التعبد هو بمعنى إظهار العبودیة لله و الخضوع لأوامره من دون أی نقاش.
فبهذا المعنى کل خطوة فی سبیل کسب رضا الله تعبد، فإن کان القبول بولایة الفقیه بهذا الهدف، یعتبر مصداقا للتعبد. لکن علماء الدین استعملوا کلمتی "التعبد" و "التعبدی" فی معان أخرى محدودة لا تشمل موضوع ولایة الفقیه، إذ یتبادر من هذه الکلمة أن ولایة الفقیه واجب تعبدی فی مقابل الواجب التوصلی أو یجب أن یؤمن به الإنسان تعبدا من دون دلیل.
من أجل الإجابة عن هذا السؤال یجب أن نعلم موارد استعمال کملة "التعبد" فی علم الفقه.
إن إظهار العبودیة لله سبحانه و التسلیم لأوامره و السعی للحصول على مرضاة الرب یسمى "تعبدا"، سواء أعلم بسبب ما یؤدیه بشکل واضح، أم لم یصل إلى حکمته و لم یأت به إلا اتباعا لأئمة الدین. قمة تقرّب کل إنسان بإیمانه و هو أن ینظم حیاته المادیة و المعنویة بحیث یجعل حرکاته و سکناته کلها تتسم بالعبودیة. إن هذا التعریف یقوم على أساس نظرة واسعة لمعنى "التعبد".
لکن هناک نظریات و تحدیدات أضیق تعطی لعنوان تعبدیة الأوامر الشرعیة معنیین آخرین:
1ـ إذا کنا لم نعرف الحکمة من حکم شرعی بشکل واضح، و لم نتبع الحکم إلا لأنه جاء من قبل الله و بلّغه رسله و لابد لنا من اتباع هذه الأحکام، یعبر عن ذلک بأننا خضعنا لهذا الحکم تعبدا. و قد حثت بعض الروایات المؤمنین على أن یتصفوا بهذه الصفة من التعبد.[1]
طبعا موضوع هذا التعبد هو فروع الدین حیث لا ضرورة لفهم حکمة الحکم بعد إثبات أصول الدین, و إن کان العلم لا یضرّ بل هو اکمل.
2ـ وهناک اصطلاح آخر و هو "الواجب التعبدی" فی مقابل "الواجب التوصلی" و قد طرحه علماء الدین أخیراً. طبعا لا توجد هذه الاصطلاحات فی المصادر الأولى الإسلامیة و إنما هی نتیجة دراسة العلماء لأنواع الواجبات.
"الواجب التعبدی" هو الواجب الذی لا یمکن أداؤه من دون نیة التقرب إلى الله. مثلا إن أمسک إنسان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس و تحمّل الجوع بلا قصد التقرب الى الله، لا یمکن أن نسمی إمساکه صوماً، و یجب علیه أن یکرر إمساکه مع القصد، لأن الصوم واجب تعبدی. فی المقابل إنقاذ الغریق الذی هو واجب أیضا، لکنه لا یحتاج إلى قصد هذا الهدف (التقرب الى الله) و لا تجب الإعادة إن لم یقصد التقرب. نعم، انه أدى هذه التکالیف بنیة التقرب أیضا، سیکون أجره أعظم.
بهذه المقدمة نرجع إلى سؤالکم:
إن الشخّص المؤمن بعد التعقّل و النظر فی الروایات توصل الى نتیجة مؤداها أن عقیدة "ولایة الفقیه" أمر جاء من قبل الله و مرضی عنده، یحق له أن یتعبد بهذا الأمر من باب التعبد و الخضوع لکل ما یرضی الله عز وجل. هذا هو التعبد بالمعنى الواسع.
من خلال کلمات الإمام الخمینی (ره) فی مختلف المقاطع نجده یتعبد بولایة الفقیه. حیث قال: "لا تقولوا نحن نقبل بولایة الفقیه، لکن سیتعرض الإسلام به إلى الضیاع! إن معنى ذلک تکذیب الأئمة و تکذیب الإسلام".[2] و قال: "إن الشعب یرید ولایة الفقیه التی قال بها الله، و أنتم تقولون کلا، لا داعی لذلک".[3] أو: "إن مجلس الخبراء یرید أن یثبت ولایة الفقیه، یرید مجلس الخبراء أن یصوّب على ما قال به الله تبارک و تعالى... إن قضیة ولایة الفقیه لیست أمراً جاء به مجلس الخبراء، بل هی مما أنشأها الله تبارک و تعالى".[4]
أما بالنسبة إلى کونها تعبدیة بالمفهومین الضیّقین لکلمة التعبد، فنقول:
أولا: لا یمکن أن تکون نظریة ولایة الفقیه أمراً تعبدیاً بالمعنى المحدود الأول، إذ دلیلها و سببها واضح وه و الرجوع إلى الخبیر. فحتى لو لم تکن أی روایة فی هذا المجال، یمکن إثباتها من خلال العقل و العرف البشری، کما أن الکثیر من العلماء قد ذکروا أدلتها فی أبحاثهم.
ثانیا: و أما بالنسبة إلى المعنى المحدود الثانی نقول: بما أن القبول بأصل ولایة الفقیه، قضیة اعتقادیة، لا یمکن أن نفترض وجوب تکرار العمل إن لم یتم بقصد التقرب کما یجب فی الواجبات التعبدیة، أما بالنسبة إلى إجراء أحکام ولی الفقیه و أوامره، یبدو أن وجوب إطاعة الولی وجوب توصلی بحیث حتى و إن لم ینفذ الإنسان أمر الولی قربة إلى الله، یکون مجزیا و لا یحتاج إلى الإعادة.