المكر في اللغة العربية بمعنى "صرف الغير عمّا يقصده" (خيراً كان أم شراً). وهذا هذا المعنى ليس سيئاً دائماً.
و نسبة المكر لله سبحانه بمعنى إحباط المكائد الشيطانية المضرة، فاذا نسبت الى المفسدين حينئذ تعطي معنى الوقوف أمام المناهج الإصلاحية، و عليه يكون المراد من الآية أن أعداء المسيح وضعوا الخطط الشيطانية للتصدي له و الوقوف بوجه دعوته الإلهية، إلا إن الله و لحفظ حياة نبيّه و صون الدعوة من أثرات هذا المخطط الخطير، مكر أيضاً فأحبط كل ما مكروه و خططوا له.
لا بد أولا من معرفة المراد من "المكر الإلهي" ليتضح المعنى.
"المكر" في اللغة العربية يختلف كثيراً عمّا هو عليه في اللغة الفارسية المعاصرة، فالمكر في اللغة الفارسية المعاصرة هو وضع الخطط الشيطانية الضارّة. و قد يكون هذا المعنى هو المتبادر في الاستعمالات العربية المعاصرة و عند المتلقي العربي في عصرنا الراهن، إلا ان معناها الحقيقي عند المتكلم العربي في عصر الدعوة و ما سبقها و عند علماء اللغة العربية هو البحث عن العلاج لأمر ما، من هنا نجد الراغب الاصفهاني صاحب مفردات القرآن الكريم يقول في بيانه لمعنى المكر[1]: المكر: صرف الغير عما يقصده ـ خيراً كان أم شراً ـ و عليه لا تختص كلمة المكر في المصطلح القرآني بالخطط الشيطانية المضرة، فقد تستعمل و يراد منها هذا الأمر، كذلك قد تسعتمل بمعنى العلاجات الحسنة فقد وردت كلمة "المكر" مقرونة بكلمة "الخير" إذ يقول "وَ مَكَرُواْ وَ مَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيرْ الْمَاكِرِين"[2] كما وردت مقترنة مع "السيء" في: "اسْتِكْبَارًا في الْأَرْضِ وَ مَكْرَ السَّيىِّ وَ لا يحَيقُ الْمَكْرُ السَّيئُِّ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تجَدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَ لَن تجَدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تحَوِيلا".[3]
و عليه يكون المراد من الآية هو أن أعداء المسيح وضعوا البرامج الشيطانية و رسموا الخطط الجهنمية للوقوف بوجه هذه الدعوة الإلهية، و لكن الله و لكي يحفظ حياة نبيّه و يصون الدعوة مكر أيضاً فأحبط كل ما مكروه.[4]
إذن، لا تختص كلمة المكر بالأمور التي تجلب الضرر. فإذا نسبت هذه الكلمة إلى الله فإنها تعني إحباط المؤامرات الضارة من قبل الآخرين، و إذا نسبت إلى المفسّدين فحينئذ تعني التخطيط و التآمر للوقوف أمام المناهج الإصلاحية.[5]
[1] المفردات في غريب القرآن، ص 772.
[2] آل عمران، 54.
[3] الفاطر، 43.
[4] تفسير الأمثل، ج 2، ص 514، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق.
[5] تفسير الأمثل، ج 12، ص 92.