من الامور الدینیة المسلمة فی الفکر الاسلامی الانعکاسات السلبیة للذنوب على حیاة الانسان و هی حقیقة أکدها القرآن الکریم و السنة الشریفة، و لکن الجدیر بالالتفات الیه هو أن هذا الانعکاس و الاثار السلبیة تختلف شدة و ضعفا من حالة الى حالة و من فرد الى آخر.
بالاضافة الى ذلک ان هذه الانعکاسات فی الغالب تعم الافراد الذین اقترفوا الذنب باختیار منهم و سبق اصرار، و أما شمولها لمن جهل بالحکم و لم یعلم بالحرمة أو لم یکن له دور فی صدور الذنب فهؤلاء لا ینجسم حرمانهم مطلقا من السعادة و سد الطریق أمامهم أبداً، مع العدل الالهی و الحکمة الربانیة، بل لابد من فتح الطریق أمامهم و منحهم الفرصة فی التخلص من تلک الآثار السلبیة للذنوب.
و اذا کانت المتون الدینیة و کلمات المعصومین (ع) رسمت للناس المذنبین عن عمد و اصرار طریق العودة و الانابة الى الله تعالى و تلافی ما صدر منهم من معاصی، فکیف بمن لم یقترف الذنب أساساً و لم یکن له دور فی صدوره؟!
من الامور التی تعرضت لها الآیات القرآنیة و الروایات الصادرة عن المعصومین مسألة الآثار الوضعیة للذنوب، فقد روی عن الامام الصادق (ع) أنه قال: إن الله عز و جل وعد فی مال الیتیم عقوبتین أما أحدهما فعقوبة الآخرة النار و أما عقوبة الدنیا فهو قوله عز و جل (وَ لْیَخْشَ الَّذِینَ لَوْ تَرَکُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّیَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَیْهِمْ فَلْیَتَّقُوا اللَّهَ وَ لْیَقُولُوا قَوْلًا سَدِیداً) یعنی بذلک لیخش أن أخلفه فی ذریته کما صنع هو بهؤلاء الیتامى.[1] و[2]
و عن الامام الرضا (ع) : " أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى نَبِیٍّ مِنَ الْأَنْبِیَاءِ إِذَا أُطِعْتُ رَضِیتُ وَ إِذَا رَضِیتُ بَارَکْتُ وَ لَیْسَ لِبَرَکَتِی نِهَایَةٌ وَ إِذَا عُصِیتُ غَضِبْتُ وَ إِذَا غَضِبْتُ لَعَنْتُ وَ لَعْنَتِی تَبْلُغُ السَّابِعَ مِنَ الْوَرىَ".[3]
أما بالنسبة الى انتقال الآثار الوضعیة الى الاجیال الاخرى، لابد من القول بان الشیعة الامامیة تؤمن بعدل الله تعالى و حکمته و قد ورد التأکید فی الکثیر من الآیات القرآنیة على هذه الحقیقة " لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى"[4] و مع الأخذ بنظر الاعتبار هذا المعنى لابد من توجیه الروایات التی تشیر الى تأثر الاجیال اللاحقة بالآثار الوضعیة التی سببها السلف لهم، فکیف نوجه ذلک و کیف نجمع بینه و بین الآیات الکریمة؟ و هل ذلک ینسجم مع العدل الالهی و الحکمة الربانیة او لا؟
و لکی تتضح الاجابة بشکل أفضل نرى من المناسب توزیع الاجابة على عدة محاور:
1. ان الروایات التی تشیر الى تأثیر الظالمین فی ابنائهم من الاجیال اللاحقة، لم تقرر هذه القضیة بشکل محتوم و مطلق ، بل تعم من رضی بفعل الآباء؛ من هنا نرى الرسول الاکرم (ص) یقول: " من أحب قوما حشر معهم و من أحب عمل قوم أشرک فی عملهم".[5] و اما اذا کان الابناء سائرین على الخط المعاکس لآبائهم و لم یقبلوا بتلک السلوکیات المنحرفة و یتذمرون من الظلم و العدوان الصادر من اسلافهم و لم یشترکوا معهم باختیارهم فی تلک الجرائم و المعاصی و اذا انتقل الیهم شیء من المال الحرام الموجود عند اسلافهم ارجعوه الى اصحابه لغرض اعادة الحق الى نصابه، فلا ریب أن الله تعالى یصون مثل هؤلاء الاولاد و یخرجهم من تلک الدائرة التی تعرضت لها الروایات؛ و ذلک لان الانتقام منهم مضاد للعدل الالهی.
یقول العلامة المجلسی فی ذیل الروایة التی نقلناها عن الامام الرضا (ع): و یستشکل بأنه أی تقصیر لأولاد الأولاد حتى تبلغ اللعنة إلیهم إلى البطن السابع؟ فمنهم من حمله على أنه قد یبلغهم و هو إذا رضوا بفعل آبائهم کما ورد أن القائم (ع) یقتل أولاد قتلة الحسین (ع) لرضاهم بفعل آبائهم. و أقول یمکن أن یکون المراد به الآثار الدنیویة کالفقر و الفاقة و البلایا و الأمراض و الحبس و المظلومیة کما نشاهد أکثر ذلک فی أولاد الظلمة و ذلک عقوبة لآبائهم فإن الناس یرتدعون عن الظلم بذلک لحبهم لأولادهم و یعوض الله الأولاد فی الآخرة کما قال تعالى (وَ لْیَخْشَ الَّذِینَ لَوْ تَرَکُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّیَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَیْهِمْ) و هذا جائز على مذهب العدلیة بناء على أنه یمکن إیلام شخص لمصلحة الغیر مع التعویض بأکثر منه بحیث یرضى من وصل إلیه الألم. مع أن فی هذه الأمور مصالح للأولاد أیضا فإن أولاد المترفین بالنعم إذا کانوا مثل آبائهم یصیر ذلک سببا لبغیهم و طغیانهم أکثر من غیرهم.[6]
2. الآثار الوضعیة للذنوب فی الابناء المتولدین عن طریق غیر مشروع او قد دخل الحرام الى ابدانهم من خلال ما تناول الآباء، یعد من جملة الاسباب و المسببات و لکنها لیست من قبیل العلة التامة التی لا تتخلف أبداً، فکثیراً ما نرى الصالحین من الاولاد ینحدرون من اصلاب ظالمة و مشرکة، و الشاهد على ذلک العدد الکبیر من الصحابة الذین کان آباؤهم یقفون فی صف الشرک و معاداة الاسلام و یقفون فی صفوف من ظلم الانبیاء و الاولیاء، و العکس صحیح حیث نرى من أبناء الانبیاء من اختار الخط المخالف لمنهج أبیه!!
و الجدیر بالذکر أنه کما أن الآثار التکوینیة تختلف من حالة الى أخرى شدة و ضعفا، کذلک الأمر فی القضایا المعنویة و التشریعیة؛ بمعنى أن بعض الاسباب بمقدار من الشدة و الخطورة بحیث لا تسمح لتلافی الخطر کمن یتناول السم الزعاف فان اثره لا یمنح صاحبه الفرصة للتخلص منه، و هذا لا یقارن بدخول میکروب ضعیف لبدن الانسان فی الشدة و الخطورة لان الانسان هنا یملک فرصة التخلص منه. و هکذا الآثار الناتجة عن الذنوب فبعضها من النوع الشدید الذی لا یمکن التخلص منه و بعضها ما یکفی فی التخلص منه الاستغفار مرة واحدة، بل قد تتبدل برحمة الله تعالى تلک السیئات الى حسنات.
3, اما من یرتکب الذنب جهلا و عن عدم معرفة بحرمته فالکلام فیه کالکلام فی الحالات السابقة. و بعبارة اخرى: إنه و إن لم یقترف ذنبا یمنعه عن نیل السعادة و یسبب غضب الله علیه، و لکن من المحتمل اصابته ببعض الآثار الوضعیة المنبعثة من الذنب انطلاقا من کونه یعلم بالتحذیرات العامة[7] التی حذرت الناس من مخاطر الذنوب و المعاصی على نحو الاجمال و إن لم یکن یعمل بهذا الامر على نحو التفصیل، و لاریب ان التحذیرات العامة فیها القابلیة لتحریک الانسان نحو البحث و التفتیش عن الجزئیات مخافة الوقوع فی ذلک الخطر الکبیر.
و بطبیعة الحال أن تلک الآثار لیست بتلک الشدة و القوة التی توجب حرمان الانسان من السعادة الابدیة و ایقاعه فی الخسران المبین، بل هی محذرات و منبهات للخطر الکامن فی طریق الانسان.
لمزید الاطلاع انظر:
1. السؤال 16606 (الموقع: 16382)، تأثیر لقمه الحرام و المحیط، علی الانسان.
2. السؤال 10791 (الموقع: 10799)، تجلی آثار الذنوب فی الاجیال اللاحقة.
3. السؤال 14371 (الموقع: 14152)، فلسفه تألم الاطفال الابریاء و عذاباتهم.
و الجدیر بالذکر ان مطالعة الکتب و المواقع الاسلامیة المتعرضة للعدل الالهی و بصورة مفصلة یساعدنا فی معرفة الکثیر من حیثیات و تفاصیل المسألة.[8]
[1]النساء، 9.
[2] الصدوق، محمد بن علی، ثواب الأعمال، ص 234، انتشارات شریف الرضی، قم، 1364 ش.
[3] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 275، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365 ش.
[4] الأنعام: 164، الاسراء: 15، فاطر: 18،الزمر:7.
[5] الطبری، عماد الدین، بشارة المصطفی، ص 74، المکتبة الحیدریة، النجف، 1383 ق.
[6] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 70، ص 341، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404ق.
[7] بطبیعة الحال هذا الکلام یصدق فی الناس البالغین الذین یجهلون الحکم الشرعی و لا یصح فی الاطفال الصغار.
[8] انظر: طیب، سید عبد الحسین، کلم الطیب در تقریر عقاید اسلام، ص 120، مکتبة اسلام، 1362 ش. العدل الالهی للشهید المطهری مسأله الشرور و العدل الالهی، ص 33،برنامج جامع تفاسیر نور، تفسیر آیه 9 من سوره النساء.