یفهم من دراسة الآیات القرآنیة المتعددة أن الجنة وعد إلهی حتم شامل لأشخاص یتمتعون ببعض الخصائص و المواصفات، منهم: (المتقون)، (المؤمنون)، المطیعون لجمیع أوامر الله و رسوله (ص) و مثل هؤلاء الأشخاص سعداء حقیقة و محضوضون و مصنفون فی زمرة (المفلحون).
و عند دراسة الأوامر الإلهیة و ما أمر به الرسول (ص) نجد أن من جملة ما صدر عن الله و رسوله (لزوم الطاعة لولی الأمر) و (معرفة الإمام) و (أداء حق أهل البیت علیهم السلام). و مما لا تردد فیه أن من لیس له اعتقاد قلبی و لسانی و إطاعة عملیة لله و رسوله (ص) و القرآن و أهل البیت (ع)، فإنه لیس بمؤمن واقعی، و أنه غیر مشمول بلطف الله و وعده ذلک أن الله تعالى یقول: «إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ»،[i] و فی واقع الأمر فإن الجنة أو النار ما هی إلا انعکاس عملی لعقیدة الإنسان: «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِکُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا».
إن لزوم الاتباع الکامل (للإمام و أهل البیت علیهم السلام) أکثر من إدعاء محبتهم و لیس ذلک ما تقول به الشیعة فقط، إن السر فی ورود الجنة کامن فی (معرفة الإمام) معرفة المفاهیم الأساسیة من قبیل: معنى الإمام، وجوب إطاعة الإمام، ضرورة وجود الإمام، الحاجة إلى الإمام فی بلوغ السعادة.
و خلاصة القول: إن کل من لم تصل إلیه الحقیقة، و لم یکن مقصراً فی البحث عن هذه الحقیقة، لم یکن مستحقاً لعذاب النار، لأن النار مستقر أهل الذنوب و المعاصی، لا الذین لا یعرفون الحقیقة.
إن دخول الجنة وعد إلهی حتمی،[1] و لکن السؤال هو: نصیب من تکون الجنة؟ و أیّ فرد أم أیّ جماعة تستحق دخول الجنة؟
و من خلال دراسة الآیات القرآنیة التی تتحدث عن أصحاب الجنة نحصل على ما یلی:
«وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ».[2] فدخول الجنة له شرط واحد و هو (الإیمان)، و لکن من هو المؤمن؟، هل إن الجهر بالشهادتین کافٍ لتحقیق الإیمان و الانضمام إلى زمرة المؤمنین؟
«وَ مَنْ یُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ یُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ»[3]، و لکن کیف تکون إطاعة الله و رسوله، و ما هو واقعها؟
الذی یفهم من الآیات المختلفة فی هذا الإطار أن هذه الإطاعة تشمل ساحتین، و تکون على قسمین: الساحة الإعتقادیة و المیدان العملی.
«إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ».[4]
اذن:
ـ إذا لم نکن من أهل الطاعة لرسول الله (ص) لا یصدق علینا عنوان المطیعون.
ـ الطاعة القلبیة و الإعتقادیة إلى جانب الطاعة العملیة و الفعلیة، و هما على ارتباط وثیق.
ـ إذا لم یکن لنا اعتقاد أو عمل بأمر واحد من أوامر الرسول (ص) فلسنا من أهل الإطاعة الکاملة.
ما هی ثمرة الإیمان و العمل الصالح؟
فی نظر القرآن الدقیق و الحکیم فإن اقتران الإیمان بالعمل الصالح له ثمرة طیبة هی (التقوى) و إن المتقین من أهل الجنة: «لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ».[5]
و مما تقدم نحصل على النتیجة الآتیة:
إن جوهر السعادة (التقوى) و إن التقوى هی الطاعة الکاملة لأوامر الله و رسوله (ص).
و مع أن التقوى على مراتب و درجات إلا أن الحد الأدنى لها یتحقق بأداء الواجبات و اجتناب المحرمات، و علیه فلابد لنا من الدقة و الحذر فی دائرة الواجبات و الأوامر بلحاظ أدائها و الحفاظ علیها بشکلٍ کامل.
و من جملة أوامر الرسول (ص) لزوم المعرفة و الطاعة بالنسبة إلى الأئمة الواقعیین من بعده.[6]
و مما لا نتردد فیه أن أولئک الذین لیس لهم اعتقاد قلبی و لا إتباع عملی بالنسبة إلى مقام (الإمامة) فلا یمکن عدهم فی أهل (الإیمان و العمل الصالح)، و لم یبلغوا مرتبة التقوى.
و القضیة هی: طبق الآیة 59 من سورة النساء فإن إطاعة (أولی الأمر) لازمة و واجبة، و أبعد من ذلک فإن حدود هذه الطاعة ترتقی إلى حدود طاعة الله، فإن إطاعة الولی بمثابة إطاعة الله، و لکن یجب التذکیر هنا أن المسمى بأولی الأمر لابد و أن یکون معصوماً، کما أنه لیس کل من أمسک بالسلطة و الحکم معدوداً من أولی الأمر، لأنه إذا کان ولی الأمر غیر معصوم فإمکانیة و احتمال أن یکون أمره مخالفاً لأمر الله و رسوله موجودة.
و فی مثل هذه الحالة یکون الأمر بإطاعة الله و رسوله و أولی الأمر أمراً بشیئین متضادین متخالفین، و هذا محال قطعاً.
و قد تحدثنا عن (السعادة) و دور الاعتقاد بـ (الإمامة) فی إیجاد السعادة ننتقل الآن إلى بیان و شرح الکیفیة التی یکون فیها تأثیر الإمام بالنسبة إلى تحقیق السعادة على مستوى الفرد و المجتمع، أو کون الإنسان من أهل الجنة أو أهل النار على هذا الأساس.[7]
الفلاح و دور الإمام فیه:
ضمن التأکید على ما بیناه فیما تقدم ننتقل إلى دراسة ما یلی: مفهوم الفلاح، السعادة و الموفقیة فی دار الدنیا و دار الآخرة، و کذلک دور الاعتقاد بالإمام و الإمامة فی إیجاد السعادة و الفلاح.
أـ مفهوم الفلاح: لکلٍ تعریف و تفسیر خاص لمفهوم السعادة و الفلاح، و لکن المؤکد هو أن هذه التعددیة و الاختلاف لا تصب فی نفع طلاب الحقیقة، فمن الأفضل أن نتلقى التفسیر الواقعی و الحقیقی من الله سبحانه الذی میز بین الفریقین (المفلحون) و (الخاسرون).
عندما یرید الله أن یصف فرداً من أفراد الفئة المفلحة، و هو النبی إبراهیم (ع)، فإنه یصفه على النحو التالی: «وَ إِنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لإِبْرَاهِیمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ».[8] إنه من شیعة نوح (ع) و أتباعه الحقیقیین و دلیل ذلک أنه عندما وفد على ربه جاء بقلب سلیم خالٍ من کل الشوائب.
و أما دعاء إبراهیم فکان کالآتی: «وَلا تُخْزِنِی یَوْمَ یُبْعَثُونَ»[9] و من خلال هذا التأکید على القلب السلیم نستنتج:
إن موفقیة أی إنسان و حسن حظه تکمن فی حیاته فی دائرة الدین بحیث یکون حین لقائه بربه مصحوباً (بقلب سلیم) و من الطریف أن فی الآیة المتقدمة (89ـ الشعراء) تأتی هذه الفقرة مباشرة «وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِینَ»، فإن بیان الآیة هو إن ما یترتب على وجود القلب السلیم حصول التقوى، و إن الجنة هی ثواب المتقین.
و النتیجة: إن السعادة و الفلاح و حسن الحظ تجد معناها فی السعی للحصول على القلب السلیم، و أن صاحب الحظ الواقعی هو صاحب القلب السلیم و أن السعادة مرتبطة بسلامة القلب.
ب ـ دور الاعتقاد بالإمامة فی السعادة:
نقل العدید من الرواة و المحدثین من أهل السنة روایة مهمة عن الرسول (ص) نورد قسماً منها: «یا أبا الحسن إن أمة موسى افترقت على إحدى و سبعین فرقة، فرقة ناجیة و الباقون فی النار، و إن أمة عیسى افترقت على اثنتین و سبعین فرقة، فرقة ناجیة و الباقون فی النار، و إن أمتی ستفترق على ثلاث و سبعین فرقة، منها فرقة ناجیة و الباقون فی النار، فقال: یا رسول الله من الناجی؟ قال: المتمسک بما أنت علیه و أصحابک».[10] ینقل بریدة الأسلمی ـ الذی یعده أهل السنة من صحابة رسول الله ـ عن النبی (ص) أنه قال: «إن المراد من الصراط المستقیم فی قولنا (إهدنا الصراط المستقیم[11]؛ هو صراط محمد و آل محمد علیهم السلام». و قال رسول الله (ص): «من سره أن یجوز على الصراط کالریح العاصف، و یلج الجنة بغیر حساب، فلیتول ولیی، و وصیی و صاحبی، و خلیفتی على أهلی و أمتی، علی بن أبی طالب، و من سره أن یلج النار فلیترک ولایته، فو عزة ربی و جلاله إنه لباب الله الذی لا یؤتى إلا منه، و إنه الصراط المستقیم، و إنه الذی یسأل الله عن ولایته یوم القیامة».[12]
من هو الذی تقبل أعماله؟
الولایة شرط لقبول الأعمال!
طبقاً للعدید من الروایات التی یرویها أهل السنة، فإن الأساس و الشرط المعتمد لدى الله سبحانه و تعالى بالنسبة لقبول أعمال العباد هو التسلیم و القبول مقابل ولایة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (ع). یقول الرسول الأکرم: «النظر إلى وجه أمیر المؤمنین علی ابن أبی طالب عبادة و ذکره عبادة، و لا یقبل الله إیمان عبد إلا بولایته و البراءة من أعدائه».[13]
و المحصل من هذه الروایة: أن شرط قبول الإیمان من الأصل هو الولایة و البراءة فضلاً عن الأعمال العبادیة.
و کذلک ینقل علماء السنة: « یا علی لو أن عبداً عبد الله مثل ما قام نوح فی قومه، و کان له مثل جبل أحد ذهباً فأنفقه فی سبیل الله، و مد فی عمره حتى حج ألف عام على قدمیه ثم قتل بین الصفا و المروة مظلوماً، ثم لم یوالک یا علی لم یشم رائحة الجنة و لم یدخلها».[14]
و أما بالنسبة إلى القول: هل أن غیر الشیعة یردون جهنم أم لا فإنه بحثٌ نشیر إلیه بالإجمال:
یقسم الذین لم یؤمنوا بالإسلام إلى قسمین:
1ـ فئة یطلق علیها عنوان (الجاهلون)، (المقصرون)، (الکافرون) و هذه المجموعة وصلها الإسلام و عرفت أحقیته، و لکنهم أعرضوا عن قبول الحق عناداً و طغیاناً، و بذلک تستحق العذاب و الخلود فی نار جهنم.
2ـ فئة تعرف بالجهال القاصرین. و معنى ذلک أن الإسلام لم یصل إلیها و لم تطلع على تعالیمه و أحکامه، أو أنه عرض علیهم عرضاً ناقصاً و مشوهاً حتى أنهم تخیلوا أن الإسلام أقرب إلى أدیان الهند و الصین أو على أفضل الاحتمالات کالیهودیة و المسیحیة. و هذه الفئة یمکن أن تکون من الفئات الناجیة بسبب صدقها فی دینها.
و على أساس النظرة الإسلامیة، فإن هذه الفئة من الناس على أساس صدقها فی دینها و سلوکها المبتنیة على سلامة الفطرة، فإذا کان سلوکها خالٍ من الکذب و الشذوذ، و لا یخالف الفطرة الإنسانیة فإنها تکون من أهل النجاة و لها الأمل فی رحمة الله تعالى.
و هذا البحث الذی یخص العلماء الموحدین الذین لم یعرض علیهم الإسلام و لم یعرفوه حق معرفته ینطبق على أهل السنة الذین لم یبین لهم التشیع على حقیقته.
و خلاصة القول: إن کل من لم تصل إلیه الحقیقة، و لم یکن مقصراً فی البحث عن هذه الحقیقة، لم یکن مستحقاً لعذاب النار، لأن النار مستقر أهل الذنوب و المعاصی، لا الذین لا یعرفون الحقیقة.
للإطلاع بشکل أوسع یُراجع الموضوع:
1. النار و غیر المسلمین رقم السؤال 2089 (الموقع: ۳۷۲).
2. القاصرون و النجاة من النار، رقم السؤال 1389 (الموقع: ۱۷۵۰).
[1] «مثل الجنة التی وعد المتقون»، محمد، 47.
[2] التوبة، 72.
[3] النساء، 13.
[4] البروج، 11.
[5] آل عمران، 15.
[6] «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ»، النساء، 59؛ «قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَى»، الشورى، 23. «من کنت مولاه فهذا علی مولاه»، المستدرک على الصحیحین، ج3 ، ص 109.
[7] من الطبیعی أن مقولة احتیاج الناس إلى الإمام تحتاج إلى بحث أوسع، و لا تحتمل هذه المقالة مثل هذا البحث، و لذلک نؤجل بحثها إلى وقت آخر.
[8] الصافات، 83ـ 84.
[9] الشعراء، 87ـ 89.
[10] الإصابة فی تمییز الصحابة، العسقلانی، ج 2، ص 174.
[11] رشفةالصادی، السید شهاب الدین، الشافعی، ص 25؛ ینابیع المودة، شیخ سلمان، الحنفی، ص 114.
[12] شواهد التنزیل، الحسکانی، ج 1، ص 59 و 90.
[13] مناقب الخوارزمی، 19 و 212؛ کفایة الطالب، گنجی الشافعی، ص 214.
[14] «... ثم لم یوالک یا علی لم یشم رائحة الجنة و لم یدخلها» مناقب، خطیب الخوارزمی، مقتل الحسین (ع)، الخوارزمی، ج 1، ص 37.