خلاصة السؤال
إذا كان الله تعالى يضل من يشاء و يهدي من يشاء فكيف ينسجم ذلك مع مقولة العدل الإلهي؟
السؤال
ورد في الآية 284 من سورة البقرة: "لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ"، و هناك آيات كثيرة تؤكد أنّ الله يهدي من يشاء و يضل من يشاء، و هنا يثار السؤال التالي: ما هو المعيار الذي يتمّ تعذيب الضالين أو الصفح عنهم و فقاً له؟ و هل تنسجم المشيئة الإلهية هذه مع العدل الالهي؟.
الجواب الإجمالي
هناك الكثير من آيات الذكر الحكيم تشير إلى دور المشيئة الإلهية في تحقيق كلّ من العزّة والذلة، و الرزق، و العفو و العذاب و.....، و هناك طائفة أخرى من الآيات تشير إلى إيكال العزّة و الهداية و السعادة و الرزق و... إلى عمل الانسان و مدى مثابرته و سعيه و إخلاصه، فيكون الانسان وفقا لهذه الآيات مختاراً في تحقيق كلّ ما ذكر، و بعبارة أخرى تكون الجنة ثمناً و جزاءّ لما يقوم به الانسان من عمل، و لا تنافي بين الآيات التي تشير إلى كون الإرادة و المشيئة الإلهية سبباً في الرحمة الإلهية تارة و العذاب الإلهي أخرى، وبين الآيات التي تربط ذلك بالسعي و المثابرة و الجهد و الجهاد من العبد و التقوى و الخشية من الله و الاخلاص له، بل تكمل بعضها البعض الآخر؛ لأن مشيئة الله تعني الحركة وفقاً للقوانيين الإلهية و السنن الربانية و الوصول إلى الآثار و النتائج التي جعلها الله تعالى في تلك الاسباب و العوامل.
الجواب التفصيلي
هناك الكثير من آيات الذكر الحكيم تشير إلى دور المشيئة الإلهية في تحقيق كلّ من العزّة والذلة، و الرزق، و العفو و العذاب و..... من قبيل الآية المذكورة في متن السؤال، و هناك طائفة أخرى من الآيات تشير إلى إيكال العزّة و الهداية و السعادة و الرزق و... إلى عمل الانسان و مدى مثابرته و سعيه و إخلاصه، فيكون الانسان وفقا لهذه الآيات مختاراً في تحقيق كلّ ما ذكر، و بعبارة أخرى تكون الجنة ثمناً و جزاءّ لما يقوم به الانسان من عمل؛ و هنا لابد من البحث عن كيفية نسبة الصورتين إلى الله تعالى و ما هو المبرر المنطقي لكلا النسبتين؟ و هل يوجد تضاد بين الطائفتين؟ و كيف يتم الجمع بين الطائفتين و ازالة التضاد الظاهري؟
قبل الإجابة عن السؤال المطروح لابد من الاشارة إلى أنّ هكذا اسئلة إنما تثار من قبل البعض لأنهم قارنوا بين مشيئتهم و بين المشيئة الإلهية فقاسوا إرادة الله بارادتهم، و لمّا كانوا في إرادتهم و مشيئتهم ينطلقون من الميول و الأحاسيس و المشاعر النفسية فظنوا أنّ ما لدى الله تعالى ينطلق من نفس الاسباب، و هو مما لاريب من المقارنات الخاطئة؛ لأنّ إرادته و مشيئته تعالى تقوم على أساس الحكمة و القوانين العادلة التي لا تتغير؛ و ذلك لانّه عزَّ شأنه قد وضع سلسلة من العوامل و الاسباب المساعدة في تطور البشرية و تكاملها، و أن الاستفادة من آثار تلك الاسباب هو عين المشيئة الإلهية.
فمشيئة الله تعني الحركة وفق السنن و القوانين الإلهية الحكيمة التي لا تقبل التبدّل و التغيّر.
انطلاقا من هذه المقدمة يمكن القول بأن مشيئة الله تعالى باعطاء بعض الافراد مثلا لا تندرج في قائمة التمييز ولا تتنافى بحال من الاحوال مع العدالة الإلهية بل هي عين العدالة و روحها؛ و هذا المعنى قد اشار اليه المفسرون و المتكلمون المسلمون عامة و الامامية منهم خاصة، فقد ورد في تفسير الأمثل، في تفسير قوله تعالى "وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ"، إنّ العزّة و الحكم و الحياة و الموت ليست هي وحدها بيد اللّه، بل بيده كلّ أنواع الرزق و النعم أيضا. و أنّ هذه الآية لا تتعارض مع الآيات التي تبيّن التقدير الإلهي و تطرح موضوع لياقة الأفراد و قابليّتهم و مسألة التدبير في الخلقة.
و هنا يطرح سؤال آخر و هو: إنّنا نعلم أنّ الإنسان حرّ في كسب رزقه بغير إجبار، و ذلك بموجب قانون الخلق و حكم العقل و دعوة الأنبياء، فكيف تقول هذه الآية أنّ كلّ هذه الأمور بيد اللّه؟
في الجواب نقول: إنّ المصدر الأوّل لعالم الخلق و جميع العطايا و الإمكانات الموجودة عند الناس هو اللّه، فهو الذي وضع جميع الوسائل في متناول الناس لبلوغ العزّة و السعادة. و هو الذي وضع في الكون تلك القوانين التي إذا لم يلتزمها الناس انحدروا إلى الذلّ و التعاسة. و على هذا الأساس يمكن إرجاع كلّ تلك الأمور إليه، و ليس في ذلك أيّ تعارض مع حرّية إرادة البشر، لأنّ الإنسان هو الذي يتصرّف بهذه القوانين و المواهب و القوى و الطاقات تصرّفا صحيحا أو خاطئا.[1]
إنطلاقاً من هذه المقدمة نعود إلى الآية المباركة "لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ"[2] و من الواضح أنّ قوله تعالى "فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ" أنّ إرادته لا تكون بدون دليل، بل أنّ عفوه أيضا يرتكز على دليل و مبرّر، و هو لياقة الشخص للعفو الإلهي، و هكذا في عقابه و عدم عفوه.[3]
و عليه لا تنافي بين الآيات التي تشير إلى كون الإرادة و المشيئة الإلهية سبباً في الرحمة الإلهية تارة و العذاب الإلهي أخرى، وبين الآيات التي تربط ذلك بالسعي و المثابرة و الجهد و الجهاد من العبد و التقوى و الخشية من الله و الاخلاص له، بل تكمل بعضها البعض الآخر؛ لأن مشيئة الله تعني الحركة وفقاً للقوانيين الإلهية و السنن الربانية و الوصول إلى الآثار و النتائج التي جعلها الله تعالى في تلك الاسباب و العوامل.
لمزيد الاطلاع انظر:
8059 (الموقع: 5425)، تحت عنوان: الرحمانية و الهداية الإلهية.
12698 (الموقع: 7905)، تحت عنوان: هداية المتقين في القرآن.
قبل الإجابة عن السؤال المطروح لابد من الاشارة إلى أنّ هكذا اسئلة إنما تثار من قبل البعض لأنهم قارنوا بين مشيئتهم و بين المشيئة الإلهية فقاسوا إرادة الله بارادتهم، و لمّا كانوا في إرادتهم و مشيئتهم ينطلقون من الميول و الأحاسيس و المشاعر النفسية فظنوا أنّ ما لدى الله تعالى ينطلق من نفس الاسباب، و هو مما لاريب من المقارنات الخاطئة؛ لأنّ إرادته و مشيئته تعالى تقوم على أساس الحكمة و القوانين العادلة التي لا تتغير؛ و ذلك لانّه عزَّ شأنه قد وضع سلسلة من العوامل و الاسباب المساعدة في تطور البشرية و تكاملها، و أن الاستفادة من آثار تلك الاسباب هو عين المشيئة الإلهية.
فمشيئة الله تعني الحركة وفق السنن و القوانين الإلهية الحكيمة التي لا تقبل التبدّل و التغيّر.
انطلاقا من هذه المقدمة يمكن القول بأن مشيئة الله تعالى باعطاء بعض الافراد مثلا لا تندرج في قائمة التمييز ولا تتنافى بحال من الاحوال مع العدالة الإلهية بل هي عين العدالة و روحها؛ و هذا المعنى قد اشار اليه المفسرون و المتكلمون المسلمون عامة و الامامية منهم خاصة، فقد ورد في تفسير الأمثل، في تفسير قوله تعالى "وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ"، إنّ العزّة و الحكم و الحياة و الموت ليست هي وحدها بيد اللّه، بل بيده كلّ أنواع الرزق و النعم أيضا. و أنّ هذه الآية لا تتعارض مع الآيات التي تبيّن التقدير الإلهي و تطرح موضوع لياقة الأفراد و قابليّتهم و مسألة التدبير في الخلقة.
و هنا يطرح سؤال آخر و هو: إنّنا نعلم أنّ الإنسان حرّ في كسب رزقه بغير إجبار، و ذلك بموجب قانون الخلق و حكم العقل و دعوة الأنبياء، فكيف تقول هذه الآية أنّ كلّ هذه الأمور بيد اللّه؟
في الجواب نقول: إنّ المصدر الأوّل لعالم الخلق و جميع العطايا و الإمكانات الموجودة عند الناس هو اللّه، فهو الذي وضع جميع الوسائل في متناول الناس لبلوغ العزّة و السعادة. و هو الذي وضع في الكون تلك القوانين التي إذا لم يلتزمها الناس انحدروا إلى الذلّ و التعاسة. و على هذا الأساس يمكن إرجاع كلّ تلك الأمور إليه، و ليس في ذلك أيّ تعارض مع حرّية إرادة البشر، لأنّ الإنسان هو الذي يتصرّف بهذه القوانين و المواهب و القوى و الطاقات تصرّفا صحيحا أو خاطئا.[1]
إنطلاقاً من هذه المقدمة نعود إلى الآية المباركة "لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ"[2] و من الواضح أنّ قوله تعالى "فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ" أنّ إرادته لا تكون بدون دليل، بل أنّ عفوه أيضا يرتكز على دليل و مبرّر، و هو لياقة الشخص للعفو الإلهي، و هكذا في عقابه و عدم عفوه.[3]
و عليه لا تنافي بين الآيات التي تشير إلى كون الإرادة و المشيئة الإلهية سبباً في الرحمة الإلهية تارة و العذاب الإلهي أخرى، وبين الآيات التي تربط ذلك بالسعي و المثابرة و الجهد و الجهاد من العبد و التقوى و الخشية من الله و الاخلاص له، بل تكمل بعضها البعض الآخر؛ لأن مشيئة الله تعني الحركة وفقاً للقوانيين الإلهية و السنن الربانية و الوصول إلى الآثار و النتائج التي جعلها الله تعالى في تلك الاسباب و العوامل.
لمزيد الاطلاع انظر:
8059 (الموقع: 5425)، تحت عنوان: الرحمانية و الهداية الإلهية.
12698 (الموقع: 7905)، تحت عنوان: هداية المتقين في القرآن.