أن ملاک الابحاث الفقهیة یختلف عن ملاک الاحکام الشرعیة؛ و ذلک لان ملاک الابحاث الفقهیة یدور حول المسائل و القضایا التی یحتاجها المکلفون على المستویین الفردی و الاجتماعی. أما مفردة الملاک فی دائرة الاحکام الشرعیة و کلمات الاصولیین والفقهاء الشیعة فیراد بها معنیان: الاول: علل تشریع الحکم؛ و الثانی: ان المقصود من الملاک، العناوین التی وردت فی المتون الدینیة و کلمات المشرع کعلامات و معرفات لتحصیل المصالح و مشیرات الى مفاسد الاشیاء فی کل من الوجوب و الحرمة؛ کالاسکار الذی هو علامة و مؤشر الى سبب تحریم تعاطی الخمرة.
فی البدء لابد من الاشارة الى أن ملاک الابحاث الفقهیة یختلف عن ملاک الاحکام الشرعیة. من هنا لا بد من توزیع الجواب على محورین.
مع ان الابحاث الفقهیة تتمحور حول سلوک المکلفین و کلامهم، المستندة على مصادر التشریع الاربعة؛ یعنی الکتاب و السنة و العقل و الاجماع، بنحو یمکن ارجاع کل فتوى أو استدلال فقهی الى تلک المصادر، الا ان ذلک لا یعنی بحال من الاحوال التوقف و الجمود فی الفقه و الفقاهة و الاجتهاد، بل لکل عصر ضروراته و متطلباته الناتجة من التحولات الزمانیة و المکانیة و بروز مسائل مستجدة و مفاهیم مستحدثة على الساحة الحیاتیة یجب وضع الحلول لها، کذلک یکون لتعقیدات الحیاة و تشابک الامور الدور البارز فی خلق و اثارة مشاکل و تعقیدات فی المجتمعات و الثقافات و تثیر تساؤلات أمام الفقه الاسلامی، و ذلک کله من ملازمات تطورات الزمن و تغیر الاحوال الاجتماعیة و الثقافیة و...
فعلى سبیل المثال نجد فی الساحة التبلیغیة و نشر الاحکام الالهیة، أن الفقه و الفقاهة الناجحة هی التی تضع الحلول الناجعة و المعالجات الصحیحة للمشاکل بصدق و بلا مواربة و بعیداً عن الاذواق و السلائق الشخصیة، و یکون الفقیه و المقنن مستندا الى مصادر التشریع الاسلامیة فی مجال استجابته لمتطلبات الحیاة و حل مشاکله. و هذه الحاجات المستمرة و حیویة الفقه و العلاقة الراسخة بین "الفقاهة و الاجتهاد المتحرک" لها علاقة وثیقة باسلوب و ملاک طرح المباحث الفقهیة وعرضها. فان معرفة المنهج و الاسلوب فی کل عصر من عصور التطور الفقهی و الاجتهادی، و انزالها الى حیز التطبیق، له دور کبیر و فعال على المستویین الفردی و الاجتماعی، وان هکذا فقه یمکن أن یمسک برایة الهدایة و الارشاد و الاخذ بید المجتمعات الباحثة عن الحقیقة و تحریک بوصلة الثقافة الشیعیة بالاتجاه الصحیح و الدفاع عنها و حمایة القیم الدینیة على جمیع المستویات.
من هنا یتضح أن ملاک الابحاث الفقهیة یدور حول المسائل و القضایا التی یحتاجها المکلفون على المستویین الفردی و الاجتماعی.
ب. ملاک الحکم الشرعی
یرى بعض الباحثین و المحقیقن[1] أن من الامور التی یجب الاهتمام بها و الترکیز علیها من قبل الفقهاء و المحقیقین و خاصة فی العصر الراهن، البحث عن ملاکات الاحکام و مناطها. و لا یخفى على الباحثین الدور الذی یلعبه اکتشاف ملاکات الاحکام فی الاستنباط و دوره فی الوصول الى حکم الکثیر من المسائل الجدیدة، و لا یخفى ایضا صعوبة المهمة هذه و انها من القضایا التی تحتاج الى باع طویل فی العلم و مثابرة و جدیة فی العمل.
تطلق مفردة الملاک فی دائرة الاحکام الشرعیة و کلمات الاصولیین والفقهاء الشیعة و یراد بها معنیان:
الاول: المراد من الملاک علل تشریع الحکم؛ بمعنى ان تشریع و جعل الاحکام الشرعیة ینطلق من مصالح أو مفاسد مترتبة على الفعل جعلت المشرع یحکم بوجوب الفعل لتحقیق المصلحة مثلا، و بحرمة الفعل للاحتراز من الوقوع فی المفسدة المترتبة علیه، و هذا ما یعبر عنه بعلة الحکم، و هی المصلحة التی قصد الشارع من تشریع الحکم تحقیقها أو تکمیلها أو المفسدة التی قصد الشارع بتشریع الحکم دفعها أو تقلیلها.[2]؛ کالعلة فی تحریم الزنا المتمثلة باختلاط الانساب و علة تحریم القتل للحد من إبادة النفوس و...
الثانی: المقصود من الملاک العناوین التی وردت فی المتون الدینیة و کلمات المشرع کعلامات و معرفات لتحصیل المصالح و مشیرات الى مفاسد الاشیاء فی کل من الوجوب و الحرمة؛[3] کالاسکار الذی هو علامة و مؤشر الى سبب تحریم تعاطی الخمرة؛ و السفر الذی هو ملاک قصر الصلاة الرباعیة. فتلک الملاکات عناوین یحرز الحکم بوجودها لتأمین المصلحة و الحکمة التی یبتغیها الشارع المقدس.
ثم ان البحث عن علل الاحکام و التشریعات یتطلب بنفسه افراد مصنفات خاصة فی هذا الموضوع و یعد ذلک من أهم مباحث فلسفة الفقه.
[1] انظر: أیازی، سید محمد علی، ملاکات احکام و شیوه های استکشاف آن = ملاکات الاحکام و طریق کشفها، پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی، قم، الطبعة الاولى، 1386ش؛ نکونام، محمدرضا، حقیقة الشریعة فی فقه العروة، ج 1، انتشارات ظهور شفق، قم، الطبعة الاولى، 1386ش؛ طالقانی، ملانظرعلی، مناط الأحکام، دارالخلافة، طهران، 1304ق؛ رحیمیان، سعید، شیوه اکتشاف ملاک و نقش آن در تغییر احکام، مجلة نقد و نظر، ص 182، شتاء 1374، العدد 5؛ میرخلیلی، سید احمد، فقه و ملاکات احکام، مجلة قبسات، ص 59، ربیع و صیف 1379، العدد 15 و 16.
[2] انظر: عبد الرحمان، محمود، معجم المصطلحات و الألفاظ الفقهیة، ج 1، ص 476 و 584؛ ملاکات احکام و شیوه های استکشاف آن، ص 33 و 34 و 43؛ مکارم الشیرازی، ناصر، دائرة المعارف فقه مقارن، ص 388 و 389، انتشارات مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطعبة الاولى، 1427ق؛ فریق من الباحثین، مجله فقه أهل البیت علیهم السلام، العدد 29، ص 137، مؤسسه دائرة معارف الفقه الاسلامی على مذهب أهل بیت علیهم السلام، قم، الطبعة الاولى.
[3] دائرة معارف الفقه المقارن، ص 389.