المعنى الذی أشرتم له فی السؤال لا یمکن أن یقبل و لا یرد على إطلاقه و إنما یتعلق الأمر بنوع الذنوب المرتکبة و شخص المذنب نفسه، لأن بعض الذنوب غیر قابلة للمغفرة کالشرک بالله و البعض الآخر لا یمکن أن یغفر بواسطة الدعاء و طلب المغفرة و الإحسان من قبل الآخرین کحق الناس. بل الطریق الوحید الذی یهیئ الأرضیة لغفران مثل هذه الذنوب هو إرضاء أصحاب الحقوق المغتصبة أو المعتدى علیها.
و المقارف للذنوب تارة یکون من جهة الجهل فیکون العفو عنه ممکناً مع إظهار الندم و التوبة و العزم على عدم العود، و تارة یقترف الذنب استکباراً و عتواً و ذلک ما یحتاج إلى التعویض و جبران ما ارتکب و تلافی آثاره و ذلک ما یتحقق بواسطة الشخص نفسه أو بواسطة الآخرین.
من الطبیعی أنه لا حق للإنسان وراء سعیه و جهده، و لکن ذلک لا یمنع أن یتفضل الخالق على بعض الأفراد بالنعمة من باب اللطف الإلهی، فالاستحقاق أمر و التفضل أمر آخر.
و بغضّ النظر عما تقدم فإن الإحسان و دعاء الآخرین و الشفاعة و ... لیست مطلقة و من دون شروط و ضوابط، و إنما لها نوع ارتباط بسعی الشخص، فالشفاعة مثلاً تحتاج إلى نوع من السعی و الاجتهاد و إیجاد العلاقة المعنویة مع الشفیع، و فی واقع الأمر لا بد من توفر الصلاحیة و القابلیة لدى الأشخاص کما أن النبتة لا یمکن أن تبلغ نموها و کمالها ما لم تتوفر لها عوامل عدیدة أهمها الماء و التراب و النور و ...
و لکن مع ذلک لا بد من وجود القابلیة و الاستعداد للنمو و التکامل فیه حتى یکون للعوامل الأخرى کالتراب و الماء و النور نفع و أثر فی عملیة النمو و بلوغ الکمال.
من أجل أن یتضح الجواب لا بد من بیان بعض النقاط:
1. لکل ذنب جانبان، أحدهما العصیان و التمرد و عدم الانصیاع لأوامر المولى تعالى و هتک حرمته (ظلم فی حق الخالق) و الجانب الآخر یتعلق بالفرد العاصی و أفراد المجتمع الآخرین (الظلم فی حقوق الناس و شخص المذنب نفسه).[1]
2. لا یکون المذنبون على مستوى و درجة واحدة و ذلک بلحاظ اختلاف ظروف الزمان و المکان و طبیعة الذنب و اختلاف الذنوب، شخصیة المذنب و خصوصیاته، و من هنا اختلف المذنبون بعضهم عن البعض الآخر، و من الطبیعی أن تختلف و تتفاوت مجازاتهم و عقابهم تبعاً لذلک.
فمثلاً یحذر القرآن نساء النبی من مقارفة الذنوب فیقول: «یَا نِسَاءَ النَّبِیِّ مَنْ یَأْتِ مِنْکُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ یُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَیْنِ وَ کَانَ ذَلِکَ عَلَى اللَّهِ یَسِیراً»[2].
و کما جاء فی الروایة عن الإمام الرضا(ع): «المستتر بالحسنة یعدل سبعین حسنة، و المذیع بالسیئة مخذول، و المستتر بالسیئة مغفور له».[3] [4]
3. قسمت الذنوب إلى قسمین: 1. حق الله. 2. حق الناس، و قد جاء فی روایاتنا: "إن الله لا یغفر الذنوب المتعلقة (بحق الناس) إلا أن یعفو صاحب الحق نفسه".[5] و علیه فهذه الذنوب لا یمکن أن تغفر بأی حال من الأحوال سواء فی حال الحیاة أم بعد الممات، سواء کان الداعی نفس المذنب أو الآخرین، و لا بد من رضا أصحاب الحق أو إحراز تنازلهم عن حقوقهم، فمثلاً لو افترضنا أن شخصاً أتلف أموال الناس أو اغتصبها فلا یغفر الله هذا الذنب ما لم یرضَ أصحاب الأموال.
4. تقسم الذنوب إلى کبیرة و صغیرة، و الذنوب الکبیرة هی الذنوب التی تحظى بأهمیة کبیرة فی الإسلام إلى حد أن القرآن الکریم لم یکتف بالنهی عنها، و إنما وعد مرتکبیها بعذاب النار فی جهنم و منها الزنا و قتل النفس البریئة و أکل الربا... و کذلک ورد فی الکثیر من الروایات.[6] و أما الذنوب الصغیرة فقد ورد النهی عنها فقط، و قد ورد الوعد بالعفو عن الذنوب الصغیرة فی القرآن الکریم فی قوله تعالى: «إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ وَ نُدْخِلْکُمْ مُدْخَلاً کَرِیماً».[7]
و طبقاً لما جاء فی هذه الآیة الشریفة أن التوبة عن الکبائر تؤدی الی محو الذنوب الصغیرة، والجدیر بالذکر أن الذنوب الصغیرة قد تتحول إلى ذنوب کبیرة فی بعض الأحیان إذا اتصفت ببعض الخصوصیات، و عندها تکون خارجة عن وعد الله الذی یشمل العفو عن الصغائر.[8]
و ذلک یعنی أن الکثیر من الذنوب الصغیرة تتبدل إلى ذنوب کبیرة، و عندها فلا تکون مشمولة بعفو الله و حسب، و إنما یشملها الوعید الإلهی بالعذاب.[9]
5. یمکن أن یقسّم المذنبون على قسمین بنوع من التقسیم:
ألف. أولئک الذین یرتکبون الذنوب بسبب الجهل و لکنهم یندمون بعد ذلک و یتحفزون لجبران الماضی و التوبة عما بدر منهم، و قد جعل الله سبحانه قبول التوبة و العفو و المغفرة لهذا القسم من المذنبین.[10]
ب. أولئک الذین یرتکبون الذنوب مع علمهم بها، و لا یندمون على ما اقترفوا و هذا القسم لا یکون مشمولاً بالعفو الإلهی قطعاً.
و بالنظر إلى ما تقدم أصبح من المعلوم أن عفو الله و مغفرته و ما یکون من تبدیل أحوال الشخص المذنب إنما هی تختص بالمذنبین الذین تتوفر فیهم بعض الشروط التی تجعل العفو عنهم من قبل الله تعالى أمراً ممکناً من خلال حصول بعض العلل و الأسباب.[11]
و أما الشخص الذی قضى کل أیام حیاته فی العصیان و اقتراف الذنوب فکیف یمکن أن یکون لإحسان الآخرین و دعائهم أثر فی حصوله على العفو و المغفرة و أن تتبدل حاله فی الآخرة؟ و لا بد أن نقول أنه لیس الجمیع یغرقون فی مثل هذا النوع من الذنوب و الانحراف حتى لا یمکن لعمل الآخرین و دعاؤهم أثر فی تبدیل أحوالهم فی الآخرة. نعم فالذین ارتکبوا من الذنوب ما هو مشمول بالوعد الإلهی بالعفو و المغفرة یکون له الأمل فی تبدیل أحواله حتى بواسطة أعمال الآخرین و إحسانهم و دعائهم، و ذلک لأن القرآن یقول: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ[12] یُذْهِبْنَ السَّیِّئَاتِ».[13]
فالشخص المذنب طبقاً لهذه الآیة یمکن أن تمحى ذنوبه و تتلاشى إذا أتى بالأعمال الصالحة.
و کذلک إذا قام الآخرون بعمل الخیر و البر و أهدوا ثوابه إلى الشخص المذنب، فإن مثل هذه الأعمال تکون سبباً لمحو آثار الذنوب و تبعاتها.
و لدینا العدید من الروایات التی تقول: «عند ما یغادر الشخص هذه الدنیا فبإمکان الآخرین (أبناؤه أو غیرهم) أن یقوموا بأعمال صالحة کالصلاة و الصیام و الحج و الصدق و تحریر الرقاب و…ثم یهدوا هذه الأعمال للشخص الراحل، فإن ثواب هذه الأعمال یصل إلیه».[14]
و من المسلم عند ما تهدى أعمال الخیر التی یؤدیها الآخرون إلى الشخص المذنب فإنها تصل إلیه، فإذا کانت بمستوى التعویض و جبران ذنوبه فإنها سوف تمحو آثار هذه الذنوب. و هذه من العدالة الإلهیة أن تغفر ذنوب المذنب بأعمال الآخرین الصالحة عند ما تکون هذه الأعمال بمستوى تلک الذنوب لأنه تعالی قد فتح هذا الطریق علی لسانه نبیه (ص)[15]. و ذلک أشبه ما یکون فی عالمنا هذا عند ما یوقع شخص خسارة ما على شخص آخر و یأتی شخص ثالث لیتحمل تبعات هذه الخسارة، فمن المقطوع به أن الشخص الذی وقعت علیه الخسارة یقبل بأداء الشخص الثالث بدلاً عن المسبب، و لو لم یقبل هذا العرض فإنه سوف یکون ملوماً من قبل الآخرین. و لذلک فلا محل للعجب و الاستغراب و التساؤل عن کیفیة غفران الذنوب بالنسبة للشخص المتوفى بواسطة ما یقوم به الآخرون من أعمال الخیر و الصلاح. نعم إذا کان الإنسان قد ارتکب الفظیع من الذنوب بحیث لو أهدى إلیه جمیع الصالحین أعمالهم لما کانت کافیة فی غفران ذنوبه ففی مثل هذه لا یمکن أن تغفر الذنوب بواسطة أعمال الآخرین، و لکن یخفف الله من تبعات ذنوبه و یترتب على ذلک التخفیف من عقابه.[16]
و یجب أن نذکر أن الله سبحانه و تعالى عادل و حکیم و لا یمکن أن یظلم أحداً من عباده و لو بمقدار ذرة، و لا یتجاهل أی عمل من أعمال العباد و لم یضع أجر الصالح من أعمال عباده مهما کان حجمه و نوعه، فمن الممکن أن یعفو و یغفر لعبدٍ من عباده هو فی نظرنا من العاصین المستحقین للعذاب (لأننا لسنا على علم و اطلاع بجمیع أعمال العباد) و لکن بما أن الله علیم بکل شیء و على معرفة و إطلاع بما لا معرفة لنا به و لا اطلاع فلا بد من أن نضع مغفرته بحساب تلک الأعمال الصالحة التی لا نعلمها و لکن الله عالم بها.
کما لا ینبغی أن نغفل عن مسألة مؤداها أن المتعارف بین الناس فی قضیة ذکر الأموات و إهداء الأعمال الصالحة لهم تکون على أساس وجود جانب إیجابی فی حیاة ذلک المیت مما یحمل الآخرین على الدعاء و التضرع له و طلب المغفرة و الرحمة، و إلا ففی حالة عدم وجود أی نقطة مضیئة فی حیاة الشخص و إن جمیع حیاته ملوثة بالذنوب و المعاصی فلا یوجد من یدعو له دعاءً خالصاً، حتى أبناؤه و أصدقاؤه، فإذا کانوا غیر صالحین لا یستجاب دعاؤهم، و إذا کانوا صالحین فلم یکن لهم ذلک الانجذاب و الارتیاح بالنسبة إلیه فما الذی یدفعهم إلى الإصرار و الصدق فی الدعاء له و الإلحاح فی ذلک.
و قد جاءت الإجابة فی التفسیر الأمثل عن السؤال القائل: کیف یمکن الجمع بین آیات الشفاعة أو الآیة 21 من سورة الطور فی قوله تعالى: "و َالَّذِینَ آَمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ مَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَیْءٍ کُلُّ امْرِئٍ بِمَا کَسَبَ رَهِینٌ"، مع الآیات التی تؤکد أن لیس للإنسان إلا سعیه و عمله. فکان الجواب على الوجه التالی: مع أن القرآن یقول: "وَ أَنْ لَیْسَ للإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى". و لکن هذا لا یکون مانعاً للّطف الإلهی و النعم التی یفیضها على من یمتلک الاستحقاق و الأهلیة لمثل هذا الفضل و اللطف.
فالاستحقاق أمر و الفضل أمر آخر، کما أن الله سبحانه یضاعف الحسنات إلى عشرة أضعاف أو مئات الأضعاف و حتى آلاف کثواب لفاعل الحسنة.
و بغضّ النظر عما تقدم فإن الشفاعة لیست أمراً جزافاً لا حساب فیه و لا ضابطة له، و إنما یحتاج إلى نوع سعی و جدّ، و إیجاد رابطة و علاقة معنویة بالشفیع[17]، و کذلک بالنسبة لإلحاق ذریة أهل الجنة بآبائهم یقول القرآن: "وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمَانٍ"، فالإلحاق یتم عند ما یسیر الأبناء على خطى الآباء فی طریق الإیمان.[18]
یقول العلامة الطباطبائی (ره) فی کتابه المیزان فی بحث الشفاعة: إذا أراد شخص أن ینال ثواباً ما و لکن لم تتهیئ أسبابه، أو التخلص من عقاب مخالفة التکلیف، فإنه یتوسل بالشفاعة، و هذا هو موردها، و لکن لا بشکل مطلق، لأن بعض الأفراد لیس لهم استعداد أو لیاقة للوصول إلى الکمال الذی یطلبونه، کما لو أراد شخص عامی التوسل بالشفاعة لیکون أعلم العلماء مع کونه أمیاً، و لا یملک أی استعداد و لیاقة، أو کمثل العبد الذی یرفض أن یطیع مولاه، و مع عصیانه و تمرده یطلب من مولاه العفو عنه بواسطة الشفاعة، و لکن مع هذین الفرضین لا فائدة من الشفاعة، لأن الشفاعة وسیلة لتتمیم السبب، و لیست هی سبباً بذاتها لتجعل من الأول أعلم العلماء و الثانی مورد عفو مع إصراره على الطغیان و العصیان.[19]
[1]. مکارم، ناصر، التفسیر الأمثل، ج 6، ص 415.
[2]. الأحزاب، 30.
.[3] الکلینی، الکافی، ج 2، ص 428.
[4]. مکارم، ناصر، التفسیر الأمثل، ج14، ص406.
.[5] انظر الکافی، ج 2، ص 433.
[6]. «الکبائر التی أوجب الله عز و جل علیها النار» الکلینی، الکافی، ج 2، ص 276.
.[7] «إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ وَ نُدْخِلْکُمْ مُدْخَلاً کَرِیمًا» النساء، 31.
.[8] الحالات التی تتبدل بها الذنوب الصغیرة إلى ذنوب کبیرة:
1. عند ما یتکرر الذنب الصغیر، یقول الإمام الصادق(ع): «لا صغیرة مع الإصرار». الکلینی،الکافی، ج 2، ص 88.
2. عند ما یحتقر المذنب ذنبه و یستصغره فإنه یتبدل إلى کبیرة، یقول الإمام علی(ع): «أشد الذنوب ما استهان به صاحبه» حر عاملی، وسائل الشیعة، ج 15، ص 312، باب 43.
3. عند ما یرتکب الإنسان الذنب مع الطغیان و التکبر، یقول القرآن فی ذلک: «فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَ آثَرَ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا * فَإِنَّ الْجَحِیمَ هِیَ الْمَأْوَى» النازعات، 37.
4. عند ما یکون الذنب الصغیر صادراً من شخص عظیم أو صاحب موقع رفیع و منزلة اجتماعیة عالیة، یقول القرآن الکریم مخاطباً نساء النبی: «یَا نِسَاءَ النَّبِیِّ مَنْ یَأْتِ مِنْکُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ یُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَیْنِ» الأحزاب، 30.
5. عند ما یکون صاحب الصغیرة مسروراً بها، یقول الرسول الأکرم(ص): «من أذنب ذنباً و هو ضاحک دخل النار و هو باک» حر عاملی، وسائل الشیعة، ج 15، ص 305، الباب، 40.
6. عند ما یعتقد المذنب أن عدم تعجیل العقوبة على الذنب دلیل على رضا الله عنه، یحکی القرآن أقوال بعض المذنبین المغرورین: «وَ یَقُولُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ لَوْ لاَ یُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ یَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِیرُ» المجادلة، 8، التفسیر الأمثل، ج 3، ص 359 فما بعدها.
[9]. و هذا المطلب لا یتنافى مع شمول الشفاعة لمرتکبی الکبیرة، یقول العلامة الطباطبائی فی معرض الإجابة عن التساؤل القائل، بماذا تتعلق الشفاعة؟ قد عرفت أن الشفاعة منها تکوینیة تتعلق بکل سبب تکوینی فی عالم الأسباب، و منها شفاعة تشریعیة متعلقة بالثواب و العقاب فمنها ما یتعلق بعقاب کل ذنب، الشرک فما دونه کشفاعة التوبة و الإیمان قبل یوم القیامة و منها ما یتعلق بتعبات بعض الذنوب کبعض الأعمال الصالحة، و أما الشفاعة المتنازع فیها و هی شفاعة الأنبیاء، و غیرهم یوم القیامة لرفع العقاب ممن استحقه بالحساب، فقد عرفت فی الأمر الثالث أن متعلقها أهل المعاصی الکبیرة ممن یدین دین الحق، و قد ارتضى الله دینه.
[10]. جاء فی القرآن: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ یَتُوبُونَ مِنْ قَرِیبٍ فَأُولَئِکَ یَتُوبُ اللَّهُ عَلَیْهِمْ» النساء، 17.
[11]. بالاستفادة من الآیات و الروایات یشیر المفسرون إلى أسباب غفران الذنوب على النحو التالی:
1. التوبة و الرجوع إلى الله مع الندم على ارتکاب الذنوب السابقة و التصمیم على ترکها فی المستقبل، یقول القرآن فی هذا المجال: «وَ هُوَ الَّذِی یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَ یَعْفُو عَنِ السَّیِّئَاتِ وَ یَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ». الشورى، 25.
2. القیام بأعمال صالحة على درجة من الأهمیة تکون سبباً للمغفرة و محو السیئات «إِنَّ الْحَسَنَاتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئَاتِ» هود، 114.
3. الشفاعة، و حقیقة الشفاعة دعاء النبی(ص) أو أحد الأئمة الطاهرین(ع) لشخص بالعفو و غفران الذنوب. سبحانی، جعفر، بحوث قرآنیة، ص 117 - 118.
مع أن الشفاعة أصل مسلم فی الإسلام ورد ذکرها و التأکید علیها فی الآیات القرآنیة و الأحادیث النبویة و إنها توجب غفران ذنوب العاصین من العباد، و لکن للشفاعة شروط و ضوابط، ولیست شاملة لأی أحد و إنما تشمل أولئک الذین لم یقصروا فی واجباتهم الدینیة و الصلاة على وجه الخصوص، و کذلک لا تشمل الشفاعة جمیع المذنبین. (جاءت شروط الشفاعة و ضوابطها فی محلها).
4. اجتناب الذنوب الکبیرة باعث لغفران الذنوب الصغیرة، النساء، 31.
5. لا یشمل العفو الإلهی إلا من یکون أهلاً لذلک، فالعفو الإلهی مشروط بالمشیئة الإلهیة و له شروطه و ضوابطه، و إنه یختص بمن یثبت أهلیته و استحقاقه بشکل عملی.
و من هنا یصبح معلوماً السر فی قوله تعالى: «إِنَّ اللهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ» ذلک لأن (المشرک) یقطع ارتباطه مع الله بشکل کلی، و إنه قام بعمل یخالف جمیع ما جاءت به الأدیان و کذلک قوانین الخلق و نوامیسه.
و لعل التوبة هی أقوى الأسباب التی قدمنا ذکرها، و قد دعا الله سبحانه عباده إلى التوبة فی آیات کثیرة، التحریم، 8؛ هود، 60؛ النور،31، کما قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ التَّوَّابِینَ» البقرة، 222. «إِلاَّ مَنْ تَابَ وَ آَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِکَ یُبَدِّلُ اللَّهُ سَیِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَ کَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِیماً» الفرقان، 70.
و لکن هذه التوبة یجب أن تکون وفق شروطها الخاصة و فی وقتها المناسب حتى تکون مؤثرة، و من جملة شروطها:
1. أن یکون صاحب الذنب نادماً حقیقة الندم.
2. التعویض و جبران ما کان منه من عمل قبیح (إذا کان قد ضیع حقوق الناس فعلیه تعویض و تلافی ما ضیع و استحصال رضا أصحاب الحقوق).
3. التصمیم على عدم العود لمثل ما کان یفعل من الذنوب.
4- أن تکون التوبة خلال الفرصة الکافیة و لا تقبل التوبة فی حالة الیأس و الإشراف على الموت.
.[13] «إِنَّ الْحَسَنَاتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئَاتِ» هود، 14.
.[14] انظر وسائل الشیعة، ج 2، ص 445، الحدیث 2603 و 2606 – ج3 ، ص200، ج 6، ص 219، ج 11، ص 204.
[15] انظر میزان الحکمة، حرف التاء، موضوع التوبة.
.[16] من الطبیعی أن یکون لذنب (الشرک) حساب خاص، و قد ورد فی القرآن الکریم بخصوص ذلک: إن المسلم لا یحق له أن یستغفر للمشرکین حتى و إن کانوا من أقاربه و قومه، و نهى أن یتخذ استغفار إبراهیم(ع) لآزر حجة، و قال فی ذلک: «وَ مَا کَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِیمَ لأبِیهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِیَّاهُ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ» التوبة، 114.
.[17] للاطلاع و التوسع فی معنى الشفاعة و شروطها و ... یراجع: التفسیر الأمثل، ج13 ، ص 304، ج 9، ص 90، ج 1، ص 228، ج 1، ص 229، ج 1، ص 235؛ ترجمة المیزان، ج 1، ص 238 - 265.
[18] التفسیر الأمثل، ج 22، ص 555 - 556.
.[19] ترجمة المیزان، ج 1، ص 240.