بالنسبة لکلمة (إلى) فی آیة الوضوء لابد من القول أنها لبیان حد الغسل و مقداره فقط، و لیس لها أی علاقة بکیفیة الغسل، أی أن الآیة الکریمة تحدد ما یجب غسله فی الوضوء من الید و هو إلى المرفق، و (إلى) بمعنى الغایة و لکنها غایة المغسول لا الغسل، و عندما قال اغسلوا أیدیکم قد یتوهم أن غسل الید إلى المعصم کاف فجاء قوله إلى المرافق رفعاً للتوهم. و لذلک یرى فقهاء الشیعة وجوب غسل الید فی الوضوء من الأعلى إلى الأسفل، و یرون سنة الرسول (ص) التی نقلها أهل البیت (ع) أفضل شاهد على ما یذهبون إلیه فی هذا المعنى.
و أما أهل السنة فعلى الرغم من تفسیرهم لکلمة (إلى) بمعنى (الاتجاه) و رتبوا على ذلک أفضلیة غسل الید من الأسفل إلى الأعلى، و لکنهم یقولون أن المکلف مختار فی کیفیة غسل الید من الأسفل إلى الأعلى أو العکس. فهم لا یستفیدون من کلمة (إلى) وجوب الغسل من أطراف الأصابع إلى المرفق.
قبل الدخول فی الإجابة عن السؤال لابد من مقدمة:
یرى فقهاء الشیعة وجوب غسل الید فی الوضوء من الأعلى إلى الأسفل، و لکن أهل السنة یرون بالاتفاق أن الشخص مخیر بین الغسل من الأسفل إلى الأعلى و بالعکس، و لکن الغسل من أطراف الأصابع إلى الأعلى انتهاءً بالمرفق مستحب.[1]
دلیل فقهاء الشیعة الروایات البیانیة التی تقول: إن رسول الله کان یغسل یده من الأعلى إلى الأسفل.[2] و الروایة الصحیحة التی وردت عن الأئمة المعصومین (ع) فی بیان تفسیر الآیة المتعلقة بالوضوء[3] تقول: «یجب غسل الیدین من الأعلى إلى الأسفل».[4]
و أما ما یخص کلمة إلى فی هذه الآیة الشریفة فی قوله: «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ...»، فلابد من القول أنها بصدد تحدید مقدار ما یغسل من الید لا کیفیة الغسل.
و توضیح ذلک: إن الآیة المبارکة توضح حد و مقدار ما یغسل من الید فی الوضوء و تجعله إلى المرافق.[5] و ذلک عندما أمر بغسل الید قد یتوهم أن الغسل إلى المعصم کافٍ، و ذلک لأنه هو الغسل العرفی و من أجل أن یرفع هذا التوهم قال یجب الغسل إلى المرافق.
و لتوضیح المطلب یمکن الاستفادة من المثال التالی: لو قیل لخادم المسجد مثلاً: اغسل المسجد من الباب إلى المحراب، فهنا یکون مراد المتکلم بیان مقدار ما یجب أن یغسل من المسجد، و لیس من مراده بیان نقطة البدایة و النهایة بالنسبة إلى العمل، خصوصاً أنه لم ترد فی الآیة کلمة (من).
إذن فکلمة (إلى) فی الآیة لا تدل حتى على الاستحباب فیما یخص غسل الید من أطراف الأصابع و حتى المرفق.
و إن سنة رسول الله (ص) المنقولة بواسطة أهل البیت (ع) أفضل شاهد على هذا المعنى.[6]
إذن (إلى) إما أن تکون بمعنى (الغایة)[7] و لکن غایة المغسول[8] لا الغَسْل[9]، أو طبقاً لرأی الشیخ الطوسی أنها بمعنى (من)[10] أو (مع).[11]، [12]
[1] الفقه على المذاهب الخمسة، ص80؛ الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1، ص 65، مبحث بیان عدد السنن و غیرها...؛ صلاة المؤمن القحطانی، ج 1، ص 41 و 42.
[2] یراجع:وسائل الشیعة، ج 1، ص 387، أبواب الوضوء، باب 15، بَابُ کَیْفِیَّةِ الْوُضُوءِ وَ جُمْلَةٍ مِنْ أَحْکَامِهِ.
[3] المائدة، 6.
[4] وسائل الشیعة، ج 1، أبواب الوضوء، باب 19، ح 1.
[5] (مرافق) جمع (مرفق).
[6] للاطلاع الأکثر یراجع: عطائی الأصفهانی، على؛ لماذا؟ لماذا؟؛ ص 19- 27.
[7] من.
[8] یعنی یجب تحدید الغسل إلى المرافق.
[9] یعنی لیس الغسل إلى المرفق لیتوهم أن کیفیة الغسل یجب أن تکون باتجاه المرفق.
[10] من.
[11] مع.
[12] وسائل الشیعة، ج 1، ص 406.