عداء معاویة لعی (ع) هو عبارة عن عداء ثقافتین و فکرین معا. ویجب أن نفتش عن هذا العداء فی مواصفات أطرافه.
لقد کان الإمام علی (ع) یتحلى بمواصفات کالعلم و السابقة فی الإیمان و الشجاعة و السخاء و الإیثار و العدالة غیر ذلک، و بسبب هذه الصفات القیمة جعل الله محبته فی قلوب الناس الأمر الذی أدى إلى حسد غیر المؤمنین و عدائهم له.
لیس عداء معاویة لعلی (ع) من قبیل عداء فرد لفرد آخر، بل هو عبارة عن عداء ثقافتین و فکرین معا. فیجب أن نفتش عن أسباب أمثال هذا العداء و الحقد تجاه أمیر المؤمنین (ع) فی صفاته و خصائله و میزانه فی التعامل مع الآخرین و کذلک فی صفات معاویة و خصائله.
کان أمیر المؤمنین (ع) یحمل صفات قیمة یستبشر بها کل من أحبه و تثیر حسد و عداء کل من ناواه. و کانت من صفاته علیه السلام:
1ـ العلم: بعد النبی (ص) کان علی (ع) أعلم الناس و أدراهم بالشریعة و أحکام الإسلام و دقائق و رموز العالم و نظام الخلق، بحیث کان یرجع إلیه الصدیق و العدو فی مشاکلهم و مسائلهم العویصة.
2ـ السابقة فی الإیمان: کان أمیر المؤمنین (ع) أول رجل آمن بالنبی الأعظم (ص) و قد نصبه النبی (ص) وصیاً و خلیفة له و عرّفه للناس بهذا العنوان.
3ـ الشجاعة و البطولة فی ساحة القتال: بلغت شجاعته إلى حد بحیث کان یفوّض إلیه أصعب الأدوار و أخطرها و کان یستقبلها بکل إیثار ورحابة صدر فیهزم العدو ویعود منتصراً.
4ـ السخاء و الجود: کان علیه السلام فی غایة السخاء فی أمواله الشخصیة، حیث لم یبق لنفسه و لا واحدة من الآبار و القنوات التی حفرها و بساتین النخیل التی زرعها بل أوقف جمیعها فی سبیل الله.
5ـ إیثار: بالإضافة إلى بذل المال کان علی (ع) یؤثر الفقراء و المساکین على ما یحتاجه هو و عائلته کثیرا و قد أشار القرآن إلى مورد و مثال من ذلک و مدحه و اثنى علیه بسببه.[1]
6ـ العدل: من أبرز صفات علی (ع) هو العدل و الإنصاف و بهذه الصفة أصبح القدوة و المثل الأعلى لکل القادة الرافعین لشعار العدالة. حیث قال (ع): "و اللَّهِ لَوْ أُعْطِیتُ الأَقَالِیمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاکِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِیَ اللَّهَ فِی نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِیرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ".[2]
7ـ عبادة الله و مخالفة الهوى: لم یخطو أمیر المؤمنین (ع) خطوة فی سبیل هواه قط و قد حطم هواه و جمیع أمیاله فی سبیل الله و ما سعی إلا للعبادة الخالصة لله و العمل فی سبیل الله. و کان صراعه مع عمرو بن عبدود نموذجاً رائعا من إخلاصه علیه السلام.
بسبب هذه الصفات و الخصائل الرائعة و بموجب هذه الآیة الشریفة التی تقول: "إِنَّ الَّذینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا"[3] جعل الله محبته فی قلوب الناس فکان أعز الناس بینهم. و هذا ما أدى إلى حسد غیر المؤمنین و عدائهم له، لأن أولئک الذین کانوا یدعون الإیمان و الأفضلیة لأنفسهم لم یستطیعوا أن ینافسوا علیاً فی هذه الصفات. لکن أکثر شیء أثار عداء مناوئیه و بالخصوص معاویة هو شدة عدل علی (ع). بعد أن استلم علی (ع) زمام الخلافة خطب فی مسجد المدینة و أعلن عن خطته و برنامجه بکل صراحة و وضوح و تحدث عن الخط الرئیسی فی حکومته و هو نشر العدالة و محاربة الظلم و تقدیم الأصلح و أخبر عن أنه سوف یقلب الموازین الموجودة "حَتَّى یَعُودَ أَسْفَلُکُمْ أَعْلَاکُمْ وَ أَعْلَاکُمْ أَسْفَلَکُمْ وَ لَیَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ کَانُوا قَصَّرُوا وَ لَیُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ کَانُوا سَبَقُوا"[4] و قال فی خطبة أخرى: "وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ وَمُلِکَ بِهِ الْإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ فَإِنَّ فِی الْعَدْلِ سَعَةً وَمَنْ ضَاقَ عَلَیْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَیْهِ أَضْیَق."[5]
من جانب آخر کان معاویة رجلا طالبا للرئاسة و لم یمنعه شیء للوصول إلیها حیث یروى أنه بعد صلح الإمام الحسن (ع) و فی خطبة صلاة العید کشف عن قصده و هدفه و قال: "ما قاتلتکم لتصوموا و لا لتصلوا و لا لتحجوا و لا لتزکوا، قد عرفت أنکم تفعلون ذلک، و لکن إنما قاتلتکم لأتأمر علیکم، فقد أعطانى الله ذلک و أنتم کارهون."[6] إذن من الواضح جدا أن الرؤیة التی جعلت غایة همها و سعیها هو الترؤس على الناس لا تطیق حکومة علی (ع) التی شُیّدت دعائمها على أساس القیم و المثل. بالأضافة إلى ذلک إن قتل أجداد معاویة و أقربائه المشرکین فی حروب صدر الإسلام سعّر فی قلبه نار الحقد و الضغینة تجاه الإسلام والنبی الأعظم وأصبح بصدد الانتقام منهم و هذا هو سبب مهم آخر لعداء معاویة لعلی (ع) إذ کان هو المثل للإسلام و أقرب الناس لرسول الإسلام (ص). کما أن ابنه یزید بعد ما قتل الإمام الحسین (ع) وقف أمام رأسه الشریف و أسفر عن تشفی عقده الکامنة و أنشد قائلا: "لَیْتَ أَشْیَاخِی بِبَدْرٍ شَهِدُوا / جَزِعَ الْخَزْرَجُ مِنْ وَقْعِ الْأَسَل..." و هو نفس البیت الذی أنشده ابن الزبعری بعد هزیمة المسلمین فی معرکة أحد و بعد استشهاد أنصار النبی (ص)[7]، و إذا بیزید یقرأه هنا بعد قتل الإمام الحسین (ع) و یشبّه هذه الواقعة بتلک و یتمنى لو کان أجداده حاضرین و یرون کیف أخذ بثأرهم من آل الرسول (ص).
إذن السبب الأصلی لعداء معاویة و بنیه لحکومة أمیر المؤمنین (ع) و أبنائه هو عداؤه للإسلام و هذا الکیان الذی أسسه و شیده النبی الأعظم (ص).
المواضیع العامة المرتبطة:
الصحابة وعلی (ع)، السؤال رقم 5060 (الرقم فی الموقع: 5301).
صفات الإمام علی (ع)، السؤال رقم 1783 (الرقم فی الموقع: 2551).
[1] الانسان، 8-10.
[2] المحدث النوری، مستدرک الوسائل، ج 13، ص 211. نَهْجُ الْبَلَاغَةِ، کلام 224.
[3] مریم، 96،
[4] نهج البلاغه، خ 16، ص57.
[5] نهج البلاغه، خ 15، ص 57.
[6] أبو الفداء اسماعیل بن عمر بن کثیر الدمشقی (م 774)، البدایة و النهایة، ج 8، ص131، نشر دار الفکر، بیروت، 1407/ 1986. "قال یعقوب بن سفیان: حدثنا أبو بکر بن أبی شیبة و سعید بن منصور قالا: ثنا أبو معاویة ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعید بن سوید. قال: صلى بنا معاویة بالنخیلة- یعنی خارج الکوفة- الجمعة فی الضحى ثم خطبنا فقال:...».
[7] البدایة والنهایة، ج 8، ص204.