من أهم طُرق أداء التکلیف بشکل کامل من قبل المکلّفین هو العمل بالاحتیاط الذی هو تطبیق کل آراء الفقهاء و المجتهدین بنحو یقطع المکلف باصابة الو اقع، نعم، یجب الالتفات الی أن هذا الطریق غیر متأتی للجمیع بل غیر ممکن لهم.
و ذلک أولاً: لعدم امکان احاطة جمیع المکلفین بآراء کافة الفقهاء. ثانیاً: أن تطبیق هذه الطریقة لأجل أداء کل التکالیف فیها مشقة کبیرة بحیث تجعل الحیاة عسیرة علی کثبر من الناس.
تعد الاعلمیة من أهم شرائط مرجع التقلید أی أنه أعلم من غیره من المجتهدین، أی أکثر فهماً لحکم الله من غیره من فقهاء عصره. و هذا حکم عقلی حیث أن الناس فی کل فن یرجعون الی أعلم المتخصصین فیه، و بما أنه قد تتعدّد الآراء فی کثیر من الموارد، لذلک قد یتخذ بعض الأفراد مرجعاً لهم بعنوانه الأعلم، و یتخذ غیرهم غیره بنفس العنوان، و هذا أمر طبیعی، و من باب المثال إنک لو سألت مجموعة من الناس عن أکثر متخصصی القلب الخبرة، فمن الطبیعی لا یکون جوابهم واحداً، بل سیتعّدد و سیبقی مردداً حتی لو کان هذا السؤال موجها لنفس الأطباء، و من الامور المؤثّرة جداً فی هذه المسألة هو آراء طلاب کل مجتهد حیث من الطبیعی أن یری کل منهم أن استاذهم هو الاعلم من غیره.
یُمکن تقسیم هذا السؤال الی عدة أقسام و هی:
1- هل یُمکن الاستفادة من آراء کل المجتهدین؟
2- أن الملاک فی التقلید هو الارجح أم شیء آخر؟
3- لماذا لا یقلّد جمیع الناس مجتهداً واحداً؟
4- بالنسبة الی شرط الأرجحیة، هل یُمکن لجمیع الفقهاء أن یتساووا فی الشروط و الخصوصیات؟
الأول: کما بیّن الفقهاء المراجع[1] فی رسائلهم العملیة، أن أمام کل مکلّف ثلاث طُرق لأداء تکالیفه الشرعیة، أحدها هو العمل بالاحتیاط و الذی هو الاستفادة من آراء کل الفقهاء و العمل بتکالیفه بصورة بحیث لا یخالف أیّاً من المجتهدین الفقهاء وبنحو یقطع المکلف باصابة الواقع، هذه هی احدی الطرق التی بیّنها الفقهاء للمکلف لأداء وظیفته الشرعیة، نعم لابد من الالتفات الی أن هذا الطریق غیر مقدور للجمیع بل لعله غیر ممکن أیضاً و السبب هو أولاً: عدم إمکان الاحاطة بآراء کل الفقهاء لجمیع الناس.
ثانیاً: تطبیق هذه الطریقة لأداء کل الوظائف و التکالیف صعب جداً بحیث تجعل الحیاة عسیرة لا تطاق.
الثانی: من جملة شروط التی بیّنها الفقهاء لمرجع التقلید هو کونه أعلم من غیره من المجتهدین [2]و ذلک أنه أکثر فهماً من غیره من المجتهدین بالنسبة لاستنباط حکم الله سبحانه[3] و هذه المسألة حکم عقلی حیث أن الناس فی کل امورهم یرجعون للشخص الذی یرونه أعلم من غیره.
الثالث: مع الأخذ بنظر الاعتبار الی أن الأعلم هو دائماً أحد المجتهدین، فلماذا لا تقلّد الناس شخصاً واحداً لا غیر؟
أولا: قد تکون الآراء فی کثیر من الموارد مختلفة، فقد یبیّن بعض الأفراد أن فلاناً هو الأعلم و یبین الآخرون أن غیره هو الأعلم. و هذا أمر طبیعی جداً، و کمثال علی ما نقول، لو سألت مجموعة من الناس عن أفضل و أمهر طبیب متخصص بالقلب، فمن المتیقن لا یکون جوابهم واحدا، بل و حتی لو کان هذا السؤال موجّهاً للأطباء سیبقی التردید علی حاله، نعم من المسائل المؤثرة جداً فی هذا المجال هو رأی طلاب کل مجتهد حیث أنهم من الطبیعی أن یعتبروا استاذهم هو الأعلم من غیره.
ثانیاً: فی کثیر من الأحیان یکون استنباط أی مرجع من المراجع فی باب معیّن من أبواب الفقه أقوی من غیره، و هذا الأمر یعقد مسألة تشخیص الأعلم.
ثالثاً: فی بعض الأحیان یکون اختلاف مستوی مجموعة من المراجع لیس بالشکل الذی یُمکن معه تشخیص الأعلم، و هذا الأمر یؤدّی الی الاختلاف و من ثم اعلان عدة أسماء متعددة.
الرابع: مع أنه یُمکن تصور أن مجموعة من العلماء فی مستوی واحد من العلمیة و القدرة علی الاستنباط، لکن من البعید إمکان الوصول بالدقة العقلیة الی نتیجة قطعیة. أما علة تعدد المراجع المعلنة، فقد تتضح من خلال جواب السؤال السابق.
لمزید من الاطلاع راجعوا المواضیع التالیة:
طُرق تشخیص المرجع الأعلم و الأورع، رقم 1525 (الموقع: 1556)
انتخاب مرجع التقلید الأعلم، رقم 1657 (الموقع: 1820).
و تشخیص مرجع التقلید الأعلم، رقم 2479 (الموقع: 2620) و المجتهد الأعلم، رقم 5310 (الموقع: 5528).
[1] الخمینی، السید روح الله، توضیح المسائل المحشی، ج1، ص13، م 2، مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین، الطبعة الثامنة، قم 1424 هـ.ق. التقلید فی الأحکام، العمل بأوامر المجتهد، و لا یُمکن تقلید المجتهد ألا إذا کان رجلاً و بالغاً و عاقلاً و شیعیاً اثنی عشریاً و طاهر الولادة و حیّاً و عادلاً، و کذلک یجب علی الأحوط کونه غیر حریص علی الدنیا و أعلم المجتهدین.
[2] نفس المصدر، ج1، ص11، م 1، فی غیر الضروریات من أحکام الدین یجب أما الاجتهاد حیث یُمکن تحصیل الأحکام الشرعیة من الأدلة، أو تقلید المجتهد أی العمل طبقاً لفتاوی أو العمل بالاحتیاط بالشکل الذی یتیقّن معه براءة الذمة من التکلیف، مثلاً لو أفتی مجموعة من الفقهاء علی عمل أنه حرام و أفتی الآخرون بعدم حرمته، فبناءً علی الاحتیاط یترک هذا العمل و إذا أفتی بعض الفقهاء بوجوب أمر معین و أفتی الآخرون باستحبابه، فالاحتیاط هنا هو العمل به و عدم ترکه، إذن من لم یکن مجتهداً و لا یُمکنه العمل بالاحتیاط بین آراء کل المراجع، یجب علیه تقلید المجتهد.
[3] نفس المصدر، ج1، ص13، م2، التقلید فی الأحکام و العمل بأوامر المجتهد، و لا یُمکن تقلید المجتهد ألا إذا کان رجلاً و بالغاً و عاقلاً و شیعیاً اثنی عشریاً و طاهر الولادة و حیّاً و عادلاً، و کذلک یجب علی الأحوط کونه غیر حریص علی الدنیا و أعلم المجتهدین.