الشفاعة فی اللغة تعنی ضم شیئین أحدهما إلى الآخر، و أما فی المحاورات العرفیة فمعناها أن شخصاً وجیهاً یطلب العفو عن ذنب أو زیادة فی ثواب صاحب خدمة ما. و لعل النکتة فی استعمال لفظ الشفاعة فی هذه الموارد هو أن الشخص المذنب لوحده لا یستحق العفو، او إن القائم بالاعمال الصالحة لوحده لا یستحق زیادة فی ثواب، و لکن عندما یضم إلى کل منهما طلب (الشفیع) یرفع من مستوى طلبهما إلى درجة الاستحقاق.
و معنى الشفاعة فی الثقافیة الإسلامیة التوسط عند الله سبحانه من أجل إیصال خیر أو دفع شر عن شخص آخر. و لکن لابد من الالتفات إلى أن الله سبحانه هو الذی فتح هذا الباب بوجه من یتمتعون بأدنى اللیاقات بالنسبة لاستقبال الرحمة الإلهیة، و قد وضع لذلک شروطاً و ضوابط. و فی واقع الأمر فإن الشفاعة عبارة عن وسیلة إنقاذ للذین لا ترتقی أعمالهم إلى مستوى إنقاذهم، فمثلاً لو أن شخصاً قعدت به أعماله و لم تسعفه بالوصول إلى شاطئ النجاة فکان مستحقاً للعقاب، فمثل هذا الشخص تهیئ له أجواء و موجبات للخروج من هذا الوضع اللامطلوب فیستنقذ من العقاب بواسطة تعلقه بالشفیع حتى یکون مستحقاً لعفو الله و رحمته.
فالشفاعة إذاً لیست أمراً دون قید أو شرط، و إنما تکون مع عدة شروط منها نوع الذنب و الجرم المقترف، حیثیات الشفیع و المشفوع له و غیر ذلک مما یجب توفره لتحقیق الشفاعة.
إن أصل الاعتقاد بالشفاعة له تأثیر کبیر على تربیة نفوس المجرمین و حثهم على الترقی فی طلب مراتب الکمال.
الشفاعة مشتقة من مادة "شفع" بمعنى ضم الشیء إلى مثله، و یقابلها "الوتر" بمعنى المنفرد الوحید، ثم أطلقت على ضم الشخص القوی إلى الشخص الضعیف.
و الشفاعة فی العرف تعنی أن الشفیع یستفید من موقعه المتقدم و جاهه لتبدیل رأی صاحب القدرة و القرار بالنسبة إلى من تحت یدیه من الأشخاص، و هذا العمل تارة یکون بالاستفادة من القدرة و النفوذ و تارة عن طریق الاستعطاف أو تغییر فکرة و نظر صاحب القرار بالنسبة إلى المذنب و ما یستحق من الجزاء، و فی جمیع هذه الموارد لیس للشفاعة أی تأثیر على تغییر نفسیة المجرم أو فکره و سلوکه، و کل التأثیر منحصر على الشخص المشفوع لدیه.
و هذا اللون من الشفاعة غیر وارد و لا معنى له فی الثقافة الإسلامیة و ذلک لأن الله تعالى لا یمکن أن یتسلل إلى ساحته الاشتباه حتى یتم تبدیل فکره و نظره إلى الصواب، و لا یمکن أن تکون له عواطف کتلک التی یتصف بها الإنسان حتى یمکن أن تستثار، و لا یلاحظ سبحانه نفوذ أحد و قدرته و لا یساوره الخوف من أحد، إضافة إلى عدم صدور جزاء غیر عادل عن ساحته تعالى حتى یقال بإصلاحه و تعدیله.
أما بالنسبة إلى الشفاعة الواردة فی الثقافة الإسلامیة و الآیات القرآنیة فإنها ناظرة إلى مغزىً بعید و هو إحداث الأثر فی مسألة تبدیل نفسیة و فکر الشخص المشفوع له. و معنى ذلک أن الشخص الذی یکون فی وضعیة غیر مطلوبة و قد خرج مستحقاً للعقاب و لکنه و بواسطة الشفیع یتحول إلى وضع مناسب یستحق معه العفو. و الإیمان بمثل هذا المبدأ یعتبر مدرسة تربویةً لها الأثر البالغ فی نفوس المذنبین و المجرمین، کما أنها وسیلة من وسائل الإصلاح. و ذلک لأن من یرتکب الجرائم الکبیرة إذا کان محاصراً بعذاب الوجدان و وخز الضمیر من جهة و محاطاً بالیأس و القنوط من جهة أخرى، فإنه لا یجد أی مبرر للإقلاع عما کان یرتکب من الکبائر و الذنوب، و تنعدم لدیه فرص العودة و الهدایة، فلا یکون على استعداد لإعادة النظر فی سلوکه و اتجاهه لأنه لا یتصور أی فائدة أو أثر للإقلاع، بل قد یکون الحاصل هو العکس حیث یمعن فی طغیانه و یتمادى فی غیه نتیجة لما یصاب به من الیأس و الإحباط، و قد یلقی بجریرة ذنوبه على کاهل المجتمع فیقول أن ظروف البیئة الاجتماعیة المحیطة هی التی ألجأته إلى القیام بمثل هذه الأعمال فیحاول الانتقام من المجتمع بارتکاب جرائم أخرى... و أما الإیمان بالشفاعة فإنه یمثل نافذة یطل من خلالها أصحاب السوابق على الأمل و الرجاء الذی یحملهم على إعادة النظر و الإقلاع. بل و حتى تعویض و جبران الماضی، و هذا اللون من التربیة للخاطئین مما یساعد على توفیر الأمن و الاستقرار فی المجتمع.
و من جهة أخرى فإن الشفاعة لیست أمراً مطلقاً و دون شروط و ضوابط و لذلک على الراغبین فی الاستفادة من هذا الأصل أن یوفروا شروطه و من عدة لحاظات، فهناک شروط تتعلق بنوع الجریمة و حجم الذنب و هناک شروط أخرى تتعلق بالمشفوع له و کذلک شروط تتعلق بالشفیع نفسه.
فعلى المشفوع له أن یتحاشا ارتکاب الذنوب التی لا یمکن أن تشملها الشفاعة کالظلم و الشرک و ... أو أنه ینظم سلوکه على کیفیة تجعله مورد عنایة الشفعاء و ...
و کل هذا دلیل على أن الشفاعة التی حضیت باهتمام الآیات القرآنیة هی وسیلة عظیمة من وسائل التربیة و التزکیة بالنسبة لأفراد المجتمع.[1]
ببیان آخر فإن الشفاعة الواردة فی المحاورات العرفیة تعنی أن شخصاً صاحب جاه و موقع یطلب من شخص کبیر صاحب سلطة و قرار أن یعفو عن ذنب و لا یرتب علیه العقوبة أو زیادة ثواب من یأتی بخدمة ما. و نهایة القول أن الشخص الذی یقبل شفاعة الشفیع لدیه بعض المعطیات التی یعتمد علیها فی قبول الشفاعة، و لکن هذه المعطیات و الاعتبارات لیست واردة بالنسبة إلى ساحة الذات المقدسة.
إن الإذن الإلهی بقبول شفاعة الشافعین لا یرجع إلى الخوف أو الحاجة أو أی اعتبار من هذا القبیل، و إنما هی باب فتحه سبحانه لأصحاب اللیاقات المتدنیة لنیل الرحمة الإلهیة الأبدیة و قد وضع لهذا الباب عدداً من الشروط و الضوابط.
و من الطبیعی أن مصطلح الشفاعة فی الثقافة الإسلامیة یستعمل فی بعض الأحیان بمعناه الواسع لیشمل ظهور أی تأثیر للخیر فی الإنسان بواسطة الآخرین، و لذلک یمکن إطلاق الشفاعة على کثیر من العلاقات و التأثیرات مثل ما ینال الأبناء من الآباء و الأمهات و بالعکس، و کذلک ما یحصل علیه الطلبة و المتعلمون من المرشدین و المعلمین، و حتى المؤذن الذی ینبه على دخول وقت الصلاة، کل ذلک یمکن أن یندرج تحت مفهوم الشفاعة، و معنى ذلک أن ما یقدمه هؤلاء من خیر فی هذه الحیاة الدنیا هو بمثابة الشفیع یوم القیامة لما له من أثر فی إنقاذ (المشفوع له).
و کذلک الاستغفار للمذنبین فی هذه الدنیا نوع شفاعة، و حتى الدعاء للآخرین و طلب قضاء الحوائج من الله من قبیل (الشفاعة عند الله) و ذلک لأن جمیع هذه الأعمال بمثابة الوساطة عند الله تعالى لإیصال الخیر إلى الشخص الآخر أو دفع الشر عنه.[2]،[3]