من الابحاث التی تمتد جذورها فی اعماق الفکر البشر بحث السعادة و الکمال و الخیر و اللذة، حیث دار البحث و الجدل فیها بین الفلاسفة و الباحثین فی الشأن الدینی و کان لفلاسفة الاخلاق و السیاسة الاهتمام البارز فی هذ القضیة. ثم ان استخدامات مفهوم السعادة المتشعبة و الکثیرة کان السبب فی ظهور الکثیر من النظریات من بینها ما طرحه صاحب الحکمة المتعالیة الفیلسوف الملا صدرا الشیرازی. و قد حظیت نظریته باهتمام کبیر من قبل الباحثین.
یرى الملاصدرا أن الوجود هو الخیر و السعادة و الشعور بالوجود أیضا خیر و سعادة. و قد استعملت السعادة فی الحکمة المتعالیة بمعنى الکمال و اللذة و الخیر، و الوصول الیها یعنی الکمال الوجودی، کما ان الوصول الیها یکمن فی الادراک و الشعور بحاق الوجود و متن الواقع المنسجم مع القوة الادراکیة.
کذلک یرى ان الادراک متفاوت بحسب القوى و المدرکات، فلکل قوة لذة و سعادة خاصة تتناسب مع مدى ادراکاتها، فتکون السعادة و اللذة القصوى من نصیب تلک القوة المتمیزة ادراکا و مدرَکا و مدرِکا، و ما هی الا القوة العقلیة.
و على هذا الاساس تکون السعادة الحقیقة کامنة فی الادراک العقلی، فالنفس فی بعدها النظری تعلم الاشیاء کما هی و ترى الذوات العقلیة و النورانیة. و لما کانت القوة العقلیة اشرف من القوة الادراکیة و الهیئات البدنیة، إذن السعادة و اللذة العقلیة هی الأتم.
و النتیجة أن السعادة الحقیقیة عند صدر المتألهین هی: الادراک النظری للمعقولات و أرفعها مرتبة تکمن فی العقل المستفاد و معرفه الحق تعالى.
من الابحاث التی تمتد جذورها فی اعماق الفکر البشر بحث السعادة و الکمال و الخیر و اللذة، حیث دار البحث و حمی الوطیس فیها بین الفلاسفة و الباحثین فی الشأن الدینی و کان لفلاسفة الاخلاق و السیاسة الاهتمام البارز فی هذ القضیة. ثم ان استخدامات مفهوم السعادة المتشعبة و الکثیرة کان السبب فی ظهور الکثیر من النظریات من بینها ما طرحه صاحب الحکمة المتعالیة الفیلسوف الملا صدرا الشیرازی. و قد حظیت نظریته باهتمام کبیر من قبل الباحثین. و لما کان الملا صدرا قد بحث القضیة فی مواطن کثیرة و تعرض لها فی اکثر من موضع من هنا لا یمکن الاحاطة بجمیع ما ذکره فی هذه الاجابة الموجزة؛ من هنا نحاول ایضاح القضیة بشکل موجز.
و لکی تتضح القضیة جلیا لابد من القاء نظرة على التعریف الذی ذکره الملا صدرا للسعادة حیث یرى الملا صدرا أن السعادة الحقیقیة السعادة الحقیقیة تکمن فی الشعور و ادراک الوجود، و لما کانت الوجودات متفاوتة فی الکمال و النقص و لها مراتب مختلفة من هنا انعکس ذلک على مراتب السعادة، حیث قال:
اعلم أن الوجود هو الخیر و السعادة و الشعور بالوجود أیضا خیر و سعادة- لکن الوجودات متفاضلة متفاوتة بالکمال و النقص فکلما کان الوجود أتم کان خلوصه عن العدم أکثر و السعادة فیه أوفر، و کلما کان أنقص کان مخالطته بالشر و الشقاوة أکثر و أکمل الوجودات و أشرفها هو الحق الأول و یلیه المفارقات العقلیة و بعدها النفوس و أدون الموجودات هی الهیولى الأولى و الزمان و الحرکة ثم الصور الجسمیة و الطبائع و....[1]
و کما اشرنا سابقا، فبتبع تفاوت الوجودات تفاوتت السعادة التی هی ادراک الوجود، و کما أن وجود القوى العقلیة- أشرف من وجود القوى الحیوانیة الشهویة و الغضبیة التی هی نفوس البهائم و السباع- و غیرهما من الحیوانات- فسعادتها أجل و لذتها و عشقها أتم. و کذلک یرى الوجود خیراً محضا حیث یقول: لأن معنى الخیر ما یؤثر عند العقلاء و یشتاق إلیه الأشیاء و یطلبه الموجودات و یدور علیه طبعا و إرادة و جبلة. و مراده الاصل و الباطن و لیس المفهوم الذهنی له.[2] و یرى فی مکان آخر أن اللذة کمال خاص بالمدرک بما هو إدراک لذلک الکمال و الألم ضد کمال خاص بالمدرک بما هو إدراک لذلک الضد.[3] و هو یرى کذلک أن نفوسنا إذا استکملت و قویت و بطلت علاقتها بالبدن و رجعت إلى ذاتها الحقیقیة و ذات مبدعها تکون لها من البهجة و السعادة ما لا یمکن أن یوصف أو یقاس به اللذات الحسیة و ذلک لأن أسباب هذه اللذة أقوى و أتم و أکثر و ألزم للذات المبتهج.[4]
و من هنا یتضح لنا أن السعادة فی الحکمة المتعالیة استعملت بمعنى الکمال و اللذة و الخیر، و الوصول الیها یعنی الکمال الوجودی و أن طریق الوصول الیها یکمن فی الادراک و الشعور بحاق الوجود و متن الواقع المنسجم مع القوة الادراکیة.
و کما ظهر لنا من تعریف السعادة انها من سنخ الادراک، کذلک الادراک متفاوت بحسب القوى و المدرکات، فلکل قوة لذة و سعادة خاصة تتناسب مع مدى ادراکاتها، و بالنتیجة تکون السعادة و اللذة القصوى من نصیب تلک القوة المتمیزة ادراکا و مدرَکا و مدرِکا، فکل قوّة توفرت على الحد الاعلى من هذه الخاصیة تکون فی الصدارة من حیث السعادة و اللذة، و ما هی الا القوة العقلیة.
و على هذا الاساس تکون السعادة الحقیقة کامنة فی الادراک العقلی، فالنفس فی بعدها النظری تعلم الاشیاء کما هی و ترى الذوات العقلیة و النورانیة. و لما کانت القوة العقلیة اشرف من القوة الادراکیة و الهیئات البدنیة، إذن السعادة و اللذة العقلیة هی الأتم.[5] لذا السعادة الحقیقیة للانسان فی بعده النظری عبارة عن: ادراک الصور و الکمالات العقلیة، و اما فی بعد العقل العملی فان ملاک السعادة الحقیقیة یکمن فی اعتدال النفس و ابتعادها عن الافراط و التفریط. فاذا تحرر الانسان من ضغط قواه الدونیة و تمکن من خلق حالة من التوازن بین رغباته الباطنیة و تحرک نحو السلوکیات المتعادلة و عزز فی نفسه الفضائل الاخلاقیة الى حد تحولت عنده الى ملکة راسخة، فانه سیصل الى مرحلة التحرر و التوازن الباطنی الذی یمثل حد السعادة فی بعده العملی. و على هذا الاساس لو ادرک الانسان فی بعده النظری الصور إدراکا صحیحا فلا یقترف الذنب فی بعده العملی الظاهری و سیکون صاحب سلوک حسن، و فی بعده العملی الباطنی یصل الى النشاط و الاستقرار من خلال تنمیة و تفعیل الاخلاق و الملکات المحمودة؛ و عند ما تحصل النفس على جمیع تلک المعقولات و الملکات و تتحد معها، عندها یصل الانسان الى السعادة الدنیویة و الاخرویة.[6] و نظریة ملا صدرا هذه تقوم على اساس قواعد و قوانین الحکمة المتعالیة؛ کأصالة الوجود و تشکیکیته، و خیریة الوجود و اتحاد العقل و العاقل و المعقول.[7]
ثم ان صدر المتألهین یلحظ مراتب السعادة على اساس الحرکة الاستکمالیة الجوهریة للنفس و مراتب العقل النظری، حیث قال:
فصل فی مراتب القوة النظریة و هی أربعة:
الأولى ما یکون للنفس بحسب الفطرة، و هو تهیؤها بحسب ذاتها لدرک المعانی المعقولة حین خلوها عن جمیع المعقولات البدیهیة و النظریة. و ذلک التهیؤ هو العقل الهیولانی و العقل بالقوة تشبیها للنفس بالهیولى الجسمیة الخالیة فی ذاتها عن الصور المحسوسة مع قبولها للمحسوسات کلها. و الثانیة تحصل عندما تتوفر النفس على تلک الطائفة من المعقولات الالولیة التی یشترک فیه جمیع البشر کاستحالة اجتماع النقیضین و ارتفاعهما،و الکل اکبر من الجزء و... من الطبیعی أن حصول النفس على هذه الطائفة من المعقولات یخلق لدیها قدرة التأمل و التفکیر و هذا ما یسمى العقل بالملکة.. فمراتب النفس بحسب الاستکمال منحصرة فی نفس الکمال و هو العقل بالفعل و فی استعداده قریبا کان کالعقل بالملکة أو بعیدا کالعقل الهیولانی.
فإذا حصلت للنفس المعقولات المکتسبة صارت من جهة تحصیلها إیاها- و إن کانت غیر قائمة بذاتها بالفعل- عقلا بالفعل، لأن له أن یعقل متى شاء من غیر أن یستأنف طلبا، و ذلک لتکرر مشاهداتها للنظریات مرة بعد أخرى، و تکرر رجوعها إلى المبدإ الواهب و اتصالها به کرة بعد أولى، فحصلت لها ملکة الرجوع إلیه و الاتصال به و صارت معقولاتها مخزونة فیه.
و إذا اعتبرت مشاهدة النفس لتلک المعقولات متصلة بالمبدإ الفعال سمیت" عقلا مستفادا" لاستفادتها لها من الخارج، أی من العقل الفعال. و الإنسان من هذه الجهة هو کمال عالم العود و صورته، کما أن العقل الفعال غایة عالم البدء و کماله.[8]
و من هنا یرى الملاصدرا نهایة العالم المادی خلق الانسان و غایة وجود الانسان تکمن فی الوصول الى العقل المستفاد الذی یعود الى معرفة الحق تعالى (فإن الغایة القصوى فی إیجاد هذا العالم الکونی الحسی و تمامه و کماله إنما هی خلقة الإنسان، و غایة وجود الإنسان أن یحصل له مرتبة العقل المستفاد، أی مشاهدة المعقولات و الاتصال بالمفارقات).[9]
و النتیجة أن السعادة الحقیقیة عند صدر المتألهین هی: الادراک النظری للمعقولات و أرفعها مرتبة تکمن فی العقل المستفاد و معرفه الحق تعالى.
[1] صدر المتألهین، الحکمة المتعالیة فی الاسفار العقلیة الاربعة، ج 9، ص 121، الطبعة الثالثة، دار احیاء التراث، بیروت، 1981 م.
[2] نفس المصدر، ج 1، ص 341.
[3]نفس المصدر، ج4، ص123.
[4]نفس المصدر، ج9، ص122.
[5] نفس المصدر، ج 9، ص 136.
[6] صدر المتألهین، المبدأ و المعاد، آشتیانی، سید جلال الدین ، ص 277-278، انجمن حکمت و فلسفه ایران، طهران، 1354 ش.
[7]انظر تلک الابحاث فی المصنفات المفصلة فی هذا المجال.
[8] المبدأ و المعاد، ص 272- 273.
[9] المبدأ و المعاد، ص 273-274.