ان السؤال مبنی على فرضیتین خاطئتین هما: أن الشیعة تذهب الى عدم عدالة جمیع الصحابة مطلقا، و انها تقف منهم موقف الخصم؛ و الثانیة أن الشیعة تقول بعدالة جمیع الفطحیة و الواقفیة و تعتمد روایتهم مطلقا.
و لکن الامعان فی موقف الشیعة یرى أنهم قد میزوا بین مجموعة من الطوائف، فعلى سبیل المثال لو رجعنا الى القرآن الکریم نراه یشیر الى أن الذین عاشوا مع النبی الاکرم(ص) لم یکونوا على مستوى واحد، فهناک طائفة من الصحابة کانوا فی قمة الهرم الایمانی و قد ترسخت العقیدة فی قلوبهم الى أبعد الحدود و هم الذین بذلوا الغالی و النفیس من اجل اعلاء کلمة الاسلام، و هناک طائفة اخرى کانت اقل من ذلک درجة، الا ان هناک طائفة کانت تعیش حالة النفاق؛ اما بالنسبة الى الفطحیة و الواقفیة فلم تقل الشیعة بعدالتهم کما جاء فی مفروض السؤال و انما الذی تذهب الیه الشیعة هو انه لو فرضنا ان الشخص الفطحی أو الواقفی کان ثقة و امینا فی حدیثه، بمعنى انه لایکذب، ففی مثل هذه الحالة قال کثیر من علمائنا انه یصح الاخذ بحدیثهم و ترتیب الاثر علیه؛ و الامر نفسه یجری فی الصحابة فهم على ثلاثة اصناف: صنف منهم عدول و صنف موثقین و صنف آخر ضعفاء؛ فالشیعة تأخذ من الصنفین الاول و الثانی دون الثالث کما أن فقهاء الشیعة لا یقبلون الحدیث من الشیعی بما انه شیعی بل یأخذون منه مع استجماع شرایطه و منها أن یکون عادلا او على اقل تقدیر قد ورد فیه مدح، و فی حالة عدم إحراز هذه الشرایط لا یقبلونه.
فعلى هذا لاتناقض فی القضیة ابداً.
ان السؤال مبنی على فرضیتین خاطئتین هما: أن الشیعة تذهب الى عدم عدالة جمیع الصحابة مطلقا و انها تقف منهم موقف الخصم؛ و الثانیة أن الشیعة تقول بعدالة جمیع الفطحیة و الواقفیة و تعتمد روایتهم مطلقا.
الا انا و تبعا للقرآن الکریم قد وجدنا من عاشوا مع رسول الله (ص) یمکن تصنیفهم الى ثلاثة طوائف:
1- الطائفة الاولى: الصحابة الذین کانوا فی قمة الهرم الایمانی و الذین ترسخت العقیدة فی قلوبهم الى أبعد الحدود، و قد وصفهم القرآن الکریم بالقول" مِنَ الْمُؤْمِنینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدیلا"[1]
2- الطائفة الثانیة من الصحابة ممن لم یترسخ الایمان فی قلوبهم بالمستوى السابق، و قد فشلوا فی بعض الاختبارات کالانهزام من میادین القتال و ترک النبی (ص) لوحده، وقد اشار القرآن الکریم الى هذا الصنف من الناس بالقول" یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا ما لَکُمْ إِذا قیلَ لَکُمُ انْفِرُوا فی سَبیلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضیتُمْ بِالْحَیاةِ الدُّنْیا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا فِی الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلیل"[2]
3- طائفة المنافقین، و لقد اشارت سورة المنافقین و غیرها من الآیات القرانیة الى هذه الطائفة بما فیه الکفایة، قال تعالى " وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْیَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنینَ *یُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذینَ آمَنُوا وَ ما یَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما یَشْعُرُون"[3]
کذلک ورد فی الاحادیث التی نقلتها المصادر الشیعیة و السنیة، الاشارة الى ارتداد البعض بعد رحیل الرسول(ص)، فقد روى مسلم فی صحیحه عن أبی حازم قال: سمعت سهلا یقول: سمعت النبی (ص) یقول: أنا فرطکم على الحوض من ورد شرب ومن شرب لم یظمأ أبدا و لیردن علی أقوام أعرفهم و یعرفونی ثم یحال بینی و بینهم.
قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبی عیاش و أنا أحدثهم هذا الحدیث فقال: هکذا سمعت سهلا یقول؟ قال: فقلت نعم. قال: و أنا أشهد على أبی سعید الخدری لسمعته یزید فیقول: إنهم منی. فیقال: إنک لا تدری ما عملوا بعدک! فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدی.[4]
من هنا اتضح ان الشیعة تنظر الى الصحابة نظرة متوازنة و تعطی لکل منهم حقه الذی یلیق به انطلاقا من مواقفه و ایمانه و ثباته على الخط، و لیس صحیحا اتهام الشیعة انها تصف الصحابة کلهم بعدم العدالة و الابتعاد عن خط الرسالة. کذلک لیس من الصحیح قطعا ان الشیعة تقول بعدالة الفطحیة و الواقفیة، بل ان الشیعة تدین و ترفض بالکامل موقفهم من الامامة و تعتبره انحرافا عن الخط الرسالی.
فالفطحیة الذین هم قالوا بامامة عبد الله بن الامام الصادق(ع) و قالوا انه یتوسط بین الامامین الصادق و الکاظم( علیهما السلام).
اما الواقفیة فهم الذین وقفوا على امامة الامام الکاظم (ع) و ظنوا انه الامام المنتظر.[5]
غایة الامر انه وقع البحث فی انه اذا انحرف الرجل عن التشیع - سواء لم یکن اثنی عشریا من الاساس او کان و لکنه انحرف عن المسار- فهل یصح الاعتماد على روایاته أم لا؟
اجاب بعض علمائنا بانه اذا کان الرجل کذابا او وضاعا او مدلسا او ...فلایؤخذ بحدیثه و لایعتمد على قوله حتى لو کان امامیا.
لکن لو کان ثقة امینا فی نقله نأخذ بکلامه سواء کان من الصحابة او من اخواننا اهل السنة او کان فطحیا او واقفیا، و یطلقون على مثل هذا الراوی عنوان الثقة و على حدیث عنوان الموثق؛
و من هؤلاء العلماء الذین ذهبو ا الى هذا الرأی، الشیخ الطوسی(قدس) حیث ذهب الى ان وثاقة الراوی کافیة فی الاخذ بحدیثه شریطة ان لایتعارض حدیثه مع الاحادیث الشیعیة، و لذلک أخذ الشیخ الطوسی و غیره من العلماء بروایات الرواة من اهل السنة کحفص بن غیاث و السکونی التی رووها عن الائمة علیهم السلام؛ و هکذا تجری الضابطة بالنسبة الى الفطحیة و الواقفیة کعبد الله بن بکیر الفطحی و سماعة بن مهران الواقفی.[6]
فظهر أن فقهاء الشیعة لا یقبلون الحدیث من الشیعی لانه شیعی بل یأخذون منه مع استجماع شرایطه کلها و منها أن یکون عادلا او على اقل تقدیر ورد فیه مدح، و فی حالة عدم إحراز هذه الشرایط لا یقبلون حدیثه.
اتضح من خلال کل ما ذکرناه ان السؤال مبنی على فرضیات خاطئة اولا، وثانیا انه لایوجد ای تناقض فی عمل الشیعة فی هذا المجال.