معنى قاعدة اللطف فی إثبات الإمامة یتلخص بالآتی:
إن الإسلام دین إلهی وصل إلى الناس عن طریق النبی الأکرم (ص)، و لابد أن یعین شخص من قبل الله – بعد النبی (ص) – لیعرف الناس بالدین و یسعى فی تبلیغ رسالة السماء. فالإمام هو الخبیر الحقیقی فی معرفة الدین و هو القادر على تعریف الناس به و عرضه بأکمل صورة. فاللطف الإلهی إذن یقتضی أن یکون الإمام دائم الوجود من أجل هدایة الناس و إرشادهم إلى طریق الحق و الخیر. و إن بعض علماء الأصول یرى أن وجود الإمام – عند ما یجمع العلماء – لطف و واجب. بدلیل أن خطأ جمیع الفقهاء فی مسألة ما یخالف اللطف الإلهی. و یعتقدون کذلک أن حجة الله لا بد و أن یتدخل لیمنع من إجماع الفقهاء على مسألة خاطئة، فلم یسمح للجمیع أن یجانفوا الحق و الواقع، و لو لم یکن الإمام داخلاً فی إجماع الفقهاء لما وجد معنى لحجیة الإجماع. و أما بالنسبة للسید المرتضى، فلیس له رأی هکذا، و إنما اختص الشیخ الطوسی بهذا الرأی، حیث أثبت حجیة الإجماع من خلال قاعدة اللطف.
قاعدة اللطف قاعدة کلامیة لإثبات الإمامة. بمعنى أن اللطف الإلهی یقتضی أن لا یغلق باب الهدایة. و ذلک لأن الدین أشبه بالجهاز الفنی ذا الأجزاء المترابطة الذی یتطلب فهمه و إدراکه و العمل بتعالیمه و قوانینه إلى خبیر دائم الوجود. و الإسلام دین إلهی أبلغ إلى الناس بواسطة النبی الأکرم (ص) و لا بد من تعیین شخص من قبل الله ینوب عن الرسول (ص) بعد رحلته حتى یتحمل مسؤولیة حمل هذه الرسالة و إیصالها إلى الناس بأکمل صورها و أتم معانیها. و إن الإمام المعصوم هو الخبیر الحقیقی و العالم المستوعب لکل تعالیم و قوانین الدین الإسلامی، و لذلک فهو القادر على إیصاله إلى الناس و تبلیغه إلیهم، فاللطف الإلهی یقتضی إذن أن تکون هدایته للناس جاریة و مستمرة على طول الزمن. فکما أنه فتح باب هدایته للناس من خلال إرسال الرسول (ص) و إنزال القرآن فإنه یدیم هذه الهدایة من خلال تعیین الإمام و جعله هادیاً للناس خلفاً للنبی (ص) لإتمام الهدایة و إکمال الدین.[1]
و إن بعض علماء الأصول یرى أن وجود الإمام بین الفقهاء – فی مسائل الإجماع – لطف و واجب، بدلیل أن إجماع الفقهاء على مسألة خاطئة خلاف للطف الإلهی. فإنهم یعتقدون أن حجة الله و هو الإمام لا بد و أن یمنع من وقوع الفقهاء فی الإجماع على الخطأ، لأنه موجود من أجل هدایة الناس و إرشادهم إلى الخیر و الصلاح. فلا یدع الجمیع یجانفون الحق. و لو لم یکن کذلک أی أن إجماع العلماء لم یکن مورد تأیید الإمام (ع) فلا یبقى معنىً لحجیة الإجماع.
و لکن هل أن للسید المرتضى مثل هذا الرأی؟
یقول الشیخ الطوسی فی کتابة العدة: «متى اتفق ذلک و کان على القول الذی انفرد به الإمام علیه السلام دلیل من کتاب أو سنة مقطوع بها لم یجب علیه الظهور و لا الدلالة على ذلک ، لأن ما هو موجود من دلیل الکتاب و السنة کاف فی باب إزاحة التکلیف، و متى لم یکن على القول الذی انفرد به دلیل على ما قلناه وجب علیه الظهور أو إظهار من یبین الحق فی تلک المسألة على ما قد مضى القول فیه.
ثم قال الشیخ الطوسی: وذکر المرتضى علی بن الحسین الموسوی قدس الله روحه أخیراً : «إنه یجوز أن یکون الحق فیما عند الإمام، و الأقوال الأخر تکون کلها باطلة، و لا یجب علیه الظهور، لأنه إذا کنا نحن السبب فی استتاره، فکلما یفوتنا من الانتفاع به و بتصرفه و بما معه من الأحکام نکون قد أتینا من قبل نفوسنا فیه، و لو أزلنا سبب الاستتار لظهر و انتفعنا به، و أدى إلینا الحق الذی عنده». یقول الشیخ الطوسی: و هذا عندی غیر صحیح».[2]
و یقول الشیخ الطوسی فی موضع آخر: «إن سیدنا المرتضى کثیراً ما کان یقول: لا مانع من عدم وصول الکثیر من الأمور و المسائل إلینا و یبقى علمها عند الإمام، و حتى یحتمل أن ناقلیها کتموها و لم یظهروها».[3]
و فی موضع آخر یرد الشیخ على السید إنکاره لوجوب اللطف فیقول: لو لم نقل بقاعدة اللطف، فمن أین لنا أن نفهم أن الإمام یوافق أصحاب الإجماع.[4]
فالسید المرتضى لا یقول بأن الإمام لا بد و أن یصحح اجتهادات الفقهاء و یتدخل فی ذلک، و إنما الذی تبنى قاعدة اللطف و أفاد منها هو الشیخ الطوسی، حیث جعل حجیة إجماع العلماء قائمة على اساس قاعدة اللطف. و حیث إنه جعل الإجماع حجةً بدلیل قاعدة اللطف، فلازم ذلک أن الإمام یقطع الطریق أمام ضلال العلماء و انحرافهم.
و هذه النظریة مورد للاختلاف، حیث ردها عدد کثیر من العلما مع أن إمکانیة صحة مثل هذه النظریة موجود، و لیست من الممنوعات العقلیة، و لکن إثباتها و حتمیتها من خلال قاعدة اللطف أمر مشکل جدا.