ينبغي لجريان الاستصحاب توفر مجموعة من الاركان، هي:
1. الحالة السابقة المتيقنة: لابد لتمامية قاعدة الاستصحاب من وجود حالة سابقة متيقنة كشرط أساسي لجريان الاستصحاب.
2. الشك في البقاء. و الشك في البقاء هو الشرط الأساسي الآخر لجريان الاستصحاب.
3. وحدة الموضوع في الاستصحاب: و يتفق الأصوليون على أن من شروط الاستصحاب وحدة الموضوع، و يعنون بذلك أن يكون الشك منصبا على نفس الحالة التي كنا على يقين بها فلا يجري الاستصحاب. مثلا: إذا كنا على يقين بنجاسة الماء ثم صار بخارا و شككنا في نجاسة هذا البخار، لأن ما كنا على يقين بنجاسته هو الماء و ما نشك فعلا في نجاسته هو البخار و البخار غير الماء، فلم يكن مصب اليقين و الشك واحداً.
و قد ذكر الاصوليون بعض الاركان الاخرى و لكنها تعود في الحقيقة الى الثلاثة المذكورة.
و للاستصحاب تطبيقات كثيرة خاصة في باب الطهارة و النجاسة نشير الى بعضها:
الف: لو تيقّن الحدث و شكّ في الطهارة أو ظنّ بها (استصحب الحدث) و تطهّر.
ب: لو تيقن الطهارة و شك في الحدث لم يلتفت و بنى على طهارته
تعريف الاستصحاب
من الابحاث المهمة في اصول الفقه عامة، و الاصول العملية خاصة اصالة الاستصحاب، و الاستصحاب مأخوذ من مادة "صحب" و الصَّاحِبُ لغة: الملازم إنسانا كان أو حيوانا، أو مكانا، أو زمانا. و لا فرق بين أن تكون مُصَاحَبَتُهُ بالبدن- و هو الأصل و الأكثر-، أو بالعناية و الهمّة.[1]
إذن كلمة الاستصحاب مأخوذة في أصل اشتقاقها من كلمة الصحبة من باب الاستفعال فتقول استصحبت هذا الشخص أي اتخذته صاحبا مرافقا لك و تقول استصحبت هذا الشيء أي حملته معك. [2]
أما الاستصحاب إصطلاحاً يعني: حكم الشارع على المكلف بالالتزام عمليا بكل شيء كان على يقين منه ثم شك في بقائه.
و مثاله: انا على يقين من ان الماء بطبيعته طاهر، فإذا أصابه شيء متنجس نشك في بقاء طهارته، لأننا لا نعلم أن الماء هل يتنجس بإصابة المتنجس له أو لا؟ و الاستصحاب يحكم على المكلف بالالتزام عمليا بنفس الحالة السابقة التي كان على يقين بها، و هي طهارة الماء في المثال المتقدم. و معنى الالتزام عمليا بالحالة السابقة ترتيب آثار الحالة السابقة من الناحية العملية فإذا كانت الحالة السابقة هي الطهارة نتصرف فعلا كما إذا كانت الطهارة باقية، و إذا كانت الحالة السابقة هي الوجوب نتصرف فعلا كما إذا كان الوجوب باقيا و هكذا.[3] و بعبارة أخرى: الاستصحاب عدم نقض اليقين السابق بالشك اللاحق. و بقاء الحالة السابقة المتيقنة و عدم رفع اليد عنها لمجرد عروض الشك اللاحق عليها.[4]
دليل الاستصحاب
ذكر الاصوليون مجموعة من الادلة لاثبات أصالة الاستصحاب، منها:
الدليل الأول بناء العقلاء: لا شك في أن العقلاء من الناس على اختلاف مشاربهم و أذواقهم جرت سيرتهم في عملهم و تبانوا في سلوكهم العملي على الأخذ بالمتيقن السابق عند الشك اللاحق في بقائه و على ذلك قامت معايش العباد و لو لا ذلك لاختل النظام الاجتماعي و لما قامت لهم سوق و تجارة.
الدليل الثاني: حكم العقل
و المقصود منه هنا هو حكم العقل النظري لا العملي إذ يذعن بالملازمة بين العلم بثبوت الشيء في الزمان السابق و بين رجحان بقائه في الزمان اللاحق عند الشك ببقائه.
أي أنه إذا علم الإنسان بثبوت شيء في زمان ثم طرأ ما يزلزل العلم ببقائه في الزمان اللاحق فإن العقل يحكم برجحان بقائه و بأنه مظنون البقاء و إذا حكم العقل برجحان البقاء فلا بد أن يحكم الشرع أيضا برجحان البقاء.
الدليل الثالث الإجماع: نقل جماعة الاتفاق على اعتبار الاستصحاب.
الدليل الرابع الأخبار: و هي العمدة في إثبات الاستصحاب و عليها التعويل مضافا إلى أنها مستفيضة و مؤيدة بكثير من القرائن العقلية و النقلية.[5] و منها رواية «وَ لَا تَنْقُضِ الْيَقِينَ أَبَداً بِالشَّک وَ إِنَّمَا تَنْقُضُهُ بِيَقِينٍ آخَرَ».[6]
أركان الاستصحاب و شروط جريانه
ينبغي لجريان الاستصحاب توفر مجموعة من الاركان فيه، هي:
1. الحالة السابقة المتيقنة: لابد لتمامية قاعدة الاستصحاب من وجود حالة سابقة متيقنة كشرط أساسي لجريان الاستصحاب.
2. الشك في البقاء. و الشك في البقاء هو الشرط الأساسي الآخر لجريان الاستصحاب.
3. وحدة الموضوع في الاستصحاب: و يتفق الأصوليون على أن من شروط الاستصحاب وحدة الموضوع، و يعنون بذلك أن يكون الشك منصبا على نفس الحالة التي كنا على يقين بها فلا يجري الاستصحاب. مثلا: إذا كنا على يقين بنجاسة الماء ثم صار بخارا و شككنا في نجاسة هذا البخار، لأن ما كنا على يقين بنجاسته هو الماء و ما نشك فعلا في نجاسته هو البخار و البخار غير الماء، فلم يكن مصب اليقين و الشك واحداً.[7]
و قد ذكر الاصوليون بعض الاركان الاخرى و لكنها تعود في الحقيقة الى الثلاثة المذكورة من قبيل: اجتماع اليقين و الشك في زمان واحد بمعنى أن يتفق في آن واحد حصول اليقين و الشك لا بمعنى أن مبدأ حدوثهما يكون في آن واحد بل قد يكون مبدأ حدوث اليقين قبل حدوث الشك كما هو المتعارف في أمثلة الاستصحاب و قد يكونان متقارنين حدوثا كما لو علم يوم الجمعة مثلا بطهارة ثوبه يوم الخميس و في نفس يوم الجمعة في آن حصول العلم حصل له الشك في بقاء الطهارة السابقة إلى يوم الجمعة و قد يكون مبدأ حدوث اليقين متأخرا عن حدوث الشك كما لو حدث الشك يوم الجمعة في طهارة ثوبه و استمر الشك إلى يوم السبت ثم حدث له يقين يوم السبت في أن الثوب كان طاهرا يوم الخميس فإن كل هذه الفروض هي مجرى للاستصحاب.
و الوجه في اعتبار اجتماع اليقين و الشك في الزمان واضح لأن ذلك هو المقوم لحقيقة الاستصحاب الذي هو إبقاء ما كان إذ لو لم يجتمع اليقين السابق مع الشك اللاحق زمانا فإنه لا يفرض ذلك إلا فيما إذا تبدل اليقين بالشك و سرى الشك إليه فلا يكون العمل باليقين إبقاء لما كان بل هذا مورد قاعدة اليقين المباينة في حقيقتها لقاعدة الاستصحاب.[8]
امثلة على تطبيق القاعدة
مرت بعض التطبيقات من خلال الابحاث السابقة و نردفه هنا بتطبيقين هما:
الف: لو تيقّن الحدث و شكّ في الطهارة أو ظنّ بها (استصحب الحدث) و تطهّر.[9]
ب: لو تيقن الطهارة و شك في الحدث لم يلتفت و بنى على طهارته.[10] و كذلك لو ترك ثوبه في مكان ما و كان متيقنا من طهارته ثم عاد و شك بان نجاسة ما عرضت عليه أو لا، فحينئذ لا يعتني بشكه و يبني على طهارة الثوب. و الامثل في هذا المجال كثيرة.
[1] الراغب الاصفهاني، المفردات في غريب القرآن، مفردة «صحب».
[2] أصولالفقه، ج 2، صفحه 276.
[3] السيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول، ج 1، صفحه 126، دار المنتظر، 1405هـ.
[4] انظر: المظفر، محمد رضا، اصول الفقه، ج 2، ص 241- 243، دار التعارف للمطبوعات، بیروت، 1403ق.
[5] أصولالفقه، ج 2، صفحه 289- 296. و قد ناقش الشيخ المظفر بعض تلك الادلة فلاحظ ذلك.
[6] حر عاملی، وسائل الشیعة، ج 1، ص 254، مؤسسه آل البیت، قم، 1409ق.
[7] الشهيد الصدر، المعالمالجديدة، صفحه 188- 191.
[8] أصولالفقه، ج 2، صفحه 279
[9] وسيلة النجاة (مع حواشي الإمام)، ص: 32.
[10] تحرير الوسيلة، ج1، ص: 32.