العلة فی استعمال الباری للضمیر المذکر عند الحدیث عن نفسه هی أن القرآن نزل باللغة العربیة، و إن استخدام الضمیر المذکر فی القرآن مطابق لقواعد اللغة العربیة و أسالیبها البلاغیة، لأن الله سبحانه لا مؤنث حقیقی ولا مذکر حقیقی، و کذلک بالنسبة إلى الاستعمالات القیاسیة و السماعیة فإنه لیس بمؤنث مجازی أیضاً. إذن فعلى أساس قواعد اللغة العربیة لابد من استعمال الضمائر و الأسماء و الصفات بخصوص الذات المقدسة بصورة المذکر (المجازی) إضافة إلى أن الاستفادة من ضمائر المؤنث و المذکر لا تحمل أی دلالة بالنسبة الى المنزلة أو القمة الرفیعة.
اللغة العربیة هی اللغة التی نزل بها القرآن و اللغة العربیة و خلافاً لبعض اللغات تستعمل ضمائر المذکر و المؤنث، و من الطبیعی فإن کل کتاب یکتب بهذه اللغة لا بد و أن یلتزم بقواعدها حتى و إن کان کتاباً إلهیاً، و حیث إن اللغة العربیة لا یوجد فیها ضمیر یدل على "الخنثى" جاء التعبیر فیها عن الأشیاء التی لا جنسیة لها بالضمیر المذکر، کما یوجد نظیر هذا فی بعض اللغات الأخرى کاللغة الفرنسیة، و على أساس ما تقدم یمکن أن نتوصل إلى نتیجة مؤداها أن استعمال الضمیر المذکر لا علاقة له بصفات الرجولة، و فی واقع الأمر یمکن القول أن القرآن لن یخضع لطغیان الذکوریة المتداولة فی ثقافة عصره، و إنما استفاد من الضمیر المذکر لخصوصیات لغویة على المتکلم أن یلتزم بها، و على هذا الأساس وبما أن القرآن نزل باللغة العربیة فلا بد و أن یتحدث بسیاقاتها و أسالیبها، و انسجاماً مع قواعد اللغة العربیة استفاد من الضمیر المذکر فی الحدیث عن الباری سبحانه و تعالى.
و بإیضاحٍ آخر:
تکون الأسماء و الأفعال باللغة العربیة بصیغة المذکر و المؤنث (باستثناء أفعال المتکلم للوحدة و مع الضمیر) و یقسم المذکر و المؤنث إلى حقیقی و مجازی.
فالمذکر و المؤنث الحقیقی ما کان له أعضاء ذکریة أو انثویة و ما لیس له مثل هذه الأعضاء فیسمى مجازیاً، و مثال المذکر الحقیقی کالرجل و الجمل و مثال المؤنث الحقیقی (امرأة) (ناقة) و المذکر المجازی مثل (القلم) و (الجدار)، و المؤنث المجازی مثل (الدار) (الغرفة)، و استعمال المؤنث المجازی فی بعض الموارد مثل أسماء المدن و أعضاء الجسم الزوجیة قیاسی و طِبق القاعدة و أما فی بقیة الموارد فلیس لها قاعدة خاصة و إنما سماعیة، أی أن الملاک فیها السماع من العرب، و یلزم متابعة استعمالاتهم فی ذلک، و إذا لم یکن الشیء مؤنثاً حقیقیاً و لا مجازیاً و کذلک لم یکن مذکراً حقیقیاً، فلابد أن یکون مذکراً مجازیاً[1].
و من جهة أخرى فإن الله سبحانه لم یلد و لم یولد، و لیس کمثله شیء[2]، کما أنه خارج عن استعمالات المؤنث المجازی القیاسی و السماعی، فالمطابق لقواعد اللغة العربیة لابد من الاستفادة من ضمائر المذکر للإشارة إلى أسماء الله و صفاته.
کما ینبغی التوجه إلى أن التأنیث و التذکیر لا یحمل دلالة على مستوى القیمة و المنزلة، و لو أن استعمال الضمائر و الأسماء و الصفات یدل على المکانة و علو المنزلة لما کان استعمالها مناسباً لبعض ا لحیوانات و غیره من الموجودات کالشیطان و إبلیس و ...
و کذلک لو کانت ألفاظ التأنیث تدل على النقص و عدم القیمة لما استعملت فی أشیاء لها قیمة عظمى کالشمس و الأرض أو أفضل الأعمال کالصلاة و الزکاة و الجنة[3].