لقد ورد في القرآن الكريم و في روايات المعصومين (ع) أن مريم ابنة عمران ولدت في عائلة فقيرة لا يمكنها إدارة أمورها المعاشية لوحدها (لأن أباها قد فارق الحياة قبل ولادتها) لذلك كفلها زكريا (و هو زوج خالتها).
كانت حياة السيدة مريم ـ س ـ مصحوبة دوما بالصعوبات و المشاكل و الحرمان، لانها منذ صغرها كانت تخدم في المعبد ـ طبقاً لنذر أمها ـ و قد كُلّفت هناك بأعمال فوق طاقتها لكنّها تقبلتها برحابة صدر و لم تشتكي أبداً لأجل ذلك. كما أنها كانت صبورة جداً في مقابل طعون المعترضين و إتهاماتهم و كانت مع ذلك تتمتع بمقام الرضا عن الله سبحانه، و قد خصها الله بهذا المقام الرفيع بسبب صبرها و رضاها و إطاعتها المحضة.
أما كلام النبي عيسى (ع) في المهد فهو و إن يحكي عن مقامه و عظمته لكنه لم يكن إلا للدفاع عن عصمة أمّه ـ س ـ و طهارة ذيلها و عفافها.
و بما أن الله كان عالماً بكفاءة النبي عيسى (ع) و أهليته و كان محيطاً بتهذيبه لنفسه، لذلك خصه بهذه الخصوصيات و أعطاه مقام العصمة و نصبة لهذا المقام الرفيع، و كل ذلك من قبيل الأجر قبل العمل.
لا بد من المرور أولا على حياة السيدة مريم ـ س ـ ليتضح الجواب عن السؤال المطروح: فقد جاء في التواريخ و الأخبار الإسلامية و أقوال المفسرين أن "حنّة" و "أشياع" كانتا أختين، تزوّجت الأولى "عمران" أحد زعماء بني إسرائيل، و تزوّجت الأخرى النبي "زكريا".
مضت سنوات على زواج "حنّة" من غير أن ترزق بمولود و في أحد الأيام بينما هي جالسة تحت شجرة، رأت طائراً يطعم فراخه، فأشعل هذا المشهد نار غريزة الأمومة في قلبها، فتوجهت إلى الله بمجامع قلبها طالبة منه أن يرزقها مولوداً، فأستجاب الله دعاءها الخالص، و لم تمض مدة طويلة حتى حملت.
وقد ورد في الأحاديث بأن الله قد أوحى إلى "عمران" أنّه سيهبه مولوداً مباركاً يشفي المرضى الميؤوس من شفائهم، و يحيي الموتى بإذن الله، و سوف يرسله نبيا إلى بني أسرائيل. فأخبر عمران زوجته "حنّة" بذلك. لذلك عندما حملت ظنت أن ما تحمله في بطنها هو الإبن المولود، دون أن تعلم أن ما في بطنها أم ذلك الإبن الموعود "مريم" فنذرت ما في بطنها للخدمة في بيت الله "بيت المقدس". و لكنها لما وضعتها و رأتها أنثى إرتبكت و لم تدر ما تعمل، إذ الخدمة في بيت الله كانت مقصورة على الذكور، و لم يسبق أن خدمت فيه أنثى.
يرى البعض أن إقدام إمرأة عمران على النذر دليل على أن عمران توفي أيام حمل زوجته، و إلّا من البعيد أن تستقل الأم بهذا النذر.[1] لقد ورد في القرآن الكريم و في روايات المعصومين (ع) أن مريم بنت عمران ولدت في عائلة فقيرة لا يمكنها إدارة أمورها المعاشية لوحدها (لأن أباها قد فارق الحياة قبل ولادتها) لذلك كفلها زكريا (و هو زوج خالتها).[2]
كانت حياة السيدة مريم ـ س ـ و مصحوبة دوماً بالصعوبات و المشاكل و الحرمان، لانها منذ صغرها كانت تخدم في المعبد ـ طبقاً لنذر أمها ـ و قد كُلّفت هناك بأعمال فوق طاقتها لكنّها تقبلتها برحابة صدر و لم تشتكي أبداً لأجل ذلك. كما أنها كانت صبورة جداً في مقابل طعون المعترّضين و إتهاماتهم و كانت مع ذلك تتمتع بمقام الرضا عن الله سبحانه، و قد خصها الله بهذا المقام الرفيع بسبب صبرها و رضاها و إطاعتها المحضة. حيث يقول: "وَ إِذْ قَالَتِ الْمَلَئكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَئكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفَئكِ عَلىَ نِسَاءِ الْعَالَمِين".[3]
أجل فعلى أثر هذا السعي الخالص فضلها الله سبحانه على نساء زمانها. لأن الله شاكر و لا يترك أعمال عباده من غير جزاء. لذلك عبر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بقوله : "إِنَّ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَ مَن تَطَوَّعَ خَيرْا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيم".[4]
حياة السيدة مريم ـ س ـ السالمة و الطاهرة و تربيتها لنبي عظيم من أولي العزم لهداية البشر و إرشادهم نحو الله تعالى التي تعدّ أفضل قدوة لتربية النساء و الأمهات في كل عصر و زمان، تعتبر أكبر خدمة تقدمها هذه السيدة الطاهرة للمجتمع البشري، لا يمكن قياسها بأي خدمة أخرى، إذ من الواضح أن أكبر خدمة للبشر هي تربية الإنسان. فلو وفق شخص لأن يتحف البشرية بإنسان واحد يربيه تربية صالحة جيدة تعتبر خدمة كبيرة، فكيف بأم تربي نبياً عظيماً تربية تكون سبباً لهداية ملايين من البشر، فهل يمكن تصور خدمة أكبر من هذه؟
أما كلام النبي عيسى (ع) في المهد في الأيام الأولى من ولادته فهو و إن يعد معجزة كبيرة تحكي عن عظمة شأنه و مقامه الرفيع، لكنها لم تكن إلا للدفاع عن عصمة و عفاف أمّه و دفع التمهة عنها حيث باتت طعمة لأمواح التهمّ التي وجهت اليها من قبل النساء عديمات المروءة، و أستغل الأعداء هذا الظرف (أي ولادة عيسى (ع) من غير أب) فرصة للتعرض لشخصية هذه المرأة البريئة. فنجاحهم في هذا الأمر يعني الطعن في نبوة عيسى (ع) و وصمها بالعار.
فالأمر الوحيد الذي أحبط ما يطمحون إليه هو هذه المعجزة. فهي التي سبّبت إرجاع حربة المكذبين مثيري الإشاعات إلى نحورهم. كما حصلت معجزة مشابهة في مسألة إتهام زليخا لنبي الله يوسف (ع) حيث إنطق الله سبحانه طفلاً رضيعاً –حسب بعض الروايات- و أقرّ أمام الملأ ببراءة يوسف (ع) مما رموه به.
و هذا أكبر دليل على كفاءة النبي عيسى (ع) و أهليته و تهذيبه لنفسه لإحراز مقام النبوة و الهداية و القيادة الحكيمة الشفيقة و تربية البشر بقوله و فعله و .... و بما أن الله سبحانه كان عالماً بهذه المسائل لذلك خصّه بهذه الخصوصيات و أعطاه مقام العصمة و نصبه لهذا المقام الرفيع، و كل ذلك من قبيل الأجر قبل العمل.
[1] مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، ج 2، ص 467، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق.
[2] آل عمران، 37 ـ 35.
[3] آل عمران، 42.
[4] البقرة، 158.