الدین مجموعة من العقائد و القوانین و التعالیم الأخلاقیة التی تلقاها الأنبیاء من الله سبحانه و الغایة منها هدایة البشر و إسعادهم.
و ضرورة الدین ترجع إلى فطرة الإنسان کما تؤکد التعالیم الدینیة، فقد جاء فی القرآن الکریم أن فطرة الإنسان فطرة إلهیة، و إن جمیع القوانین و التشریعات الإلهیة جاءت على أساس هذا الإحساس بالحاجة إلى الله و عبادته.
و بحسب ما صرح به القرآن الکریم فإن جمیع الأدیان لها أصول و تعالیم مشترکة، و هی التسلیم لله الواحد الأحد. و دائماً یکون الدین اللاحق مکملاً للدین السابق، و إن أکمل الأدیان حیث جاء مکملاً لجمیع الأدیان التی سبقته هو الدین الذی بعث به محمد بن عبد الله (ص) و قد أدى رسالته الإلهیة طوال 23 عاماً.
إن هذا السؤال یرجع إلى ضرورة الدین المتمثلة بالسؤال القائل: ما هی ضرورة الدین، و ما هو موقع الدین الإسلامی و مکانته بین الأدیان الأخرى؟
و هذا السؤال یمکن أن یدرس من منطلقین أحدهما خارج دائرة الدین و الثانیة فی إطار الدین، أی من خارج الدین و من داخله.
و قبل الخوض فی هذا الموضوع نرى من الضروری بیان معنى الدین.
معنى الدین
الدین مجموعة من العقائد و القوانین و التعالیم العملیة و الأخلاقیة التی جاء بها الأنبیاء من الله سبحانه لأجل هدایة الناس و سعادتهم، و إن الدین عند الله الإسلام، و انقیاد الإنسان إلى الحق تعالى فی جمیع ساحات الحیاة و میادینها، کما أن الدین هو الفطرة.[1]
و إن الاعتقاد بهذه العقائد و العمل طبقاً لهذه التعالیم ینتهی بالإنسان إلى السعادة و الفلاح فی عالمی الدنیا و الآخرة، و بمعنى آخر فإن المتدین هو الشخص الذی یخضع و یسلم للتعالیم الإلهیة بشکل کامل، و فی حالة عدم وجود الخضوع و التسلیم فلیس من الممکن إطلاق صفة المتدین على أحد.[2]
فإذا سلمنا و أطعنا الله و الرسول و للتعالیم الدینیة فإننا سوف نحظى بالسعادة فی هذه الدنیا القصیرة الفانیة و نصیر إلى الفلاح و الخلود فی العالم الآخر، لأن سعادة الإنسان و نجاحه یتمثل بکونه صاحب هدف صحیح فی الحیاة و یکون بعیداً عن الضلال و الزیغ، و یتحلى بالأخلاق الفاضلة و السلوک القویم، و یؤدی الأعمال الصالحة، فیکون ذو قلب مطمئن و ثابت فی هذه الدنیا ذات التیارات و الأمواج المتلاطمة.
إن دین الله یهدینا إلى مثل هذا الطریق، و لا وجود للسعادة و الاطمئنان من دون الدین، لأن الاعتقاد و التقید بالتعالیم مثل دور الرقیب الداخلی الذی یراقب سلوک الإنسان و یضبط تصرفاته، فیمنعه من الولوج فی الرذائل و یحثه على الإتیان بالفضائل.
و بعد أن اتضح لنا معنى الدین و طبیعة أهدافه تنتقل الآن إلى ضرورة الدین و لزومه:
ألف- ضرورة الدین بمنظار خارج دائرة الدین
إن حاجة الإنسان إلى العبادة و الاتصال بالله الخالق أمر یولد مع الإنسان، و هذا ما لوحظ فی الآثار التی ترکها أقدم أنواع البشریة. و قد استدل المرحوم العلامة الطباطبائی بکیفیتین على ضرورة الدین و لزومه:
الکیفیة الأولى:
1- إن الإنسان موجود یسخر الأشیاء من حوله.
2- و إن استخدام البشر أمر کامن فی طبیعته.
3- إن استخدام البشر أمر موجب للاختلاف فی جمیع شؤون الحیاة.
4- إن نظام التکوین یقتضی رفع هذه الاختلافات و إزالتها لیتمکن الإنسان من الوصول إلى الکمال اللائق به.
5- لا یمکن رفع هذه الاختلافات إلا عن طریق القانون، القانون الذی یصلح حیاة الإنسان الاجتماعیة و یؤمن له السعادة.
6- إن طبیعة الإنسان عاجزة عن القیام بهذا العمل لأن الإنسان هو عامل الاختلاف نفسه.
7- إن القوانین التی توضع من قبل البشر لا تؤدی هذه المهمة.
8- و بالتوجه إلى المقدمات السابقة نستنتج أن الله سبحانه لا بد و أن یری الإنسان طریق الخلاص بشکل غیر طبیعی، و هذا الطریق هو الوحی.
الکیفیة الثانیة:
1- إن الإنسان أحد أجزاء عالم الخلق.
2- إن آلة الخلق هیأت للإنسان بناءً خاصاً یهیئ أرضیةً صالحة لتکامله.
3- ومقتضى تجهیزاته هی الحیاة الاجتماعیة.
4- إن حیاة الإنسان خالدة و لا یمثل الموت قطعاً لها.
5- على الإنسان أن یسلک منهجاً و طریقة تؤمن له السعادة فی هذه الحیاة القصیرة الفانیة و فی دار الخلود الباقیة.
6- إن الطریق و المنهج الذی یؤمن للإنسان هذه السعادة و ذاک الفلاح هو الدین.[3]
أما الإنسان فإنه غیر قادر على وضع منهج و طریق متکامل و شامل من شأنه أن یستوعب کل الأجیال البشریة. فلا مناص من اللجوء و الاستعانة بمبدأ لا محدود، و لیس ذاک المبدأ إلا الذات الإلهیة. فالدین اسم یطلق على مجموع هذا البرنامج الشامل الذی یشرع من أجل جلب السعادة و الفلاح للإنسان.
ب- ضرورة الدین بمنظار الدین نفسه:
إن ضرورة الدین بحسب تعالیم الدین نفسه ترجع إلى فطرة الإنسان، لأنه ینطوی على فطرة إلهیة.[4] و إن جمیع القوانین و التعالیم الإلهیة صیغت وفقاً لهذا الإحساس الفطری و النزوع إلى المطلق و عبادته. و علیه فالتدین و الالتزام و اعتناق الإسلام إنما هو جواب کل إنسان لنداء فطرته.
فوائد الدین و آثاره:
للدین تأثیر کبیر فی مجال إصلاح الفرد و المجتمع، بل هو السبیل الوحید إلى نیل السعادة و الفوز و النجاح، و إن المجتمع الذی لا یتقید بتعالیم الدین یکون فاقداً للرؤیة الموضوعیة الصحیحة و الاستنارة فی عقله، فیضیع رأس ماله الحقیقی - و هو العمر - فی الضلال و التیه و الحیاة من أجل القشور و الظواهر و الغفلة. فیضع العقل تحت قدمه فتکون حیاته أقرب إلى حیاة الحیوان الخالیة من العقل و بعد النظر. فینتهی لا محالة إلى الوقوع فی الرذائل الأخلاقیة و السلوک المنحرف. و بذلک یفقد کل صفاته الإنسانیة. و مثل هذا المجتمع لا یفقد الفوز و الفلاح فی عالم الخلود و حسب، و إنما یعیش حیاته القصیرة فی هذه الدنیا فی نکد و ضنک فیتجرع نتائج انحرافاته و ممارساته الشاذة و البعیدة عن الطهر و النقاء، و لسوف یستفیق و بسرعة على عقوبة جنایاته لیتهم فی نهایة الأمر أن لا طریق یوصله إلى السعادة إلا الدین و الإیمان بالله، و عندها سیکون من النادمین على ما فرط فی أعماله.
یقول تعالى فی کتابه الکریم: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَکَّاهَا * وَ قَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا».[5]
و من الطبیعی أن السعادة و الفلاح یتأتى على أساس الالتزام و العمل وفقاً للتعالیم و الأخلاق الدینیة، و إلا فالمنصب و المنزلة الاجتماعیة و التبجح غیر کافٍ فی هذا المجال. لأن القیمة للحقیقة نفسها لا ادعاء الحقیقة. فإن الإنسان الذی یدعی الإسلام و الإیمان و لکنه لا یعمل طبقاً لتعالیم دینه و إیمانه کمثل المریض الذی یأخذ وصفة الدواء من الطبیب فیرکنها جانباً و یرجو الشفاء، و مثل هذا اللون من التفکیر و السلوک لا یوصل الإنسان المسلم إلى شیء من قصده و هدفه.
یقول تعالى: «إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ الَّذِینَ هَادُوا وَ النَّصَارَى وَ الصَّابِئِینَ[6] مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَ الْیَوْمِ الآخِرِ وَ عَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لاَ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لاَ هُمْ یَحْزَنُونَ».[7]
من الممکن أن یتصور أحد طبقاً لمضمون هذه الآیة أن عدداً ممن جاءوا بالعمل الصالح و السلوک الحسن بعد الإیمان بالله و بعض رسله و أنبیائهم هم من المفلحین یوم القیامة. و لکن لا بد من العلم أن الله تعالى صرح فی سورة النساء[8] أن الذین لا یؤمنون بالأنبیاء أو بعضهم هم کفار، و ذلک فی قوله: «إِنَّ الَّذِینَ یَکْفُرُونَ بِاللهِ وَ رُسُلِهِ وَ یُرِیدُونَ أَنْ یُفَرِّقُوا بَیْنَ اللهِ وَ رُسُلِهِ وَ یَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَکْفُرُ بِبَعْضٍ وَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَّخِذُوا بَیْنَ ذَلِکَ سَبِیلاً * أُولَئِکَ هُمُ الْکَافِرُونَ حَقّاً وَ أَعْتَدْنَا لِلْکَافِرِینَ عَذَاباً مُهِیناً» (و مثل ذلک الیهود حیث أنکروا نبوة عیسى و محمد (ص) و النصارى حیث أنکروا نبوة محمد (ص)».
و علیه فالمؤمن الذی یجنی ثمار إیمانه هو الذی یؤمن بجمیع الأنبیاء و یعمل العمل الصالح.
و الإسلام مشتق من مادة «سلم» بمعنى التسلیم و الإذعان للحکم. و هذا هو الاسم الذی اختاره الله لدینه. «إن الدین عند الله الإسلام» (التسلیم فی مقابل الحق).
و الإسلام أحد الأدیان التوحیدیة، و قد أنزل فی حدود عام 610م على محمد (ص) فی مکة المکرمة ثم اتسع نطاقه خلال مدة زمنیة تقارب نص القرن حتى صار الدین الواسع المهیمن على أجزاء واسعة من آسیا و أفریقیا.
و القرآن هو المصدر الأساسی و الأصیل لمعرفة الإسلام، و لم یفرق بین أنبیاء الله بأی وجه.[9]
بل یؤکد القرآن أن جمیع الأنبیاء حملوا دیناً واحداً و بلغوه إلى الناس و لکن بصور مختلفة، و هذا الدین هو الإسلام و تعالیمه المشترکة متمثلة بالدعوة إلى التسلیم لله الواحد الأحد.
فنجد أحیاناً تعبیراً فی القرآن الکریم یدل على أن الإسلام هو الدین المشترک الداعی إلى التوحید، و قد یعبر عنه (بدین الله) فی بعض المواطن، و أن جمیع الأنبیاء حملوا هذا الدین و بلغوه إلى الناس، و لا یقبل دین غیره عند الله.[10]
و إن أکمل مثال و نموذج لهذا الدین ما جاء به محمد بن عبد الله (ص) و بلغه خلال 23 عاماً.[11]
و علیه فالإسلام هو الاستمرار للأدیان السابقة و المکمل لها.[12]
و لم یقع التحریف فی هذا الدین خلافاً للأدیان الأخرى و هذا الدین هو دین الآخرة و الدنیا، فلا مکان للرهبانیة فیه، کما الزهد أمر محمود فیه، فالإسلام بالقدر الذی یحث فیه على الاستفادة من النعم الإلهیة؛ نراه ینهى عن الإفراط و الانغماس فی الملذات الدنیویة.[13]
و بمجیء هذا الدین، نسخت الأدیان السابقة؛ لأنه لا حاجة إلى الناقص مع وجود الکامل.
و الإسلام دین عالمی و دائم و شامل، و إذا ما فهم کما ینبغی فإنه ینطوی على برنامج یصلح لجمیع الناس فی کل زمان فیعطی ثماره الصالحة على صعید الفرد و المجتمع الصغیر و الکبیر، العالم و الجاهل، الرجل و المرأة، الأبیض و الأسود، الشرقی و الغربی. و الجمیع بإمکانه الاستفادة من هذا الدین المبارک و بلا أدنى تفاوت أو تمییز، فإنه صالح لسد کل احتیاجات الإنسان مع کل ما ینطوی علیه الإنسان من اختلافات؛ لأن الإسلام أرسى قوانینه و تعالیمه على أساس خلق الإنسان و مراعاة احتیاجاته و السعی لسدها جمیعها، و إن الفطرة الإنسانیة واحدة فی جمیع الأقوام و الأجناس و الأزمان، و الجمیع یشترکون فی بناء صرح الإنسان، و الجمیع لهم نفس الاحتیاجات التی یسعى الإسلام لتأمینها.
للإطلاع انظر:
1- خلاصة تعالیم الإسلام، الطباطبائی، السید محمد حسین، قم، مرکز النشر فی مکتب التبلیغات الإسلامیة، الطبعة 3، 1370.
2- الولایة و الدیانة، هادوی الطهرانی، مهدی.
3- أرکان و أصول الدین الإسلامی 1413 (موقع: 1440).
4- معنى الإسلام، السؤال 1574، (موقع: 2586).
5- الإسلام و حاجات العصر، السؤال 2174 (موقع: 3019).
[1]الطباطبائی، السید محمد حسین، خلاصة تعالیم الإسلام، ص4، قم، مرکز النشر فی مکتب التبلیغات الإسلامیة، الطبعة 3، 1370؛ جوادی الآملی، عبد الله، الفطرة فی القرآن، (التفسیر الموضوعی)، ج12، ص145.
[2]التفسیر المبین، ج7، ص170.
[3]الطباطبائی، السید محمد حسین، دراسات إسلامیة، ص35-37، أشعة من الإسلام، ص23-25.
[4]الروم، 30.
[5]الشمس، 9.
[6]الشخص الذی یمیل إلى مذهب الیهود و دین المجوسیة یقال له صائبی.
[7]البقرة، 62.
[8]آیة 150 و 151.
[9]البقرة، 136.
[10]آل عمران، 19، 83، 85؛ المائدة، 44.
[11]المائدة، 3.
[12]المائدة، 3.
[13]الأعراف، 32.