قد یتوهم البعض ان الاسلام یقف موقف الضد من الشعر و الشعراء و لکن هذا توهم واضح.
لا شک أن الذوق الشعری و الفن الشاعری کسائر رؤوس الأموال، له قیمته فی صورة ما لو استعمل استعمالا صحیحا و له أثر إیجابی ... إلّا أنّه إذا صار وسیلة تخریب و هدم للبناء العقائدی و الأخلاقی فی المجتمع، فلا قیمة له، بل یعتبر وسیلة ضارة عندئذ ... .
فالشعر ینبغی أن یؤدی دورة فی وجود الإنسان لیکون ذا قیمة کبرى، و أن لا یسوق الناس نحو الخیال أو الضیاع أو الإشغال دون جدوى، لأنّه سیکون وسیلة للضرر و الإضرار.
أن تقویم الإسلام فی هذا المجال قائم على الأهداف و الوجوه و النتائج ... .
أنّه من المؤسف أنه على طول التاریخ أسقط جماعة هذه المنحة الإلهیة و الذوق اللطیف، الذی هو من أجمل مظاهر الخلق، فأنزلوه من أوجه إلى الحضیض، و کذبوا فیه کثیرا حتى قیل فی المثل المعروف: «أعذبه أکذبه».
و ربّما سخّروه فی خدمة الجبابرة و الظالمین و تملّقوا لهم، رجاء صلة محتقرة رخیصة ...
أن أئمّة الإسلام الکرام- کما تقول بعض الرّوایات- أوصوا شیعتهم و أصحابهم بحفظ أشعارهم کما ورد ذلک فی شأن «أشعار العبدی». إذ ورد عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «یا معشر الشیعة، علموا أولادکم شعر العبدی، فإنّه على دین اللّه».
فی حدیث آخر عن الإمام الصادق علیه السّلام أنه قال: «ما قال فینا قائل بیت شعر حتى یؤید بروح القدس» «عیون أخبار الرضا» ...
قد یتوهم البعض ان الاسلام یقف موقف الضد من الشعر و الشعراء و ذلک انطلاقا من قوله تعالى"وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُون"[1] و لکن هذا توهم واضح لان الآیة المبارکة لم تکن بصدد ذم کل انواع الشعر بل هی بصدد ذم نوع خاص منه؛ من هنا نرى علماءنا قد عقدوا بحوثا مفصلة فی هذا المجال منهم الشیخ مکارم الشیرازی فی تفسیر الامثل ننقله بالنص لتکون على بینة من الامر.
2- الشعر و الشاعریة فی الإسلام
لا شک أن الذوق الشعری و الفن الشاعری کسائر رؤوس الأموال، له قیمته فی صورة ما لو استعمل استعمالا صحیحا و له أثر إیجابی ... إلّا أنّه إذا صار وسیلة تخریب و هدم للبناء العقائدی و الأخلاقی فی المجتمع، فلا قیمة له، بل یعتبر وسیلة ضارة عندئذ ...
فالشعر ینبغی أن یؤدی دورة فی وجود الإنسان لیکون ذا قیمة کبرى، و أن لا یسوق الناس نحو الخیال أو الضیاع أو الإشغال دون جدوى، لأنّه سیکون وسیلة للضرر و الإضرار.
و یتّضح بهذا الجواب على السؤال التالی:
ماذا یفهم من الآیة المتقدمة، هل الشاعریّة أمر حسن أو غیر حسن، و هل یوافق الإسلام الشعر أو یخالفه؟!
فالجواب على ذلک أن تقویم الإسلام فی هذا المجال قائم على الأهداف و الوجوه و النتائج ... و کما
قال الإمام علی علیه السّلام حین کان بعض أصحابه یتکلمون على مائدة الإفطار فی إحدى لیالی شهر رمضان، و جرى کلامهم فی الشعر و الشعراء، فخاطبهم أمیر المؤمنین علی علیه السّلام قائلا: «اعلموا أن ملاک أمرکم الدین، و عصمتکم التقوى، و زینتکم الأدب و حصون أعراضکم الحلم»[2].
فکلام الإمام علی علیه السّلام إشارة إلى أن الشعر وسیلة ... و معیار تقویمه الهدف الذی قیل من أجله! ...
إلّا أنّه- و للأسف- استغلّ الشعر على امتداد تاریخ آداب الأمم و الملل لأغراض سیئة، و تلوّث هذا الذوق الإلهی اللطیف، فسقط فی الوحل بسبب البیئة الفاسدة، و بلغ الشعر أحیانا درجة من الانحطاط بحیث صار من أهم عوامل الفساد و التخریب، و لا سیما فی العصر الجاهلی الذی کان عصر انحطاط الفکر العربی و أخلاقه!. فکان الشعر و الشراب و الغارات بعضها إلى جنب بعض ممّا ممیزات ذلک العصر! و لکن من یستطیع أن ینکر هذه الحقیقة، و هی أن الأشعار البنّاءة و الهادفة على امتداد التاریخ، خلقت طاقات کثیرة و حماسة قصوى، و ربّما عبأت امة مغلوبة بوجه أعدائها، فشدتها على العدوّ فهزمته و انتصرت «بهذه الأشعار».
و فی فترة نضوج الثورة الإسلامیة رأینا بأم أعیننا کیف أثرت الأشعار الحماسیة فی نفوس الناس، فحرکتهم و أثارتهم حتى جرت دماء الثورة فی مفاصلهم، و جعلتهم صفا واحدا و زلزلت قصور الأعداء و هزمتهم ...
کما نسأل: من یستطیع أن ینکر أن شعرا أخلاقیا ینفذ فی أعماق الإنسان و یغیّر محتواه لدرجة لا یبلغها کتاب علمی غزیر المحتوى ...
أجل، إن الشعر کما قال عنه النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم «إن من الشعر لحکمة و إنّ من البیان لسحرا». [3]
و للکلمات الموزونة و إیقاعها- أحیانا- مضاء السیف و نفوذ السهم فی قلب العدو ...
ففی بعض أحادیث الرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم- فی مثل هذه الأشعار- أنه قال: «... و الذی نفس محمد بیده فکأنّما تنضحونهم بالنبل».[4]
أجل ... قال النّبی ذلک حین کان العدو یهجو المسلمین لیضعف معنویاتهم و روحیّاتهم، فأمر النّبی شعراء المسلمین أن یردّوا علیهم بالهجاء المقذع، لذمهم و تقویة روحیّة المسلمین.
وقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم فی شأن أحد الشعراء المدافعین عن الإسلام «أهجهم فإنّ جبرئیل معک».[5]
فی تقویة الإسلام- و کانت الآیات قد نزلت فی ذم الشعراء- فقال یا رسول اللّه: ما أصنع؟!
فقال صلّى اللّه علیه و آله و سلّم «إنّ المؤمن یجاهد بنفسه و سیفه و لسانه»[6].
و قد ورد عن أئمة أهل البیت علیهم السّلام وصف کثیر فی الشعر و الشعراء الهادفین و الدعاء لهم و إیصال الجوائز إلیهم، بحیث یطول الکلام فی ذلک «إن أردنا نقل الروایات عنهم».
إلّا أنّه من المؤسف أنه على طول التاریخ أسقط جماعة هذه المنحة الإلهیة و الذوق اللطیف، الذی هو من أجمل مظاهر الخلق، فأنزلوه من أوجه إلى الحضیض، و کذبوا فیه کثیرا حتى قیل فی المثل المعروف: «أعذبه أکذبه».
و ربّما سخّروه فی خدمة الجبابرة و الظالمین و تملّقوا لهم، رجاء صلة محتقرة رخیصة ...
أو أنّهم أفرطوا فی وصف الشراب و الفجور و الفسق أحیانا، إلى درجة یخجل القلم عن ذکرها! و ربّما أشعلوا الحروب بنیران أشعارهم، و جروا الناس إلى القتل و الغارات، و لطخوا الأرض بدماء الأبریاء.
إلّا أن فی الطرف الآخر- و فی قبالهم- الشعراء الذین آمنوا بمبدئهم، و اشتدت همتهم، فسخّروا هذه القریحة الملکوتیة فی سبیل حریة الناس و التقوى، و مواجهة اللصوص و المستکبرین و الجبابرة، فبلغوا أوج الفخر! و ربّما دافعوا عن الحق فاشتروا بکل بیت من أبیات شعرهم بیتا فی الجنّة. [7]
ربما وقفوا فی وجوه حکام الظلم و الجور کبنی أمیة و بنی العباس الذین کانوا یحبسون الأنفاس فی الصدور، فتجلى القلوب بقصیدة کقصیدة دعبل «مدارس آیات خلت من تلاوة» و أماطوا عن الحقّ لثام الباطل، فکأنّما کان یجری على لسانهم روح القدس.
و ربّما أنشدوا الأشعار لإنهاض المضطهدین الذین کانوا یحسّون فی أنفسهم الاحتقار و الازدراء من قبل الظلمة ... فهاجوهم و أثاروهم بتلک الأشعار ...
و القرآن یقول فی شأن هؤلاء: "إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ ذَکَرُوا اللَّهَ کَثِیراً وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا".
ممّا یلفت النظر أن هؤلاء الشعراء قد یترکون شعرا خالدا مؤثرا بلیغا ... حتى أن أئمّة الإسلام الکرام- کما تقول بعض الرّوایات- أوصوا شیعتهم و أصحابهم بحفظ أشعارهم کما ورد ذلک فی شأن «أشعار العبدی». إذ ورد عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «یا معشر الشیعة، علموا أولادکم شعر العبدی، فإنّه على دین اللّه». [8]
و نختتم هذا البحث بقصیدة للعبدی، و هی من قصائده المعروفة، فی شأن خلافة الإمام علی علیه السّلام وصیّ النّبی صلّى اللّه علیه و آله و سلّم إذ قال:
و قالوا رسول اللّه ما اختار بعده إماما و لکنّا لأنفسنا اخترنا
أقمنا إماما إن أقام على الهدى أطعنا و إن ضل الهدایة قوّمنا
فقلنا: إذا أنتم إمام إمامکم بحمد من الرحمن تهتم و لا تهنا
و لکننا اخترنا الذی اختار ربّنا لنا یوم خم ما اعتدینا و لا حلنا
و نحن على نور من اللّه واضح فیا ربّ زدنا منک نورا و ثبتنا [9]
هذا تمام ما جاء فی تفسیرالامثل.[10] کذلک عقد السید الشهید محمد محمد صادق الصدر(قدس) بحثا مفصلا على المستوى الفقهی لقضیة الشعر و الشعراء یمکن مراجعته للاستفادة منه.[11]
و أمین الإسلام الشیخ أبو على الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسی فی کتاب "الآداب الدینیة للخزانة المعینیة" بعد نقل حدیث عن الرضا (ع)قال: و بالجملة فالظاهر هو تخصیص الکراهة فی جمیع ما ورد فیه کراهة إنشاد الشعر من زمان شریف أو مکان منیف.[12]
فی حدیث آخر عن الإمام الصادق علیه السّلام أنه قال: «ما قال فینا قائل بیت شعر حتى یؤید بروح القدس»[13].
[1]الشعراء،224.
[2] شرح نهج البلاغة، لابن أبی الحدید ج 20، ص 461.2.
[3] نقل حدیث الرّسول هذا جماعة کثیرة من علماء الشیعة و السنة فی کتبهم «یراجع کتاب الغدیر، ج 2، ص 9.
[4] مسند أحمد، ج 2، ص 260.
[5] مسند أحمد، ج 4، ص 299.
[6] تفسیر القرطبی، ج 7، ص 869.
[7] جاء عن الإمام الصادق أنّه قال: «من قال فینا بیت شعر بنى اللّه له بیتا فی الجنة»، «الغدیر، ج 2، ص 3.
[8] نور الثقلین، ج 4، ص 71.
[9] الکنى و الألقاب، ج 2، ص 455.
[10]الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج11، ص: 487- 491.
[11]انظر: ما وراء الفقه، الجزء العاشر، ص93.
[12] البحرانی، یوسف بن أحمد بن إبراهیم، الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطاهرة، ج 13، ص 164، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، الطبعة الأولى، قم المقدسة، 1405 هـ ق.
[13] شیخ صدوق، عیون أخبار الرضا علیه السلام، ج1، ص 7، ناشر: نشر جهان، تهران، چاپ اول، 1378 ق.