بالاجتهاد،
3ـ التوصل إلى نتیجة واحدة من مصادر الاجتهاد،
4ـ تعیین و تشخیص نتیجة واحدة من مصادر الاجتهاد،
و بالنسبة للفقه الشیعی فعلى الرغم من اتحاد مصادر الاجتهاد «القرآن، و السنة، و العقل» بین جمیع المجتهدین و أنها معتبرة لدى الجمیع، و لکن الفقهاء یحتاجون إلى مجموعة من العلوم الأخرى تساعدهم فی عملیة الاستنباط و الحصول على الأحکام، کدراسة علوم العربیة و آدابها، و التعرف على طبیعة المحاورات المتعارفة فی زمان المعصوم (ع) و مجموعة من العلوم الأخرى کالمنطق، و أصول الفقه، و علم الرجال، و کذلک الاطلاع على القرآن و الحدیث و ... .[3] و إضافة إلى معرفة الفقیه لکل هذه العلوم لابد له من اختیار مبنى معین لیتمکن من تسخیر تلک العلوم فی طریق الاستنباط و استحصال الحکم. فمن الممکن لمجتهد أن یرفض بعض الروایات و الأحادیث طبقاً للمبنى الذی یعتمده فی علم الرجال، فلا یرى حجیة بعض الروایات من جهة السند، و إذا لم توجد روایات أخرى یدرسها فی هذا الموضوع فمعنى ذلک أن هذا الفقیه لا یمکنه أن یصدر فتوى فی هذه المسألة، فی حین یمکن للفقهاء الآخرین أن یقبلوا نفس الروایات و یعتمدوها و یصدروا الفتوى على أساسها. و کذلک لا تتساوى قدرة التحلیل و معالجة النصوص لدى جمیع المجتهدین، و علیه فمن الممکن أن یکون لکل مجتهد نتائجه الخاصة به المستحصلة من الآیات و الروایات ـ و کذلک من الممکن أن یعتقد مجتهد بأن هذا الشیء المعین هو موضوع و مصداقٌ لحکمٍ خاص، فی حین لا یکون مثل النظر لدى مجتهدٍ آخر.
و کل واحد من هذه العوامل من الممکن أن یکون سبباً لاختلاف الفتوى بین المجتهدین، و لکن مع کل هذه الأسباب فإن اختلاف الفتوى بین المجتهدین قلیلٌ جداً، و أکثره یقع فی الجزئیات من المسائل، و أما فی المسائل الأخرى فإن رأی المجتهدین متطابق و لهم نظر واحد و فتوى واحدة. مع العلم بوجود ما یقارب 3000 مسألة خاضعة لمعالجات الفقهاء بالاضافة الى المسائل المستحدثة التی لایمکن ان نحصرها بعدد معین لانها تابعة لتطورات العصر و احتیاجات الانسان المتجددة.