للفظ الزكاة في اللغة معنيان: الأول النماء والزیادة، والآخر الطهارة. ویطلق ایضا علی النصيب الذي یخرجه المؤمن من ماله ويعطيه للفقراء، لما فیه من رجاء ازدیاد المال والبرکة فیه وکذلک تزکیة النفس وطهارتها.
انّ للفظ الزكاة المستخدم في بعض آيات القرآن الکریم معان عدیدة، في حين أن لیس للخمس أكثر من معنی. انّ الآيات الواردة في القرآن الكريم عن الزکاة لم تتعلق جمیعها بالزكاة الواجبة بالمصطلح الفقهي، بل وردت الزكاة بمعاني وعناوين مختلفة. مثل الزكاة الواجبة، الزكاة بمعنى الانفاق والصدقة المستحبة، والزكاة بمعنی الطهارة. ومع ذلك، فإن معظم الآيات المتعلقة بالزكاة تتعلق بزكاة المال - سواء كانت واجبة أم مستحبة. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الزكاة كانت تستخدم في صدر الاسلام بمعناها اللغوی وهو الانفاق وليس الزكاة الواجبة.
لكن يجب أن نعلم أن لكل من هذين المصدرين الاقتصاديين والدينيين للمجتمع الإسلامي مكانتهما الخاصة وبناءً على بعض المصالح والمزايا تم درجههما فی بعض الحالات فی اطار الواجبات واخری فی اطار المستحبات.
إنّ أصل كلمة "الزكاة" هو النّمو الحاصل عن بركة اللّه تعالى، ويعتبر ذلك بالأمور الدنيويّة والأخرويّة.[1] ولفظ الزكاة يطلق علی حق الله الذي يخرجه الانسان من ماله ويعطيه للفقراء. وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة، أو تزكية النّفس، أي: تنميتها بالخيرات والبركات، أو لهما جميعا، فإنّ الخيرين موجودان فيها.[2] لذلك فإن "الزكاة" في اللغة لها معنيان: أحدهما النماء، والآخر الطهارة.[3]
فعلی اساس المعنی اللغوي والعام للزکاة فان لكل شيء زكاة. في هذا الصدد يقول الإمام علي(ع): «زکاة البدن الجهاد والصیام، وزکاة الجاه بذله، وزکاة الجمال العفاف، وزکاة السلطان اغاثة الملهوف، وزکاة الشجاعة الجهاد فی سبیل الله، وزکاة الصحة السعي في طاعة الله، وزکاة الظفر الاحسان، وزکاة العلم بذله واجهاد النفس فی العمل به، .... وزکاة القدرة الانصاف...».[4]
الزكاة في القرآن
إنّ مجيء الزكاة مع الصلاة في القرآن الکریم يدل على أن العلاقة مع الله تعالى تتحقق بالصلاة، وأن العلاقة مع المخلوق تنشأ من دفع الزكاة. تعود مرافقة هاتین إلى أهميتها الخاصة؛ لأن الصلاة لها مكانة خاصة في آيات القرآن الكريم والاحادیث الدینیة، والزكاة مهمة جدًا في دين الإسلام من حيث الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فذكر الزكاة مع الصلاة هو علامة على شمولية الإسلام وشمولية الدين الإسلامي.
ومع ذلك، ینبغي الالتفات إلى أن آيات الزكاة في القرآن الكريم ليست كلها متعلقة بالزكاة الواجبة، الذي هو مصطلح فقهي. بل إنما وردت الزكاة بمعاني وعناوين مختلفة. مثل الزكاة الواجبة،[5] الزكاة بمعنى الانفاق والصدقة المستحبة،[6] والزكاة بمعنی الطهارة.[7] ومع ذلك، فإن معظم الآيات المتعلقة بالزكاة تتعلق بزكاة المال - سواء كانت واجبة أم مستحبة.[8]
وينبغي الالتفات أيضًا إلى أن "الزكاة" كانت تستخدم في صدر الإسلام بمعناها اللغوي أي الانفاق وليس الزكاة المفروضة. يقول العلامة الطباطبائي(ره) في ذیل هذه الآية الشريفة: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ»؛[9](حسب عدة روايات من مصادر شيعية وسنية نزلت هذه الآية الكريمة في شأن الإمام علي (ع))، انّ انصراف الذهن عند اطلاق کلمة الزکاة الی الزکاة الواجبة ليس بسبب انّ الصدقة حسب اللغة العربية ليست زكاة، بل انما ذلک بسبب استخدام المتشرعة والمسلمین هذه الكلمة في الزکاة الواجبة عبر القرون، والّا فان الزکاة في صدر الاسلام کانت بمعناها اللغوي وأن المعنی اللغوي للزکاة اعم من المعنی المصطلح لها أي الواجب الفقهی والانفاق والصدقة المستحبة.
في الواقع، إن كلمة الزکاة، خاصة إذا كانت بجانب الصلاة، فانها تعني الانفاق في سبيل الله، كما يظهر هذا من الآيات التي تتكلم حول الأنبياء السابقين، مثل الآية التي تتکلم عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب(ع): «وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ».[10] والآية التي تتکلم عن النبي إسماعيل(ع): «وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ وَ كانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا».[11] و أيضا الآية التي تتكلم عن عيسى(ع) في المهد: «وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا».[12] وغني عن القول، بان الزکاة في شريعة إبراهيم ويعقوب وإسماعيل وعيسى(ع)، لم يكن لها ذلک المعنی الذي هو في الإسلام.[13]
كما انّنا نقرأ في القرآن: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى».[14] و «الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ».[15] و «وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ».[16]وغيرها من الآيات التي نزلت في سورة مكة ولا سيما السور التي نزلت في أوائل البعثة مثل سورة "حم السجدة" ونحوها، فانّ هذه السور فی الاساس نزلت فی وقت لم تتم فیه وجوب الزکاة المصطلحة والمعروفة، و لعل المسلمين آنذاک کانوا یفهمون شيئًا من كلمة الزكاة. ولكن هذه الآية التي تتعلق بالزكاة: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ»،[17] تدل على أن الزكاة المصطلحة من جملة مصادیق الصدقة، ولذلک سميت زكاة لانّها صدقة، والصدقة مطهرة، فالزكاة من التزکیة أيضا، تعني الطهارة.[18]
رغم التأكيد على دفع الزكاة في القرآن الكريم كالتزام وواجب مالي، إلّا أنه لم یتم فیه تعیین حالاته الواجبة، بخلاف الروایات فانّها قد ذکرت الحالات الواجبة للزکاة.
مقارنة الزكاة بالخمس
انّ دفع الزكاة والخمس وسائر الصدقات الواجبة والمستحبة من الواجبات الاقتصادية على المسلمين. بالإضافة إلى الآثار البناءة الأخلاقية، فإنّ أداء هذه الواجبات المالية يلعب دورًا مهمًا في توزيع الثروة وتعديلها بين أفراد المجتمع وإرساء العدالة الاجتماعية. لكن الخُمس والزكاة يختلفان من حیث متعلقهما وکیفیة وجوبهما ومصارفهما.
انّ الخمس في الفقه الإسلامي هو عبارة عن خُمس أموال الشخص من دخله وزيادة مصاريفه الذي يجب دفعه بالشروط الخاصة المنصوص عليها في الفقه، وهو حق وضعه الله للنبي الاکرم(ص) والإمام المعصوم(ع) حتى يتمكن الفقراء من أهل البیت من توفير احتياجاتهم بذلک بدلاً من الزكاة. وينقسم الخمس إلى قسمين: نصفه نصیب الإمام(ع) ويجب علی الحاكم الإسلامي ان یصرفه في مصلحة الإسلام والمسلمين، والنصف الآخر نصيب السادات.[19] والخمس يتعلق باشیاء بشروط لخاصة.
والزكاة في الفقه الإسلامي هی حق واجب یتعلق بجزء من أموال بعض الاغنیاء وأثرياء المجتمع، ويتعين دفعها للإنفاق في المصالح العامة لمنفعة الفقراء.[20] وبإعطاء الزكاة، يطهر الأغنياء انفسهم من الصفات القبيحة كالحرص والبخل (إلى حدٍ ما) وتنمو اموالهم وتزداد بركاتها. كذلك من وجهة نظر الفقهاء أن الزكاة الواجبة من ضرورات وأركان الدين الإسلامي.[21]
آثار الزكاة
للزكاة آثار كثيرة؛ منها ما نقله الإمام علي(ع) عن النبي الاكرم(ص) انِه قال: «الزَّكاةُ قَنْطَرَةُ الْاسْلامِ فَمَنْ ادَّاها جازَ الْقَنْطَرَةَ وَ مَنْ مَنَعَهَا احْتَبَسَ دُوْنَها وَ هِىَ تُطْفِىءُ غَضَبَ الرَّبِّ».[22]
النتيجة
- انّ لعبارة الزكاة المستخدمة في آيات من القرآن الکریم معنی واسع، بينما لایحتمل الخمس أكثر من معنی واحد. ومع ذلك، فإن كل من هذين المصدرين الاقتصاديين والعباديين للمجتمع الإسلامي لهما مكانتهما الخاصة، وبناءا علی بعض المصالح یکون کل منهما واجب فی بعض الحالات ومستحب فی حالات اخری.
- وأما فیما یتعلق بکثرة آيات الزكاة - الواجبة والمستحبة – فی القرآن اکریم بالنسبة الی آیات الخُمس وسبب ذلک، يمكن القول بأن موارد مصارف الزكاة أكثر من الخمس، لذلك، تم التركيز بشكل أكبر على مسألة الزكاة ودفعها. لأن الزكاة حكم يشمل نطاق مصرفها جميع أفراد المجتمع الإسلامي (وفي بعض الحالات غير المسلمين) وحتى الانفاق والصدقات المستحبة الی السادات،[23] إلّا أن نطاق مصرف الخُمس أضيق ولا يشمل جميع أفراد المجتمع الإسلامي. وقد خصص جزء منه للفقراء والمحتاجين من بنی هاشم و ذلک في مقابل الزكاة الواجبة التي هی محرمة علیهم، کما انّه قد خصص جزء منه أیضا للإمام(ع) ویمکن للفقیة الجامع لشرائط الإفتاء في زمن غيبة الامام بصرفه ذلک الجزء في تلبية احتياجات المجتمع وأي مساعدة اقتصادية فيها رضی الإمام المهدي(ع).[24]
[1]. الراغب الاصفهانی، حسین بن محمد، المفردات فی غریب القرآن، تحقیق، داودی، صفوان عدنان، ص 380، دمشق، بیروت، دارالعلم، الدار الشامیة، الطبعة الاولی، 1412ق.
[2]. نفس المصدر، ص 381.
[3]. ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب، ج 14، ص 358، بیروت، دار الفکر للطباعة و النشر و التوزیع، الطبعة الثالثة، 1414ق.
[4]. المحدث النوری، حسین، مستدرک الوسائل و مستنبط المسائل، ج 7، ص 46، قم، مؤسسه آل البیت(ع)، الطبعة الاولی، 1408ق؛ راجع: اللیثی الواسطی، علی، عیون الحکم و المواعظ، المحقق و المصحح، الحسنی البیرجندی، حسین، ص 275، قم، دار الحدیث، الطبعة الاولی، 1376ش.
[5]. البقره، 177. «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكينَ وَ ابْنَ السَّبيلِ وَ السَّائِلينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصَّابِرينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون».
[6]. الروم، 39. «وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا في أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُريدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ». المقصود من الزکاة فی هذه الآیة مطلق الصدقة؛ الطباطبائی، السید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 16، ص 185، قم، مکتب النشر الاسلامی، الطبعة الخامسة، 1417ق.
[7]. الکهف، 81. «فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْما»؛ مریم، 13. «وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا وَ زَكاةً وَ كانَ تَقِيًّا».
[8]. راجع: «ما تتعلق به الزکاة الواجبة و المستحبة»، السؤال 9422.
[9]. المائده، 55.
[10]. الانبیاء، 73.
[11]. مريم، 55.
[12]. مريم، 31.
[13]. المیزان فی تفسیر القرآن، ج 6، ص 10.
[14]. الاعلى، 15.
[15]. فصلت، 7.
[16]. المؤمنون، 4.
[17]. التوبه، 103.
[18]. المیزان فی تفسیر القرآن، ج 6، ص 10 – 11.
[19]. راجع: «سهم الامام(ع)»، السؤال 8419؛ «دفع الخمس و اذن الفهاء المراجع»، السؤال 690.
[20]. راجع: المشکینی، میرزا علی، مصطلحات الفقه، ص 280 – 281، بدون مکان و سنة الطبع.
[21]. العلامه الحلّی، الحسن بن یوسف، تذکرة الفقهاء، ج 5، ص 7 – 8، قم، مؤسسه آل البیت(ع)، الطبعة الاولي، بدون تاريخ؛ المحدث البحرانی، یوسف بن احمد، الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطاهرة، المحقق و المصحح، الایروانی، محمد تقی، المقرم، سید عبد الرزاق، ج 12، ص 8، قم، مکتب النشر الاسلامی، الطبعة الاولی، 1405ق؛ الامام الخمینی، تحریر الوسیلة، ج 1، ص 311، قم، دار العلم، الطبعة الاولی، بدون تاریخ؛ الحسینی السيستانى، السيد على، منهاج الصالحين، ج 1، ص 351، قم، منشورات مکتب آية الله السيستانى، الطبعة الخامسة، 1417ق.
[22]. الشیخ طوسی، الامالی، ص 522، قم، دار الثقافة، الطبعة الاولی، 1414ق.
[23]. راجع: «مصارف الصدقه و حرمة التصدق علی الهاشمی»، السؤال 2981.
[24]. فی ما یتعلق باعطاء الامام علی(ع) الزکاة راجع: «اعطاء الامام علی ع الزکاة فی حال الصلاة»، السؤال 931.