دلَّت البراهين العقلية على أنَّه ليس في الكون خالق أصيل إلا اللَّه سبحانه، و أنَّ الموجودات الإِمكانية وما يتبعها من الأَفعال و الآثار، حتى الإِنسان و ما يصدر منه، مخلوقات للَّه سبحانه بلا مجاز و لا شائبة عناية، غاية ما في الأمر أنَّ ما في الكون مخلوق له إِمَّا بالمباشرة أو بالتسبيب.
فالتوحيد في الخالقية يعني أنه لا يوجد في عالم الوجود خالق بالاصالة و الاستقلال الا الله تعالى، و ما سواه من العلل و الاسباب فتقع في طول خالقيته سبحانه و بأذن منه تعالى، لا يعني بحال من الاحوال انكار السنن و القوانين الجارية بين الظواهر الطبيعية؛ و ذلك لان جريان هذه العلل و الاسباب و المسببات في عالم المادة لا يعني استقلالها في الايجاد و العلية، بل ان الله تعالى هو الذي أوجد تلك القوانين و السنن في عالم المادة و جعلها حاكمة و جارية فيه، كذلك لا يعني ذلك الايمان بفكر الجبر و نفي الاختيار.
معنى التوحيد في الخالقية
تعد الخالقية من صفات الله تعالى. و قد دلَّت البراهين العقلية على أنَّه ليس في الكون خالق أصيل إلا اللَّه سبحانه، وأنَّ الموجودات الإِمكانية و ما يتبعها من الأَفعال و الآثار، حتى الإِنسان و ما يصدر منه، مخلوقات للَّه سبحانه بلا مجاز و لا شائبة عناية، غاية ما في الأمر أنَّ ما في الكون مخلوق له إِمَّا بالمباشرة أو بالتسبيب. لانه سبحانه هو الواجب الغني، و غيره ممكن بالذات و لا يُعْقَل أنْ يكون الممكن غنياً في فعله و ذاته، عن الواجب، فكما أنَّ ذاته قائمة باللَّه سبحانه، فهكذا فعله. و الحاجة في الذات إلى الواجب آية الحاجة في الفعل أيضاً. و من عرف الممكن حق المعرفة و أنه الفقير الفاقد لكل شيء، و الواجد- في ظل خالقه- فعلَهُ و أَثَرَهُ، لا يشك في استناد الأَفعال و الآثار إلى اللَّه سبحانه، و هذا ما يعبر عنه بالتوحيد في الخالقية و أنَّ هنا خالقاً و احداً أصيلًا و هو اللَّه سبحانه و أمَّا غيره فاما غير خالق لشيء أو خالق بإذنه و مشيئته و إقداره سبحانه.[1]
و بعبارة أخرى: التوحيد في الخالقية يعني أنه لا يوجد في عالم الوجود خالق بالاصالة و الاستقلال الا الله تعالى، و ما سواه من العلل و الاسباب فتقع في طول خالقيته سبحانه و بأذن منه تعالى.[2]
و قد يعبر عن ذلك احيانا بالتوحيد الافعالي، و يعني لدى الفلاسفة: أن جميع الانظمة و السنن و العلل و المعاليل و الاسباب و المسببات، هي فعل الله تعالى و خلقه، و ناشئة عن ارادته تعالى. و أن كافة موجودات العالم كما هي محتاجة في ذاتها اليه و غير مستقلة عنه سبحانه كذلك هي غير مستقلة عنه في تأثيرها و عليتها. و بالنتيجة فان الله تعالى كما أنه منزه عن الشريك في ذاته كذلك لا شريك له في الفاعلية. و التوحيد الافعالي مصداق التسبيح المبارك " لاحول و الا قوة الا بالله" الذي يعبر عنه الفلاسفة بقولهم " لا مؤثر في الوجود الا الله".[3]
هل يؤمن العقل باصل التوحيد في الخالقية؟
يذعن العقل بما لاريب فيه باصل التوحيد في الخالقية و يشهد بذلك؛ لان مقتضى براهين اثبات وجود الله تعالى – و خاصة برهان النظم و الوجوب- أن جميع الموجودات هي ممكنة في ذاتها و معلولة و مخلوقة لواجب الوجود بالذات (و هو الله تعالى). و بمقتضى أدلة التوحيد الذات، أن واجب الوجود بالذات واحد. فلا خالق سواه.[4]
القرآن و التوحيد في الخالقية؟
أشار القرآن الكريم في الكثير من الآيات الى توحيده سبحانه في الخالقية، كما في الآيات التالية:
1. "قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَیْءٍ وَ هُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ"[5]
2. "اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَیْءٍ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَیْءٍ وَكِیلٌ" [6]
3. "ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَیْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ" [7]
4. "هَلْ مِنْ خالِقٍ غَیْرُ اللَّهِ" [8]
5. "رَبُّنَا الَّذِی أَعْطى كُلَّ شَیْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى" [9]
الروايات و التوحيد في الخالقية
ثم إن الروايات هي الاخرى أكدت أصل التوحيد في الخالقية و بنحو صريح، فقد روي عن الامام علي (ع) أنه قال: «لم یشركه في فطرتها فاطر، و لم یعنه علی خلقها قادر».[10] و عنه أيضا: «و لا شریك له أعانه علی ابتداع عجائب الامور». [11]
هل التوحيد في الخالقية يعني انكار نظام العلية و المعلولية؟ و هل يعني الجبر و نفي الاختيار؟
لابد من التأكيد هنا على قضية مهمة و هي: أن تبني القول باصل التوحيد في الخالقية لا يعني بحال من الاحوال انكار السنن و القوانين الجارية بين الظواهر الطبيعية؛ و ذلك لان جريان هذه العلل و الاسباب و المسببات في عالم المادة لا يعني استقلالها في الايجاد و العلية، بل ان الله تعالى هو الذي اوجد تلك القوانين و السنن في عالم المادة و جعلها حاكمة و جارية فيه. فالشمس و الهواء إنما يؤثران في ظهور النبات و الماء في نموها، و لكن بإذن الله تعالى و انها انعكاسات للسنن الالهية في الوجود. فمن يرى ان القول بالتوحيد في الخالقية يتنافى مع نظام العلل و الاسباب المادية بين اجزاء العالم، فقد أخطأ الطريق و ضل المسير و من هنا تولدت عندهم فكرة التعارض بين الدين و العلم و ان الدين ينكر العلوم.[12] و لكن الحقيقة ان التوحيد في الخالقية لا يعني بحال من الاحوال انكار ذلك و لا يعني الجبر و انكار الاختيار، فالله تعالى خالق لكل افعالنا و لكن في ضمن ارادتنا التي تاتي في طول ارادته سبحانه.
[1] انظر: السبحاني، جعفر، الالهيات، ج2، ص: 43؛ و انظر: رباني گلپایگانی,علي, عقاید استدلالي,سایت اندیشه، قم.
[2] موقع الحوزة.
[3] انظر: الاسفار، ج 2، ص 219-216 و نهاية الحكمة، ج 3، ص 677 و مطهري، مجموعه آثار، ج 2، ص 103-ترکاشوند ،احسان ،توحید و مراتب آن= التوحید و مراتبه.
[4] رباني گلپایگانی،علي،عقاید استدلالي،موقع اندیشه قم.
[5] الرعد، 16
[6] الزمر،62
[7] یونس، 62
[8] فاطر،3
[9] طه،50
[10] نهج البلاغة، خطبة 185.
[11] نفس المصدر، خطبة 91.
[12] السبحاني ،جعفر ،ترجمة محدثي ،جواد ،سیمای عقاید شیعة ،ص56، نشر مشعر.