الرزق و الثروة بنحو کلی هما لطف الهی عام و انه لایتنافى مع السعی لتحصیلهما؛ نعم ان الله تعالى اولى عباده المؤمنین عنایة خاصة، منها منحهم الثروة و المال الحلال. و لکن لابد من الالتفات الى انه لاتلازم بین الثروة و اللطف فلیس کل ثروة لطفا من الله تعالى، بل قد تکون الثروة علامة على العذاب؛ کما انه لاتلازم بین الایمان و بین الغنى المادی فلیس کل انسان صالح لابد ان یکون غنیا و یتمتع بالامکانات المادیة.
هناک سؤال یشابه هذا السؤال قد تمت الاجابة عنه فی موقعنا وهو: هل ان الذهاب الى الحج و السفر الى العتبات المقدسة تابعان لارادة الانسان أم هما لطف الهی و توفیق من الله تعالى؟ فمن المناسب مراجعة الاجابة عسى ان تکون نافعة فی هذا المجال.[1]
لکن هنا یمکن الاشارة الى بعض الامور بصورة مختصرة:
1- ان الله تعالى و وفقا لحکمته قد قرر التفاوت بین البشر فی الرزق و الثروة سواء کانوا مؤمنین أم کافرین، و بهذا یکون فی ذلک اختبار و امتحان لهم.
2- قسم الله تعالى رزقه بین عباده الشاکر منهم و الجاحد و اعتبر ذلک من اللطف العام بهم، و قد خاطب الله تعالى رسوله الکریم (ص) بالقول " کُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّکَ وَ ما کانَ عَطاءُ رَبِّکَ مَحْظُوراً"[2] و بعبارة اخرى: ان اصل الثروة بغض النظر عن مقدارها او کیفیة تحصیلها و صرفها تعد لطفا الهیا عاما ینتفع الکل منها.
3- ان تقدیر الثروة و الرزق و اللطف الالهی لایتنافی مع سعی الانسان و مثابرته فی تحصیلهما، بل قد ورد فی المصادر الدینیة الحث على السعی لتحصیل المال الحلال و الثروة و عدم الاکتفاء بالدعاء.[3]
4- ان ثروة بعض الافراد المؤمنین تزداد من خلال اللطف الالهی الخاص حتى انه فی بعض الاحیان یاتی الرزق للانسان المؤمن من غیر أن یحتسب، و لقد اشارت الآیتان الثانیة و الثالثة من سورة الطلاق الى ذلک و کذلک الروایات التی فسرتهما.
5- ان التفاوت بین المؤمنین فی مقدار الرزق و الثروة لایعنی أن الفقراء من المؤمنین محرومون من اللطف الالهی الخاص، بل انه - و بمقتضى الحکمة الالهیة- یشمل جمیع المؤمنین بلطفه تعالى و لکن بعضهم یتجلى له اللطف فی الثروة و فی المقامات الدنیویة الظاهریة کما حصل ذلک لکل من سلیمان (ع) و یوسف (ع)، و تارة یتجلى ذلک بالفقر و تحمل الصعاب الدنیویة کما حصل ذلک لایوب (ع)؛ فعلى المؤمن ان یسلم لله تعالى فی الغنى و الفقر على السواء " وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّیِّئاتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُون".[4]
6- ینبغی الالتفات الى انه لیس کل ثروة تعد لطفا الهیاً خاصا من قبل الله تعالى، بل الثروة التی تعد لطفا خاصا هی الثروة التی تکتسب عن طریق الحلال و التی تصرف وفقا لما اراده الباری تعالى، و اما فی غیر هذه الحالة فلا تعد تلک الثروة لطفا بل تکون وبالا و بلاء على صاحبها و قد عبر القرآن الکریم عنها بالاستدراج" وَ الَّذینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُون"[5] و " فَذَرْنی وَ مَنْ یُکَذِّبُ بِهذَا الْحَدیثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ"[6] بل قد ورد فی القران الکریم ما هو اشد من ذلک حیث قال تعالى " فَلَمَّا نَسُوا ما ذُکِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَیْهِمْ أَبْوابَ کُلِّ شَیْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُون"[7] و قوله تعالى " وَ لا یَحْسَبَنَّ الَّذینَ کَفَرُوا أَنَّما نُمْلی لَهُمْ خَیْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلی لَهُمْ لِیَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهینٌ"[8].