یعد الدین منهاج حیاة متکامل الابعاد فی تحقیق سعادة الانسان و فلاحه. و أن للدین برنامجه فی تاسیس و تنظیم التعالیم و القیم الدینیة المعالجة لجمیع شؤون الحیاة و التی تنعکس ثمارها الایجابیة على المستویین الفردی و الجماعی.
نعم هناک بعض العوامل الباطنیة و الخارجیة التی تهدد الدین و التدین و من تلک الآفات آفة النکوص و الرجوع عن الدین. لکن لاتجد انسانا یستطیع النکوص عن الدین دائما و فی جمیع الحالات و ذلک لما یمتاز به الدین من بعد فطری لایمکن انفکاکه عن الانسان.
واما النکوص عن الدین بمعنى ضعف الایمان و خباء ضیاء مصباح الهدایة فی حیاته الفردیة، فهذا من الامور التی یصاب بها الکثیر من الاشخاص بسبب شروط و ظروف خاصة و لا تختص هذه الظاهرة بدین خاص أو مذهب معین، بل کافة اتباع الدیانات و المذاهب معرضون لمثل هذه الحالة المرضیة. نعم، علل النکوص تختلف من دین الى دین آخر. اما بالنسبة الى الدین الاسلامی فینبغی البحث عن جذور تلک القضیة خارج اطار الدین و البحث عنها فی العوامل الخارجیة المؤدیة الیها.
و من الممکن تصنیف العوامل المساعدة فی نکوص الشباب عن الدین بنحو کلی الى طائفتین:
1. العوامل البیئیة و المحیطیة (الاجتماعیة، الثقافیة، السیاسیة، الاقتصادیة و...), من قبیل عدم نضوج الوعی الدینی و المعنوی، الغزو الثقافی، اهمال فریضتی الامر بالمعروف و النهی عن المنکر، عدم تلبیة الحاجات الاولیة للشباب، شیوع الخرافة و رواج الاساطیر، اتباع الاهواء و السعی وراء تحقیق المنافع الشخصیة، بالاضافة الى الصراع و التناحر بین اتباع الادیان او الدین الواحد حول تحقیق المنافع الدنیویة، الانفصام بین القول و العمل وعدم تطابق القول مع العمل، عدم نقل القیم المتسامیة الى الاجیال المعاصرة کالایثار و حب الاستقلال و المیل نحو المعنویات و...
2. العوامل الداخلیة و الذاتیة للفرد نفسه و التی یعبر عنها "بالعوامل النفسیة"؛ من قبیل المیل نحو الشهوات و المیول النفسانیة، ضعف الوعی الدینی لدى الافراد، ضعف عرى البناء الدینی لدى الاسر و العوائل و...
و هناک الکثیر من العواقب الوخیمة المترتبة على تلک الظاهرة، منها: تفکک أواصر الاسرة الاخلاقیة و استرخاء اسسها التربویة؛ فقدان روح الإیثار و الشجاعة فی حل مشاکل المقربین و عند التصدی للاعداء؛ بروز حالة اللامبالاة اتجاه التبعیة للاجنبی سیاسیا، اقتصادیا، ثقافیا و...:؛ اللامبالاة أمام الظلم و التمییز و عدم العدالة.
یعتبر الدین من أهم الاسس المقومة للحیاة على المستویین المادی و المعنوی حیث یهب الانسان العزة و یمنحه الکرامة و الشرف و یحرره من القیود النفسیة و التعلقات الحیوانیة. فالدین منهج للسعادة و الفلاح البشری. کذلک یمثل کیمیاء المعنویات و الدواء الذی یوصل الانسان الى ساحل الهدوء و الامان الحقیقی لیصنع منه روحا ملکوتیة. و للدین تعالیمه المنظمة لجمیع أبعاد الحیاة و شتى مفاصلها و التی تعود على الانسان بنتائج ایجابیة لا حصر لها على المستویین الفردی و الاجتماعی و تتزیى بزی الیقین، الصبر، التسلیم، الرضا، اداء الامانة، الصدق، الحیاء، العفة، الوفاء، التقوى، الانفاق، الاحسان، العطف، التجاوز عن الاخطاء، المداراة، الطاعة، العبادة، الجهاد، السعی و المثابرة و.... مما ینعکس على شخصیة الانسان فیمنحها صورة جمیلة هی من أبهى صور الجمال و النشاط و الطراوة.
ومن الواضح أن هناک بعض العوامل الباطنیة و العلنیة التی تلاحق التدین و تهدده على الدوام، و من تلک الآفات آفة النکوص و الرجوع عن الدین. و لکی یتمکن الانسان من التصدی لهذه الحالة المرضیة لابد من معرفتها أولا ثم وضع الحلول و المعالجات المناسبة لها.
فی مجال البحث عن أصل الظاهرة لابد من القول: أن کان المراد هو ترک الدین فلا ریب أنه لا یوجد انسان یستطیع التنصل عن الدین و النکوص عنه بصورة تامة؛ و ذلک لان للدین بعدا فطریا لا یمکن أن ینفک عن الانسان، و لقد أشار القرآن الکریم الى هذه الحقیقة فی قوله تعالى: "فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لَا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُونَ".[1]
نعم، من الممکن أن یضعف تدین الشخص فترة ما من الزمن أو یتحول الانسان الى دین آخر، لکن لا تجد بحال من الاحوال انسانا یتمکن من التمرد على الدین طیلة حیاته حتى لو تظاهر بذلک مکابرة! فالنکوص عن الدین بهذا المعنى إذن أمر غیر ممکن. و قد شاهدنا هذه الحالة فی محیطنا الاجتماعی اکثر من مرّة!
واما اذا کان المراد من النکوص عن الدین ضعف الایمان و خباء ضیاء مصباح الهدایة فی حیاته الفردیة، فلابد من الاقرار بان هذه الحالة یصاب بها الکثیر من الاشخاص بسبب شروط و ظروف خاصة یتعرضون لها فی فترات معینة سواء قصرت تلک الفترة أم طالت. و هذه الحالة لا تختص بدین خاص أو مذهب معین، بل کافة اتباع الدیانات و المذاهب معرضون لمثل هذه الحالة المرضیة. نعم، علل النکوص تختلف من دین الى دین آخر.
اما بالنسبة الى الدین الاسلامی فینبغی البحث عن جذور تلک القضیة خارج اطار الدین و البحث عنها فی العوامل الخارجیة المؤدیة الیها.
کذلک ینبغی الالتفات الى أنه لا یوجد فی باطن الادیان الالهیة- التی لم تمتد لها ید التحریف- أی عنصر من العناصر المساعدة على التنفر و الرجوع عن الدین. فاذا ما استطاع الانسان الوصول الى معارف تلک الادیان من عینها الصافیة التی لم تشب بأی تحریف او تزویر فحینئذ لا یجد أی مبرر للنکوص عن الدین فی أی مرتبة من مراتبه! خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار وجود حالة التعقل و العشق فی الوجود الدینی و اللذین یعتبران من ألارکان الاساسیة فی الحیاة الانسانیة و یعدان عاملین اساسیین فی الجذب و الدفع فی هذا المجال و ان الدین یتقوم و یثبت بوجود هذین العنصرین الاساسیین.
و على هذا الاساس، فالنکوص کظاهرة اجتماعیة، عینیه سلوکیة، لیس معلولا لماهیة الدین و ذاته، بل هو ولید علل و اسباب خارجة عن ذات الدین و تعالیمة فلابد من البحث عنها فی تلک الدوائر.
و مما لا شک فیه أن هناک الکثیر من العوامل لحصول هذه الظاهرة؛ کالانحرافات الفردیة، الاجتماعیة، الاقتصادیة، الثقافیة، السیاسیة و النفسیة و التی تمثل عوامل رادعة عن انتشار و رسوخ التعالیم و الافکار الدینیة و توفر الارضیة المناسبة للرجوع عن الدین و النکوص عنه.
و من الممکن تصنیف العوامل المساعدة فی نکوص الشباب عن الدین بنحو کلی الى طائفتین:
1. العوامل البیئیة و المحیطیة (الاجتماعیة، الثقافیة، السیاسیة، الاقتصادیة و...),
2. العوامل الداخلیة و الذاتیة للفرد نفسه و التی یعبر عنها "بالعوامل النفسیة"؛ فمع قطع النظر عن العوامل المحیطیة و البیئیة، هناک عوامل کامنة فی ذات الانسان عاطفیة و معرفیة لها دورها الفاعل فی میل الانسان نحو التدین أو نکوصه عن الدین و معارفه.
اما العوامل البیئیة و المحیطیة (الاجتماعیة، الثقافیة، السیاسیة، الاقتصادیة و...)، فیمکن رصدها فی الأمور التالیة:
الف: عدم نضوج العوامل المؤثرة فی التوجه المعنوی (الشعور الدینی): کل واحدة من العلل المؤثرة فی البعد المعنوی لو لم تستخدم فی مجالها الصحیح، ستعطی مردودا عسکیا فتتحول الى عامل دفع و نکوص عن الدین خاصة و المعنویات عامة.
و من الواضح أن تبیین الدین و المعارف الدینیة المنعشة للحیاة، لطبقة الشباب ستؤدی الى میل الشاب نحو الدین و التدین و نحو العوامل المعنویة و الروحیة. کذلک یکون للتعامل المنطقی و العقلانی دورة المهم فی هذا المجال أیضا؛ و ذلک لان الشباب لیسوا منسجمین مع الدین فطرة فقط بل هم فی الغالب میّالین نحوه و متعطشین لطریق السعادة و التکامل و تلقی المعارف الدینیة.
من هنا تقع على کاهل المربین و المسؤولین عن الجوانب الثقافیة و الدینیة مسؤولیة عرض التعالیم الدینیة فی قوالب جذابة و مناهج تنسجم مع روح الشباب و تراعی ظروفهم الخاصة کشباب.
ان لبعض السلوکیات و ردود الفعل غیر الصحیحة و الخطأ فی بیان الاحکام الشرعیة انعاکسة السلبی فی خلق حالة عدم الوثوق بالدین من قبل شریحة الشباب.
و یمکن رصد عدم نضوج العوامل المؤثرة فی التوجه المعنوی فی المحاور الخمسة التالیة:
1. إحلال التعلیم محل التفکیر و التأمل؛ یقول الشهید المطهری (ره) فی هذا المجال: ینبغی فی مجال التعلیم و التربیة أن یعطى الشباب فرصة التفکیر و التأمل و حثهم على ذلک. و الحال أننا نشاهد أن النظام التعلیمی و التبلیغی عندنا قائم على التلقین و تراکم المعلومات و المحفوظات لدى الشباب فقط. [2]
2. عدم الاهتمام بغریز حب الاستطلاع و البحث عن الحقیقة؛ فمما لاریب فیه أن الانسان فی الغالب میّال نحو الکشف عن الحقیقة، و من الواضح أن منع الشباب عن البحث عن الحقیقة و کثرة السؤال و الاستفسار یعد تصدیا و مواجهة مع غریزة حب الاستطلاع هذا من جهة ، و من جهة أخرى أن المنع المذکور لا یزیل الاشکالات و التساؤلات عن ذهنیة الشباب قطعا. من هنا یکون المنع عن السؤال و اثارة الاشکالات یعد انحرافا سلوکیا واضحا من قبل المتصدین للامور الدینیة، الامر الذی یجعل الشباب یبحث بنفسه عن الحصول على جواب سؤاله[3]. فی المقابل لو اجیب عن تلک التساؤلات و الشبهات بصورة صحیحة و علمیة منطقیة، فانها ستتحول الى عنصر فاعل فی تطور الفکر و نموه، من هنا ینبغی أن تتحول المؤسسات الاجتماعیة الى مکان آمن للاسئلة الخفیة فی الذهن لتتوفر الارضیة المناسبة للاجابة عن التساؤلات المطروحة.
3. الغفلة عن عنصری الزمان و المکان و التحولات التربویة المناسبة للزمان و المکان؛ لابد من الالتفات الى أن مجتمع الشباب مجتمع له خصوصیات منحصرة لا یمکن قیاسها وفقا للمعاییر القدیمة. فان مقتضیات الزمان قد غیرت الکثیر من الآداب و الرسوم فصنعت لنا شریحة لها شکلها الخاص و طریقة جدیدة فی الحیاة. من هنا لا یصح تحمیل الشباب العادات و التقالید القدیمة لان ذلک قد یؤدی الى خلق حالة من الجمود أو ثبات السنن، و انما یجب معرفة خصائص الشباب و النسل الحاضر معرفة دقیقة و رسم الخطط التربویة التی تنسجم مع هذه الحالة.
4. سحق الغرائز و تدمیرها؛ هناک بعض الناس الذین لا یجیدون فن التربیة، یجهلون أن هناک الکثیر من القوى و العوامل مؤثرة فی عملیة التربیة و أن جمیع تلک القوى التی اودعها الله فی الانسان یکمن وراءها مصالح و منافع خاصة، من هنا لابد من التعامل مع الغرائز الشهوانیة بصورة طبیعیة و اشباعها من خلال الاسالیب المشروعة؛ لان عدم تلبیة تلک الغرائز و الاستجابة لنداء الحاجة البدنیة یؤدی الى نوع من الکبت و التراکم مما یخلق ردة فعل عکسیة کما نشاهده الیوم فی عالمنا المعاصر[4].
ب: الغزو الثقافی:
لاریب آن خصوم الدین من الکافرین و المنافقین لم ینهزموا تماما بل تراهم فی کل یوم یغیرون اسالیبهم الهجومیة و التدمیریة، و من تلک الاسالیب التی یعتمدونها اسلوب الغزو الثقافی مما یؤدی الى نکوص بعض الشباب و غیر الشباب عن الدین. و الهدف الاساسی الذی یکمن فی الغزو الثقافی هذا هو اشاعة الفساد و التحلل و رفض الدین و العوامل المعنویة فی المجتمعات و خاصة فی اوساط شریحة الشباب منهم، فتراهم یثیرون الشبهات و التشکیکات من هنا و هناک و قلب الحقائق و اظهار الدین بمظهر العدو اللدود للشباب و العنصر المؤدی الى تخلفهم عن رکب الانسانیة، بالاضافة الى إخفاء الحقائق و اظهار الباطل بمظهر جمیل جذاب و الباسه لباس الحق.
و هنا ینبغی على جمیع المربین و المسؤولین الحذر من هذه الظاهرة و الالتفات الى مخاطرها و وضع الحلول المناسبة فی مواجتها و ابطال مخططاتها المشؤومة.
ج: اهمال فریضتی الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر
من العوامل المؤثرة فی ابتعاد المجتمع عن الامور المعنویة و الدینیة، إهمال فریضتی الامر بالمعروف و النهی عن المنکر، و خاصة من قبل المتصدین للامور الدینیة، و لقد أشار القرآن الکریم الى هذه الحقیقة فی قوله تعالى: "کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْکِتابِ لَکانَ خَیْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَکْثَرُهُمُ الْفاسِقُون".[5] و العکس صحیح فکلما أهملت الأمة التصدی للظواهر الفاسدة کالظلم، هضم حقوق الناس، الخیانة و سائر السلوکیات المنحرفة، کانت النتیجة الابتعاد عن القیم و المعنویات بنفس المقدار. هذا السلوک فی المجتمع الاسلامی یؤدی الى أهمام الثقافة الاسلامیة الاصیلة و الابتعاد عن الدین و بالنتیجة الحرمان من آثارها العظیمة و برکاتها الجلیلة.
د: عدم تلبیة الحاجات الاولیة: عدم لیاقة بعض المسؤولین فی الدوائر العامة و الخاصة و عجزهم عن تنفیذ المشاریع المعلنة من قبل الحکومة الاسلامیة و عدم التوزیع العادل للثروات و الامکانات و الفرص، کل ذلک یؤدی الى عدم تلبیة حاجات الشباب الاجتماعیة (الزواج، العمل، السکن و...)، فلابد من تصنیف تلک الحاجات تصنیفا منطقیا فما لم تلب الحاجات الاولیة لا یمکن تأمین سائر الحاجات الاخرى.
فالمجتمع الاخلاقی هو المجتمع الذی یؤمن حاجاته الاجتماعیة الاولیة مع التمتع بالحریة و الأمن و شیوع ظاهرة المحبة و الحنان فی اوساط الناس.
هـ: رواج الخرافة و شیوع الاساطیر تحت غطاء الدین: إن خلط التعالیم الدینیة و المعارف الاصیلة بالخرافة و الاساطیر و البدع و القضایا الخارجة عن دائرة العقل و الدین، یؤدی الى خلق صورة خاطئة عن الدین فی أذهان الناس عامة و الشباب خاصة مما یؤدی فی نهایة المطاف الى النکوص و التراجع عنه.
و: إتباع الاهواء و المیول؛ من العوامل المؤثرة فی نکوص الشباب عن الدین هو الصراعات و التکتلات التی یسعى کل فریق ممن یحسب على الدین لتلبیة اهدافه المادیة و تحقیق ما تملیه علیه شهواته و میوله النفسیه من الهیمنة و السیطرةعلى القدرات السیاسیة و الاقتصادیة و... و بعبارة أخرى: عدم انسجام سلوکیات المتصدین لشؤون الحکومة الدینیة مع اقوالهم و الانفصام بین اقواله و و افعالهم یؤدی الى زعزة الثقة بالدین نفسه.
2. العوامل الداخلیة و الذاتیة للفرد نفسه
الف. المیل نحو الشهوات و المیول النفسانیة: التطلعات و الرغبات غیر المشروعة لبعض الافراد و عدم الاستقرار العاطفی و النفسی بالاضافة الى التحلل و الوقوع فی شباک الشیطان و حبائله و...کل ذلک یؤدی الى التراخی و الفساد و الانتفاع غیر المشروع و... و مما لاریب فیه أن اصحاب هکذا سولکیات یرون أن التوجه الدینی و المیل نحو المعنویات لا ینسجم مع تلک الروحیات و یزاحم تلک التوجهات، من هنا تراهم ینکصون عن الدین، و لقد أشار القرآن الکریم الى هذه الحقیقة و هی أن النکوص عن الدین لا ینبع من شک الانسان فی تلک القیم بل من إرادة الانفلات و التحلل قال تعالى: "بَلْ یُریدُ الْإِنْسانُ لِیَفْجُرَ أَمامه".[6]
یقول الامام الصادق (ع): "احذروا أهواءکم کما تحذرون أعداءکم،فلیس شیء أعدی للرجال من إتباع أهوائهم و حصائد ألسنتهم".[7] من هنا یسعى اصحاب الشهوات الى الفرار عن کل شیء یقف سداً مانعاً أمام تحقق شهواتهم و میولهم غیر المشروعة تلک.
ب. ضعف الوعی الدینی لدى الافراد: من الامور الأخرى المؤدیة الى الرجوع عن الدین و التنفر منه هو عامل ضعف الوعی الدینی و عدم المعرفة التامة بحقیقة الدین و ماهیته و دوره فی سعادة الانسان و فلاحه على المستویین الدنیوی و الاخروی، بالاضافة الى عدم التفکیک و الفصل بین ذات الدین و مدعی التدین، و تحمیل الدین ما یصدر من المتدینین من نقاط ضعف و خلل سلوکی، کل ذلک یؤدی الى التراجع عن الدین و عدم المیل نحوه.
ج. ضعف الاسس الدینیة فی الاسرة: قد ینجر ضعف البنیان الدینی لدى بعض الاسر الى عدم تربیة الشباب تربیة دینیة جیدة، الامر الذی ینجر فی نهایة المطاف الى ایجاد هوّة و فجوة بینهم و بین التعالیم و المعارف الدینیة، و لاریب أن تحکیم الاسس الدینیة لدى الاسرة یردم هذه الفجوة و ینهی تلک القطیعة.
من هنا، و مع الاخذ بنظر الاعتبار أن جمیع الناس لیسوا على درجة واحدة من الایمان هذا من جهة و من جهة أخرى ان المغریات النفسیة و المادیة الدنیویة اکثر جاذبیة من الامور الدینیة عندهم، لذلک تجد ضعف المیل الدینی لدى بعض الافراد و فی فترات حیاته معینة أمراً طبیعیاً. و ذلک لان الانسان کائن مرید و مختار و من الممکن أن تؤثر بعض العوامل على إرادته و إختیاره و تعهداته الدینیة. من هنا قد لایلتزم بتعهداته الدینیة فی برهة زمنیة معینة و قد تصدر منه سلوکیات غیر دینیة بل منافیة للدین!! لکنه فی الوقت نفسه تراه ملتزما ببعض الامور الدینیة الاخرى أو أنه یبرز تعهداته و التزاماته فی زمان و مکان خاصین، بل قد یقرع سن الندم على ما فرط به من أمور دینیة و معنویة و یتوب الى الله تعالى توبة نصوحا و یجبر جمیع ما فاته من العبادات و غیرها.
و على کل حال فان کل عامل من تلک العوامل قد یکون لوحدة او مع سائر العوامل الاخرى عنصراً فاعلاً فی ابعاد الشباب عن الدین. لکن لابد من الاشارة الى العواقب الوخیمة المترتبة على تلک الظاهرة على المستویین الفردی و الجماعی، و من تلک النتائج السلبیة المترتبة:
1. تفکک أواصر الاسرة الاخلاقیة و استرخاء اسسها التربویة: لا ریب أن الالتزام بالتعهدات الاخلاقیة یقترن ببعض المشاکل و التقیدات و من غیر الممکن تحمل تلک الصعاب و المشاکل من دون اسناد و دعم دینی و مع ضعف حالة التدین ینجر الامر الى التکاسل و الاسترخاء عن تلک التعهدات و الالتزامات.
2. فقدان روح الإیثار و الشجاعة فی حل مشاکل المقربین و عند التصدی للاعداء؛ و ذلک لان الدین عندما یبین قیم الجهاد الصحیحة و الشهادة و الإیثار، یزیح ستار التراخی و حب الراحة و الانانیة و یوجه الانسانیة للتعامل مع القیم و المثل العلیا و التسامى عن الامور المادیة. و مع ضعف العامل الدینی لدى الانسان تنحصر حینئذ القیم لدیه فی المادة و المادیات فقط مما یکون له مردودات سلبیة کثیرة.
3. بروز حالة اللامبالاة اتجاه التبعیة للاجنبی سیاسیا، اقتصادیا، ثقافیا و...: من النتائج الایجابیة التی تخلقها حالة التدین لدى الانسان هی تعزیز روح التوکل على الله بالاضافة الى خلق صفة الثقة و الاعتماد على النفس و بالنتیجة تضمن التصدی لکل انواع التبعیة و الخضوع للاعداء و من ثم نیل الاستقلال الشعبی على جمیع الاصعدة.
4. اللامبالاة أمام الظلم و التمییز و عدم العدالة: لا شک أن التصدی الحقیقی للظلم و الجور و التمییز الطبقی یحتاج الى القدرة على تحمل ردات الفعل الناشئة من تلک الحرکة کما یستلزم الحرمان بل قد یقتضی التضحیة بالغالی و النفیس؛ من هنا اثبتت التجربة أن الرجال المقاومین الذین لم یتعزز لدیهم البعد الدینی سرعان ما ینهارون فی وسط الطریق حیث یشعرون بالتعب و العجز و هم ما زوالوا فی بدایات الطریق فیتخلون عن شعاراتهم و اهدافهم التی تحرکوا من أجل تحقیقها، على العکس من المجاهدین المبدئیین الذین تعزز البعد الایمانی فی نفوسهم حیث تراهم یتحملون شتى المصاعب من دون أن تظهر علیهم علامات التعب أو الیأس و یواصلون الطریق حتى نهایة المطاف و ارتقاء قمم النصر، و من الشواهد التاریخیة المعاصرة على هذا الامر تصدی الشعب الایرانی المسلم لظلم و فساد المؤسسة البهلویة الجائرة و الصمود حتى نهایة المطاف، و الحال أن غیر المتدینین تساقطوا فی بدایات الطریق و تخلوا عن اهدافهم التی رفعوها.
هذه اشارة مختصرة الى بعض النتائج السلبیة المترتبة على فقدان روح التدین و النکوص عن الدین و التی یجب التصدی لها بطریقة عقلانیة لتستحکم علاقة الاجیال المعاصرة بالدین و القضایا المعنویة.
لمزید الاطلاع انظر:
الارشاد الى عوامل النکوص الدینی رقم السؤال2494 (الرقم فی الموقع:2845)
آفات الدین رقم السؤال3233 (الرقم فی الموقع: 3791).