تتفاوت طبیعة تعامل الروح و البدن أثناء الیقظة تفاوتاً واضحاً معه أثناء النوم. من هنا نرى التعالیم الاسلامیة تعبر عن النوم بأنه أخو الموت.
و العلوم التجریبة و إن کانت عاجزة فعلاً عن إدراک التحولات التی تطرأ على البدن أثناء النوم لکنها ترصد بعض تلک التحولات الجسمانیة. ثم إن الدراسات المختبریة أشارت الى أن للانسان نوعین من النوم مختلفین تحت عنوان REM وNon REM . و عادة تکون الأحلام التی یراها الانسان فی مرحلة Non REM تحدث عندما یغط الانسان فی نوم عمیق فلذلک لم یتذکرها و لم تعلق فی ذهنه و إنما الذی یبقى عالقاً فی الذهن هو الأحلام التی یراها فی النوم من نوع REM. و أما فی الحالات التی یتعرض فیها الانسان للتخدیر و الإغماء فلم یتذکر شیئاً من الاحلام بسبب الانصراف الشدید للروح عن البدن و عمق النوم.
تعتبر نوعیة العلاقة بین البدن و الروح و کیفیة حرکة الروح من أعقد المسائل المثارة حتى الآن أمام الذهن البشری و التی لم یتوصل الى معالجة شافیة عنها، الأمر الذی أدى الى اختلاف کلمة الباحثین و العلماء اختلافا واضحاً، حتى قیل أن عدد النظریات المطروحة حول ماهیة الروح وطبیعة حرکتها و المسائل الأخرى ذات الصلة بها قد بلغ حدود الألف نظریة.[1]
و لقد أکد القرآن الکریم على عجز العقل البشری عن إدراک حقیقة الروح[2] فی قوله تعالى: "وَ یَسْئَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَ ما أُوتیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلیلا "[3]
من هنا ندرک و بالاستعانة بالآیات و الروایات أن الروح شیء غیر البدن و الجسم، و أنها موجود مجرد منزه عن خواص المادة؛ فلم تخضع لقوانین زمان و مکان خاصین. کذلک من المسلم به أن طبیعة العلاقة بین الروح و البدن فی الیقظة تختلف إختلافاً واضحاً عنها فی حالتی إنفصال الروح عن البدن فی النوم أو الموت، من هنا نقرأ فی کتاب الله المجید "اللَّهُ یَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حینَ مَوْتِها وَ الَّتی لَمْ تَمُتْ فی مَنامِها فَیُمْسِکُ الَّتی قَضى عَلَیْهَا الْمَوْتَ وَ یُرْسِلُ الأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فی ذلِکَ لآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُون".[4]
و قد عبر القرآن عن الموت بالتوفی. و التوفی یعنی الأخذ کاملاً. و بعبارة أخرى: الروح التی یهبها الله تعالى لعباده ثم یتوفاها منهم، هذا التوفی یمر بمرحلتین: 1.مرحلة ضعیفة تحدث أثناء النوم، 2. المرحلة القویة التی تحدث أثناء الموت.
و الجدیر بالتأمل کثیراً فی الحالتین هو: ما هی طبیعة الروح التی تنفصل عن البدن أثناء النوم؟ و ما هی آثارها؟ و ما هی العلامات الحاصلة من وراء هذا التوفی؟ لأن النوم لم یحدث تحولا کبیراً فی الفرد و إنما غایة ما یحصل فیه یتمثل فی ضعف إدراک القوى المدرکة و الجسمیة فقط.[5]
و کما سیأتی فان علماء الابحاث المختبریة و التجریبیة و الفسلجة قد توصلوا من خلال ابحاثهم التی أقاموها حول النوم و الرؤیا الى نتیجة مؤداها أن النوم نوعا من الموت او قریب منه. علماً أن ابحاثهم انصبت حول دراسة البعد المادی (الجسمی) والتحولات الجسمیة دون البعد الروحی للانسان. وقد توصلوا الى أن النوم یمر بمرحلتین، الاولى اطلقوا علیها عنوان النوم المتناقض (REM) و الثانیة مرحلة النوم المتعارف (Non REM):
الف: النوم الهادئ، أو ما یعبرون عنه "بالموجة القصیرة" او(Non REM). فی هذه المرحلة یعیش الدماغ حالة استراحة. فامواج الدماغ تعیش حالة من الهدوء و الاستقرار لتزیل عن البدن آثار الجهد الیومی. فالنوم الهادئ یبدأ من لحظة الاستلقاء على الفراش فاطوله یبدأ من هذه اللحظة ثم یبدأ بالتناقص بعد الدقیقة التسعین.
ب: النوم المتناقض او REM: و هو ما یعیش فیه البدن حالات متناقضة لان الدماغ ما یزال تترشح منه أمواج فاعلة و قویة تشبه الى حد ما حالة الیقظة، و العین مع کونها تعیش خلف الجفون المطبقة لکنها ما تزال کالیقظة فی حالة حرکة نحو الیمین و الشمال و الاعلى و الاسفل. أما البدن فیعیش حالة السکون المطلق حیث تشل عضلاته الهیکلیة. و قد یشاهد الانسان فی هذه الحالة بعض الاحلام. و یمثل النوم المتناقض القسم الثانی من حرکة التسعین دقیقة.
و النوم المتعارف هو الآخر ینقسم الى أربع مراحل لا تشاهد فیها الحرکات الاهتزازیة السریعة للعین، و بصورة عامة أن للنوم خمس مراحل متفاوتة تتفاوت فیها أمواج الدماغ الالکتریکیة، و تتناوب المرحلتان على مدى ساعات النوم.[6]
"فی مرحلة النوم من نوع REM یعیش الانسان حالة الشلل و لم یبق متحرکا الا خلایا الدماغ و النخاع فتبقى فی حرکة رادعة، و یکون الدماغ نشیطاً. و تزداد حرکة الدم فی الدماغ و کذلک استهلاک الاوکسجین و....".[7]
کذلک "تزداد فی حالة النوم المتناقض أکثر إنفعالات الاحشاء من قبیل نبض القلب، التنفس، ضغط الدم و ... و یزداد ترشح غدة الآدرنالین فی البدن و یزداد إحتمال الإصابة بالنوبة القلبیة و آلام المعدة و الامعاء و....".[8]
و تشاهد خلال مرحلة النوم REM حالات عجیبة من قبیل الاضطراب فی ضربات القلب، و قد یصاب مرضى القلب بنوبة قلبیة. و تزداد نسبة الوفاة اثناء النوم اکثر من النهار".[9]
لماذا لا نتذکر بعض الرؤیا و الاحلام؟
کشفت التحقیقات أن التعالیم الحاصلة بعد الیقظة تعبر عن نفسها بعد الیقظة فی مرحلة النوم المتناقض، و لکن لم یعلق منها شیء فی الذهن اذا ما استیقظ الانسان فی حالة النوم المتعارف.[10]
هناک بعض الناس یصرون – خطأً- على أنهم لا یرون شیئاً اثناء النوم. و الحقیقة أنهم ینسون ما یرونه من أحلام، فاذا لم یستیقظ الانسان بعد الرؤیة مباشرة فانه لم یتذکرها. و کثیر من الناس الذین یتصورون أنهم قد مرت علیهم أعوام وهم لا یرون شیئا!! لکن لو تعرض هؤلاء للاختبار بالنوم REM فانهم سوف تتجلى لهم القصص الحیة التی شاهدوها فی عالم الرؤیا بصورة مهیجة.[11]
نحن لا نتذکر محتوى الرؤیا الا اذا استیقظنا فی اثنائها أو بعدها مباشرة. فان سعینا لترسیخها فی الذهن حتى لا ننساها فلا ریب أنه سیعلق شیء منها فی الذهن، و الا ستمر الرؤیا مرورا عابراً و تمحى سریعا من لوحة الذهن. نعم، قد نتذکر أصل الرؤیا و لکن نعجز عن تذکر التفاصیل.[12]
و یمکن القول بنحو کلی: النوم انصراف للروح عن البدن و هذا الانصراف یختلف شدة و ضعفاً فقد یضعف احیانا و یشتد فی احیان اخرى، و تارة یطول و أخرى یقصر.
و أما بالنسبة الى الإغماء و التخدیر فلاریب أن الروح تنصرف عن البدن إنصرافاً شدیداً و إن قصرت المدة نتیجة لما یراه الطبیب المعالج من ضرورة فی زیادة جرعة المخدر و قلتها، المهم أن العلاقة بین الروح و البدن تنقطع انقطاعاً تاماً و تؤثر المادة المخدرة فی البدن تاثیراً عمیقاً بحیث تصل العلاقة بین الروح و البدن الى أدنى المستویات و کأن الروح تعیش من دون بدن، من هنا لا تستشعر الروح بما یجری على البدن من تمزیق و تقطیع و...اثناء العملیة الجراجیة.[13]
اتضح من الابحاث السابقة:
1. انا لا نجهل العلاقة بین الروح و البدن فی المنام فحسب بل نجهل حتى نوع العلاقة فی الیقظة أیضاً.
2. ان الانسان یتذکر الرؤیا التی یشاهدها أثناء النوم المتناقض بشرط الاستیقاظ مباشرة، و أما التی یراها فی النوم المتعارف فلا یتذکر منها الا القلیل.
3. السبب فی عدم تذکر الرؤیا فی النوم المتعارف کون الانسان یغط فی نوم عمیق تنصرف فیه النفس عن البدن إنصرافا تاماً. و هکذا الأمر بالنسبة الى الحالات التی یتعرض فیها الانسان للتخدیر و الإغماء فانه لم یتذکر شیئاً بسبب الانصراف الشدید للروح عن البدن و عمق انقطاع العلاقة بینهما.
[1] آیة الله مکارم الشیرازی، 5 درس اصول عقائد برای جوانان "اصول العقائد للشباب"، ص .
[2] بناءً على تفسیر الروح بالروح بالمعنى المراد هنا.
[3] الاسراء،85.
[4] الزمر، 42.
[5] انظر: مصباح الیزدی، محمد تقی، پیش نیازهای مدیریت اسلامی، ص 71 و 72.
[6] انظر: خداپناهی، محمد کریم، روان شناسی فیزیولوژیک، ص 242.
[7] نیل کارلسون، روان شناسی فیزیولوژیک، ص 401.
8] خداپناهی، محمد کریم، روان شناسی فیزیولوژیک، ص 247.
[9] رابرت بی کراهام، روان شناسی فیزیولوژیک، ص 325.
[10] خداپناهی، محمد کریم، روان شناسی فیزیولوژیک، ص 253.
[11] نیل کارلسون، روان شناسی فیزیولوژیک، ص 403.
[12] ریتا ال، اتکنیسون و همکاران، زمینه روان شناسی هیلگارد، ص 372.
[13] انظر: القرص المدبج پرسمان.