في كتبنا الروائية هناك فئتان من الروايات؛ الفئة الأولى هي الروايات التي تقول باستقلال البنت في الزواج و القرار فيه، و في مقابلها هناك روايات اشترطت إذن الوالد. أما الفقهاء فبعد دراسة كلا القسمين من الروايات خرجوا بنتيجة أن رضا الأب و الفتاة (معا) شرط في أمر زواجها، و لا فرق في هذا الحكم بين العقد المنقطع، و العقد الدائم. يعني و إن كان الأب لا يحق له أن يعقد بنته على أحد من دون رضاها، كذلك لا يحقّ للبنت أن تتزوج من دون إذن أبيها.
لابدّ أن نلتفت بأنه و إن كان الاطلاع على الروايات الفقهية بصفتها أدلة الأحكام الفقهية لا يخلو عن الفائدة، و لكن استنباط الحكم الشرعي عن مصادره هو شأن المختصين و المجتهدين في العلوم الإسلامية، و لا يمكن الحكم بجواز أمر أو عدم جوازه بهذه البساطة و بمجرّد مشاهدة بعض الروايات. إذن أولئك الذين لم يبلغوا هذا المستوى من القدرة إما أن يحتاطوا و إما أن يقلدوا أحد المراجع، و أن ينظموا حياتهم على أساس آرائه التخصصية.
لقد نوقشت الروايات التي ذكرتموها في مجالين؛ الأول: استقلال الوليّ في تزويج بنته أو عدم استقلاله (يعني هل يشترط إذن البنت في تزويجها أم يحقّ للوالد أن يزوّج بنته لأحد من دون إذنها)
الثاني: إذن الوالد في الزواج المنقطع لبنته الباكر.
إن ثبت في القسم الأول أن البنت مستقلة في أمر زواجها الدائم أو المنقطع، لا يبقى مجال لمناقشة القسم الثاني؛ يعني إن ثبت استقلال البنت، ينتف إذن الأب. و فقط إن ثبت من خلال الأدلة إذن الأب في زواج البنت أو كان إذنه شرطا مع رضا البنت، عند ذلك لا يخلو طرح القسم الثاني مع أدلته من الفائدة و إن كان طرحه غير ضروري.
القسم الأول:
القسم الأول هو الروايات التي طرحتها في سؤالك و هي الروايات الدالة على استقلال البنت في أمر زواجها، و لكن بعد مراجعة الكتب الروائية نعثر على قسم آخر من الروايات في هذا الباب و هو الروايات الدالة على استقلال الأب في تزويج بنته. فتنقسم الروايات إلى ثلاثة أقسام و مع إرفاق الروايات الدالة على استقلال البنت تصبح الروايات على أربعة أقسام.
الروايات الدالة على استقلال الأب في أمر القرار على تزويج البنت:
الفئة الأولى: هي الروايات الدالة على اعتبار و اشتراط رضا الأب (الولي) بلا إشارة إلى رضا البنت أو عدمه.
الفئة الثانية: هي الروايات التي أعطت زمام أمر زواج البنت بيد أبيها مطلقا. فهي بالدلالة الضمنية لا تعطي استقلالا للبنت.
الفئة الثالثة: هي الروايات التي تصرح بأن أمر زواج البنت بيد والدها، من قبيل ما روي عن الإمام الصادق (ع) حيث قال: َ الْجَارِيَةُ الْبِكْرُ الَّتِي لَهَا أَبٌ لَا تَتَزَوَّجُ إِلَّا بِإِذْنِ أَبِيهَا.[1]
بالنسبة إلى الفئة الأولى و الثانية من الروايات يمكن جمعها مع روايات استقلال الفتاة في أمر الزواج بنحو من الأنحاء؛ يعني نقول بأن الفئة الأولى لا تتعارض مع الروايات التي تشترط إذن البنت، إذ يمكن الجمع بين اعتبار رضا الأب مع اشتراط رضا البنت. في الفئة الثانية يقول الإمام (ع): "ليس لها مع أبيها أمر."[2] إن هذا القول و إن كان ينفي إذن البنت ضمنيّا، و لكن مع هذا لا يتعارض و يمكن الجمع بينه و بين تلك الروايات بهذه الطريقة و هي أن نقول: مع حياة والد البنت، لا يكون أمر زواجها بيدها و حسب، بل يشترط إذن الأب أيضا (مضافا إلى رضا البنت نفسها).
في الفئة الثالثة من الروايات التي تعطي أمر زواج البنت بيد الوالد بشكل صريح يوجد تعارض، و لکن مقدار هذه الروايات ليس بحيث نقطع بصدورها عن المعصوم (ع).[3]
الجمع بين الأخبار
في طريقة الجمع بين بعض الأخبار من قبيل خبر بريد بن معاوية الذي يحكي عن استقلال البنت في أمر زواجها[4] و بين الأخبار التي أعطت الاستقلالية للوالد في أمر زواج البنت،[5] هناك عدة أقوال قد نسبت إلى فقهاء الشيعة، و لكن أفضلها على أساس قول الشيخ الأنصاري (ره) هو القول باشتراط رضا الأب و البنت معا في أمر زواج البنت.[6]
لا ينبغي هنا أن يُشكل بأن الروايات قد اشترطت رضا الأب في الزواج الدائم لا المنقطع، حيث لم يشترط رضاه فيه، إذ أولا قد اشترط رضا الأب في الزواج المنقطع في صحيحتين على الأقل،[7] ثانيا، قد اتفق علماء مدرسة أهل البيت على عدم وجود فرق بين المتعة و الزواج الدائم من هذه الناحية.[8]
إذن و إن أشارت بعض الروايات إلى استقلال البنت في أمر زواجها، و لكن الجمع بين هذه الروايات و الروايات التي اشترطت إذن الأب عمل اجتهادي لا يقدر عليه إلا المجتهدون و الفقهاء. طبعا توجد هناك بعض المصالح في اشتراط رضا الأب في أمر زواج البنت دائما كان أو منقطعا، و لكن لم تدخل هذه المصالح في عملية استنباط الفقهاء للحكم و استدلالهم الفقهي على اشتراط إذن الأب، بل إنما عُمِل بالروايات و حسب. نعم! لا شك في أن التقيّد بالنصوص يؤدي إلى تحقيق المصالح.
و أما سؤالك الثاني:
لقد قلت في سؤالك: "بعد ذلك عرفت بأنه كان من المفروض أن استأذن و الد البنت تكليفا" فمن المحتمل أنك تقلد أحد المراجع الذين يشترطوا إذن الأب في الزواج تكليفا،[9] فعلى أساس هذا أصل كان العقد صحيحا، و عليه فلم ترتكبوا إثما من هذه الناحية و بسبب العلاقة التي كانت بينكما أثناء عقد المتعة، و لكن بسبب ارتكاب المحرّم (إجراء العقد من دون إذن الأب) قد ارتكبتم معصية. آملين أن تكون حياتكم الزوجية مفعمة بالتوفيق و السعادة على أساس اهتمامكم بأوامر الله عزوجل.
المواضيع ذات الصلة:
السؤال: 1044 (الموقع: 1110) (الإسلام و العلاقة السليمة بين الفتى و الفتاة).
السؤال: 1407 (الموقع: 1427) (العلاقة مع غير المحرم قبل الزواج).
السؤال: 1448 (الموقع: 1540) (العلاقة الجنسية بين الرجل و المرأة).
السؤال 3038 (الموقع: 3285) (شرط إذن الأب في الزواج المؤقت).
[1] العاملی، محمد بن حسن، و سائل الشيعة، ج،20 ص 270، ح 25600، آل البیت، قم، 1409.
[2] و بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْبِكْرِ إِذَا بَلَغَتْ مَبْلَغَ النِّسَاءِ أَ لَهَا مَعَ أَبِيهَا أَمْرٌ فَقَالَ لَيْسَ لَهَا مَعَ أَبِيهَا أَمْرٌ مَا لَمْ تُثَيَّبْ . وسائل الشيعة، ج 20، ص 271، ح 25604.
[3] راجع: الخوئي، ابوالقاسم، موسوعة الإمام الخوئي، ج33، ص 209،قم، 1413.
[4] بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ كُلِّهِمْ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ الْمَرْأَةُ الَّتِي قَدْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا غَيْرُ السَّفِيهَةِ و لَا الْمُوَلَّى عَلَيْهَا تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ و لِيٍّ جَائِزٌ، وسائل الشيعة، ج 20، ص 267.
[5] من قبیل حدیث 25604 الذي جاء في الهامش و حدیث " أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: الْعَذْرَاءُ الَّتِي لَهَا أَبٌ لَا تَتَزَوَّجُ مُتْعَةً إِلَّا بِإِذْنِ أَبِيهَا"، الصدوق، محمد بن علی، من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 461، مكتب النشر الإسلامي، قم، 1413.
[6] راجع: الأنصاري، مرتضی، كتاب النكاح، ص 127، مؤتمر الشيخ الأعظم، قم، 1415؛ کما ذهب إلى نفس هذا الرأي السيد الخوئي حيث قال في الجمع بين الأخبار: و نتيجة ذلك اشتراك البنت و أبيها في الأمر، و عدم استقلال كل منهما فيه، نظراً للطائفة الأُولى و الثانية الدالتين على اعتبار إذن الأب، و المعتبرتين الظاهرتين في الاشتراك كما يظهر ذلك من التعبير بالحظ و النصيب و الصريحتين في اعتبار إذنها؛ راجع: موسوعة الإمام الخوئي، ج33، ص 209.
[7] صحيحة البزنطي عن الإمام الرضا (ع)، قال: «البكر لا تتزوج متعة إلّا بإذن أبيها» و صحيحة أبي مريم عن أبي عبد اللَّه (ع)، قال: «العذراء التي لها أب لا تزوّج متعة إلّا بإذن أبيها. راجع: موسوعة الإمام الخوئي، ج33، ص 213.
[8] يقول الشيخ الأنصاري في هذا المجال: "و ظهر أيضا ممّا ذكرنا- من استقرار مذهب الفقهاء الإماميّة على عدم القول بالفصل بين المتعة و الدوام" كتاب النكاح (للشيخ الأنصاري)، ص 125؛ كذلك قال السيد الخوئي: "و من هنا يكون حكم المتعة حكم الزواج الدائم في اعتبار رضا الأب" راجع: موسوعة الإمام الخوئي، ج33، ص: 214.
[9] يقول آية الله البهجة (ره): يشترط الإذن على الأحوط تكليفا. مقتبس من السؤال 3038 (الموقع: 3285).