لكل الأشياء و الكائنات في هذا العالم وجودان؛ أحدهما الوجود العلمي عند الله سبحانه و الذي يعبر عنه بالوجود النوري؛ و الثاني الوجود العيني كالوجود في عالم المادة للموجودات المادية. إن وجود النبي الأعظم (ص) النوري و وجوده العلمي سابق عن جميع الكائنات و هو الواسطة في تحقق وجودهم النوري و العيني كذلك بتبعه و ذلك بسبب جامعيته و أفضليته على سائر الكائنات. أما الوجود العيني و المادي للنبي (ص) فمن الواضح أنه قد تحقق بعد تحقق الوجود المادي و العيني للنبي آدم (ع) بل إن وجود آدم كان الواسطة في تحقق وجود النبي من هذا الجانب.
من أجل توضيح الجواب لابدّ من الإشارة إلى نقاط:
أ. لكل الأشياء و الكائنات في هذا العالم وجودان؛ أحدهما الوجود العلمي عند الله سبحانه و الذي يعبر عنه بالوجود النوري؛ و الثاني الوجود العيني كالوجود في عالم المادة للموجودات المادية. إن وجود النبي الأعظم (ص) النوري و وجوده العلمي سابق عن جميع الكائنات و هو الواسطة في تحقق وجودهم النوري و العيني كذلك بتبعه و ذلك بسبب جامعيته و أفضليته على سائر الكائنات.
في مقام الاستدلال على هذه الحقيقة بالإضافة إلى وجود الأدلة العقلية و الكلمات العرفانية[1] هناك أدلة نقلية أيضا فنشير إلى بعضها:
1. لقد أمر الله سبحانه نبيه أن يقول: (وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمين).[2]
المقصود من هذه الأولوية، الأولوية الرتبية لا الزمنية، إذ لو كان المقصود هو الأولوية الزمنية، لصدق عنوان "أول المسلمين" على كل نبي تجاه أمته، و لجاز للأنبياء السابقين أن يكونوا مصداقا لهذه الآية من باب الأولى. أما قد اختص الله النبي بقوله (قل… بِذلِكَ أُمِرْتُ و أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمين)، بسبب أنه الصادر الأول، أو الظاهر الأول. [3]
2. لقد و رد في الروايات عن النبي أنه قال: "أول ما خلق الله نوري." [4]
و تشير هذه الرواية إلى نفس النشأة المجردة و غير المادية و الطبيعية للنبي الأعظم (ص).
3. قال النبي (ص): "كُنْتُ نَبِيّاً و آدَمُ بَيْنَ الْمَاءِ و الطِّين."[5]
و لا شك في أنه ليس المقصود من هذه الرواية النشأة العنصرية و المادية للنبي.
4. في الروايات التي صدرت عن المعصومين (ع) في باب "النور و المخلوق الأول" ذكر أن الله خلق من نوره كل شيء و كل كمال وجودي؛ يعني أن الوجود خير و كل وجود خير من ناحية وجوده و بعض النظر عن نواقصه و حدوده. فعلى هذا الأساس جميع الكائنات و الوجودات و الكمالات الوجودية هي من تجليات و مظاهر هذا المخلوق الأول و نور المعصوم و باقي المخلوقات كلها تمثل مختلف مراتب تجليات هذا النور.
و بعبارة أخرى "نور المعصوم" هو السبب في تكوين الموجودات الأخرى، و إن الموجودات الأخرى في الواقع تمثل الصور النازلة لهذه الحقيقة في مختلف و شتى المراتب.
5. و قد صرح رسول الله (ص) بهذه الحقيقة في حديث طويل حيث قال: "…فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُنْشِئَ خَلْقَهُ فَتَقَ نُورِي فَخَلَقَ مِنْهُ الْعَرْشَ فَالْعَرْشُ مِنْ نُورِي و نُورِي مِنْ نُورِ اللَّهِ و نُورِي أَفْضَلُ مِنَ الْعَرْشِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ أَخِي عَلِيٍّ فَخَلَقَ مِنْهُ الْمَلَائِكَةَ فَالْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورِ عَلِيٍّ و نُورُ عَلِيٍّ مِنْ نُورِ اللَّهِ و عَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ ابْنَتِي فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَاوَاتِ و الْأَرْضَ فَالسَّمَاوَاتُ و الْأَرْضُ مِنْ نُورِ ابْنَتِي فَاطِمَةَ و نُورُ ابْنَتِي فَاطِمَةَ مِنْ نُورِ اللَّهِ و ابْنَتِي فَاطِمَةُ أَفْضَلُ مِنَ السَّمَاوَاتِ و الْأَرْضِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ و لَدِيَ الْحَسَنِ فَخَلَقَ مِنْهُ الشَّمْسَ و الْقَمَرَ فَالشَّمْسُ و الْقَمَرُ مِنْ نُورِ و لَدِيَ الْحَسَنِ و نُورُ الْحَسَنِ مِنْ نُورِ اللَّهِ و الْحَسَنُ أَفْضَلُ مِنَ الشَّمْسِ و الْقَمَرِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ و لَدِيَ الْحُسَيْنِ فَخَلَقَ مِنْهُ الْجَنَّةَ و الْحُورَ الْعِينَ …"[6]
طبعا مع أنه تشير هذه الرواية إلى خلق العرش من نور رسول الله، و لكن هناك روايات تدل على أن "المخلوق الأول" مع كونه حقيقة واحدة و موجود واحد، كان حقيقة جميع المعصومين الأربعة عشر؛ يعني حقيقة رسول الله و حقيقة جميع العترة المعصومين معا. فهم متعددون في وحدتهم و كلهم مظاهر لروح واحدة و حقيقة واحدة. من قبيل هذه الرواية التي رواها جابر بن عبد الله الأنصاري عن الإمام الباقر (ع) حيث قال: "قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نُوراً مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ فَهِيَ أَرْوَاحُنَا فَقِيلَ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ عُدَّهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَمَنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ نُوراً فَقَالَ مُحَمَّدٌ و عَلِيٌّ و فَاطِمَةُ و الْحَسَنُ و الْحُسَيْنُ و تِسْعَةٌ مِنْ و لْدِ الْحُسَيْنِ و تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُم"[7]
كذلك روى جابر عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: "يَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ أَوَّلَ مَا خَلَقَ خَلَقَ مُحَمَّداً ص و عِتْرَتَهُ الْهُدَاةَ الْمُهْتَدِينَ فَكَانُوا أَشْبَاحَ نُورٍ بَيْنَ يَدَيِ اللَّه" قال جابر: قلت و ما الأشباح؟ قال: "َ ظِلُّ النُّورِ أَبْدَانٌ نُورَانِيَّةٌ بِلَا أَرْوَاحٍ و كَانَ مُؤَيَّداً بِرُوحٍ و احِدَةٍ و هِيَ رُوحُ الْقُدُس.[8]
تصرح هذه الرواية بشكل كامل بأنهم كانوا أبدان نورية بلا أرواح متعددة، بل كانت مؤيدة بروح واحدة باسم روح القدس. و تشير إلى هذه الحقيقة بكل وضوح و هي أن حقيقة روحهم كانت واحدة و إنما التعدد و التكثر فقد اعتراهم في الأبدان و الأشباح النورية.
و ما نقرأه في زيارة الجامعة و نقول: "و إن أرواحكم و طينتكم واحدة" يشير إلى نفس هذه الحقيقة و هي أن المعصوين الأربعة عشر كلهم نور واحد فهم متحدّون من هذه الناحية. فإن هذا الاتحاد ـ في عين الغيرية ـ لم يكن في بدء الخلق و حسب، بل هو قائم كذلك في النظام المادي و الحياة الدنيوية و حقيقتهم، فهم متحدون مع كونهم متعددين في صورهم و ظاهرهم.
من هذا المنطلق إن الكلام المذكور في السؤال، يطابق الحقائق المذكورة في الآيات و الروايات. و لكن بالتأكيد إن هذه الحقيقة تختلف عن مفهوم هذا التعبير الذي يقول "إن النبي محمد قد خلق النبي آدم بإذن الله".
ب. إن الوجود العيني و المادي للنبي (ص) مشتق من الوجود المادي و العيني للنبي آدم، بل إن وجود آدم كان الواسطة في تحقق وجود النبي.
من أجل الحصول على المزيد من المعلومات راجع الأسئلة التالية:
1789 (الموقع: ar3860) (الخلق الجسمانی للنبي آدم) و 20512 (الموقع: ar19747) (القرآن و خلق الإنسان).
[1] . موقع الحوزة، قسم الأسئلة و الأجوبة، في موضوع خلق النبي محمد (ص) قبل خلق النبي آدم (ع).
[2] . الأنعام، 163.
[3] . سماحة آیة الله الجوادي الآملي، عبدالله، تفسیر موضوعی قرآن کریم، ج 8، ص 30 و 31.
[4] . العلامة المجلسي، محمد تقی، بحارالأنوار، ج1، ص97، باب 2،حقیقة العقل و کیفیته، دار الکتب الاسلامیة، طهران.
[5] . بحار الأنوار، ج 16،ص 402، باب 12، نادر فی اللطائف فی فضل نبینا.
[6] . الکربلائی، شیخ جواد بن عباس، الأنوار الساطعه، ج 4، ص259، دارالحدیث قم، بی تا.
[7] . بحار الأنوار، ج 25، ص 4.
[8] . الكليني، الكافي، ج 1، ص 442.