یوجد فی بعض المتون و المعارف الاسلامیة بعض الشواهد على وجود العوالم الموازیة، بل هناک بعض المعارف و المفاهیم الاسلامیة لا یمکن تفسیرها علمیاً الا من خلال هذه النظریة؛ کقضیة المیثاق الالهی المأخوذ من ذریة آدم، و وجود الافلاک و السماوات المتعددة إذ هناک الکثیر من الآیات التی عبرت عن السموات بصورة الجمع، و عالم الجن، و معراج النبی الاکرم (ص) کما فی احادیث المعراج. علما ان بعض نظریات الفلاسفة و العرفان الاسلامی تؤید هی الاخرى وجود العالم الموازی.
قبل الاجابة عن التساؤل المطروح لابد من تحدید المراد من العالم الموازی، و ما هی حقیقته؟
الف: ماهیة العالم الموازی
ذکر الفیزیاویون للعالم الموازی ثلاثة أنواع.[1]
1. عالم الابعاد العلیا (Hyperspace)
2. العوالم متعددة الاطراف (Multiverse)
3. العوالم الموازیة کوانتومی.
یحکم العقل السلیم بان عالمنا المادی یتألف من ثلاثة ابعاد (الطول و العرض و الارتفاع). و یمکن تعریف کل شیء - بأی وضع کان – من خلال هذه الابعاد الثلاثة. و یعد الفضاء ثلاثی الابعاد، الاساس الذی شیدت علیه الهندسة الیونانیة.[2] و لکن هناک من الباحثین و المفکرین من أثبت وجود أبعاد أخرى فی العالم، و بهذا حطم جدار نظریة الابعاد الثلاثة التی کانت مهیمنة على الفکر البشری، و أشار الى ابعاد اخرى خفیة و غیر مرئیة الى جانب البعد المرئی. و قد بنى کارل کارس الریاضی المعروف فی القرن التاسع عشر معادلاته على وجود البعد الرابع (الفضاء- الزمان).[3] و من ثم جاء انیشتاین لیشید نظریته النسبیة على تلک المعادلات. و فی سنة 1919م أثار الفیزیاوی المعروف تؤدور کالوزا قضیة وجود البعد الخامس (الزمان).[4] بل اوصلتها نظریة استرینک الى عشرة ابعاد.[5] و فی العام 1994م اضاف کل من ادوارد فیتن و بال تواسند بعدا جدیدا لیصل العدد الى أحد عشر بعداً.[6] أضف الى ذلک أنه لیس من الضروری صغر تلک الابعاد و العوالم، بل قد یکون بعضها غیر متناه فی الکبر؛ بمعنى امکانیة کون عالمنا جزءاً من عالم متعدد الابعاد. بل یصل عدد تلک العوالم الى المیلیارات تخمینا.[7] یقول العلماء: یحتمل احتمالا یقرب من الیقین بان اکثر العوالم الموازیة عوالم میته، تتألف من الاجزاء و الذرات تحت الذریة کالالکترون و النیوترون. فقد یکون النیوترون فی تلک العوالم بحالة متزلزلة یندثر تدریجیا و بالنتیجة لم تحصل الاجسام المرکبة.[8]
و الجدیر بالذکر ان الباحثین مختلفون فی قضیة العوالم الموازیة. حیث یرى البعض انها و لیدة خاصیة الهولوجرافیک (التوهیمیة) للذهن البشری و انها عوالم مجازیة.[9] و هناک من یذهب الى کونها عوالم واقعیة محسوسة.
ب) الاسلام و العوالم الموازیة
یوجد فی بعض المتون و المعارف الاسلامیة بعض الشواهد على وجود العوالم الموازیة، بل هناک بعض المعارف و المفاهیم الاسلامیة لا یمکن تفسیرها علمیاً الا من خلال هذه النظریة؛ کقضیة المیثاق الالهی المأخوذ من ذریة آدم و الذی تعرضت له الآیة 172 من سورة الاعراف[10]، و وجود الافلاک و السماوات المتعددة إذ هناک الکثیر من الآیات التی عبرت عن السموات بصورة الجمع[11]، و وجود عالم الجن، و معراج النبی الاکرم (ص) کما فی احادیث المعراج.
علما ان بعض نظریات الفلاسفة و العرفان الاسلامی تؤید هی الاخرى وجود العالم الموازی. فقد عبر الفلاسفة المسلمون عن الکون بالعالم. و قد ورد فی دائرة المعارف عدة تعاریف للعالم، منها:
انه یعنی جمیع الموجودات ما سوى الله تعالى هذا بالنسبة للمؤمنین، و أما غیر المؤمنین فیطلقونه و یریدون به مجموع الموجودات، و قال بعض القدماء بان المراد منه جمیع الموجودات الجسمانیة، و یستعمل حسب النظریة البطلیموسیة فی الافلاک التسعة. و اما المؤمنون بوجود عالم آخر غیر العالم الجسمانی، فهولاء یؤمنون بعالمین، العالم الروحانی و العالم الجسمانی. ثم ان علماء الاسلام و المفسرین و المتکلمین اطلقوا على هذین العالمین عدة اسماء کلها مقتبسة من القرآن الکریم من قبیل: عالم الخلق (العالم الجسمانی) و عالم الأمر ( یعنی غیر الجسمانی)؛ او عالم الشهادة (عالم المحسوسات) و عالم الغیب (غیر المحسوسات و غیر الجسمانی). و من تلک الاسماء عالم الملک و عالم الملکوت و عالم التکوین و الأزل و عالم الطبع و عالم العقل، و العالم الکلی و الجزئی.
ثم ان شیخ الاشراق أوصل عدد العوالم الى اربعة:
1. عالم العقول و الملائکة المقربین و بحسب اصطلاحه عالم الانوار القاهرة؛
2. عالم النفوس، أی عالم الانوار المدبرة؛
3. عالم البرزخیین، و یراد به عالم الحس و عالم الافلاک و النجوم عالم العناصر؛
4. عالم المثال و الخیال، و حسب اصطلاحه عالم الصور المعلقة الظلمانیة و المستنیرة؛ و یندرج تحته ارواح الاشقیاء و السعداء.
و ذکروا لعالم الغیب – و تحت تأثیر الحکمة الافلاطونیة و مذهب المتصوفة- عدة تقسیمات، من قبیل: عالم الملکوت و عالم الجبروت، و یراد من عالم الملکوت عالم الحقائق و العقول و الارواح، و اما عالم الجبروت فهو عالم البرزخ حسب رأی البعض، یعنی العالم الاوسط بین الجسمانیات و الروحانیات، و یطلق علیه ایضا عالم المثال. و بعضهم من قال: بان عالم الجبروت هو عالم الاسماء و الصفات. و ذهب الغزالی الى اعتبار اللوح المحفظ ضمن عالم الملکوت، و ادرجه عبد الرزاق الکاشانی ضمن عالم الجبروت. و اما الملا صدرا فذهب الى کون العوالم ثلاثة: عالم العقل، و عالم الخیال، و عالم الحس. و أوصلها القیصری فی مقدمة شرح فصوص الحکم الى خمسة عوالم: عالم الاعیان الثابتة، عالم الملک، عالم العقول و النفوس المجردة، عالم المثال، و العالم الانسانی الجامع لجمیع العوالم. اما المتصوفة فقالوا: ان جمیع موجودات العالم تمثل العالم الکبیر، و لما کان الانسان مظهرا و جامعا لکافة العوالم من هنا اطلق علیه العالم الصغیر. و اما عالم اللاهوت ( یعنی العالم الالهی) فقد کثر استعماله عند الحلاج و هو یعادل الى حد ما عالم الغیب، و یقع فی مقابله عالم الناسوت ( المشتق من الناس و یعنی العالم الانسانی) و الذی یعادل عالم الشهادة.[12]
[1] میجیو کاکو (1389). فیزیک غیر ممکنها= فیزیاء اللاممکن، مترجم، جنابزاده، حمید، ص 204، روشنگران و مطالعات زنان، طهران.
[2]نفس المصدر، ص 204- 205.
[3]نفس المصدر 205.
[4] نفس المصدر، ص206.
[5]نفس المصدر، ص210.
[6]نفس المصدر، ص211.
[7]نفس المصدر، ص212.
[8]نفس المصدر، ص213.
[9] مایکل تالبوت (1385). جهان هولوگرافیک، مترجم، مهرجویی، داریوش، ص 87، طهران، هرمس.
[10] «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلی أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلی شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هذا غافِلِینَ».
[11] من قبیل الآیات 33، 107، 116، 117، 164، 255 و 284من سورة البقرة.
[12] غلامحسین مصاحب (1380). دائرة المعارف الفارسیة، ج 2. طهران: علمی و فرهنگی، ص1653.