وردت صیغة "أولوا العزم" فی الآیة 35 من سورة الأحقاف. العزم بمعنى الحکم و الشریعة، و معنى أولی العزم هم الأنبیاء الذین لهم دین و شریعة مستقلة و جدیدة، و قد ذکرت بعض الشروط فی الروایات لیکون النبی من أولی العزم.
1. أن تکون له دعوة شاملة
2. له دین و شریعة
3. یأتی بکتابٍ إلهی
و الذین تنطبق علیهم هذه الشروط بشکلٍ خاص هم خمسة من الأنبیاء فقط. أی أنهم جاؤوا بدعوة شاملة و شریعة عامة و أنزلت علیهم کتب إلهیة، و هؤلاء الخمسة هم: نوح، إبراهیم، موسى، عیسى و نبی الإسلام محمد (ص). قد ورد فی الروایات ذکر کتاب نوح و إبراهیم (ع)، و قد أطلق علیهما، اسم الصحف، و التوراة کتاب النبی موسى (ع) و الإنجیل کتاب عیسى (ع) و القرآن کتاب محمد (ص).
وردت کلمة "أولوا العزم" مرة واحدة فی القرآن الکریم، قال تعالى: «فَاصْبِرْ کَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ».[1]
و العزم بمعنى الإرادة المحکمة، قال الراغب فی المفردات: العزم بمعنى التصمیم فی إنجاز العمل.[2] و قد جاء فی لسان العرب: الرسل أولوا العزم هم الذین اتخذوا تصمیماً و عزماً على أن ینفذوا أمر الله الذی ألقی على عهدتهم.[3] و قد استعمل لفظ العزم فی القرآن بمعنى الصبر،[4] و تارة بمعنى الوفاء بالعهد.[5]
و قد جاء فی کتب التفسیر: بما أن الرسل الذین یحملون شریعة جدیدة و رؤیا مختلفة فإنهم یواجهون تحدیات أکبر و مشاکل أکثر، و قد عقدوا العزم على مواجهة کل الصعوبات و العقبات، فهم بحاجة إلى إرادة محکمة قویة، و قد أطلق على هذه الفئة من الأنبیاء اسم (أولوا العزم)، و إذا ما فسر البعض العزم و العزیمة بمعنى الحکم و الشریعة[6] فمرد ذلک إلى هذا التلازم، و إلا فالعزم لم یأتِ بمعنى الشریعة فی اللغة.[7] و کون النبی من أولی العزم دلیل على أنه صاحب شریعة. بعبارةٍ أخرى، أنه صاحب دین خاص على الأنبیاء المعاصرین له و المتأخرین عن عصره أن یبلغوا لدینه و یبشروا به[8] حتى یأتی نبی جدید بشریعة جدیدة.
و قد أشار الباری سبحانه فی القرآن الکریم إلى تشریع الدین و إبلاغه بواسطة عدة من الأنبیاء و ذکر أربعة أنبیاء غیر النبی محمد (ص) الذی جاء بآخر دین إلهی، قال تعالى: «شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَ الَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ وَ مَا وَصَّیْنَا بِهِ إِبْرَاهِیمَ وَ مُوسَى وَ عِیسَى أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ».[9]
صفات الأنبیاء أولی العزم و الإشارة إلیهم فی الروایات:
مع أن بعض المفسرین فی القرون الأولى - من غیر الشیعة - عرفوا الأنبیاء أولی العزم على أساس الأمر بالجهاد أو الذین أظهروا معجزاتهم و مکاشفاتهم و أشاروا إلى مستوى تعیین المصداق إلى نوح، إبراهیم، إسحاق، یعقوب، یوسف، أیوب، هود (ع) و محمد (ص).[10] إلا أن الروایات الواردة عن طریق أئمة أهل البیت (ع)، صرحت بأسماء الأنبیاء من أولی العزم و أشارت إلى صفاتهم و مشخصاتهم و عینت المصادیق التی ینطبق علیها المفهوم.
صفات أولوا العزم کما وردت فی الروایات:
1. الدعوة العالمیة الشاملة للجن و الإنس.[11]
2. استقلالیة الدین و الشریعة و أن تکون جدیدة و غیر مکرر.[12]
3. أن یکون له کتاب سماوی.[13]
و فی هذه النقاط الثلاث أشیر إلى ثلاث خصوصیات بالنسبة لهذه الفئة من الأنبیاء، الدعوة العالمیة الشاملة، الدین المستقل، و تلقی کتابٍ إلهی، و قد جاءت روایة عن الإمام الصادق (ع) ذکر فیها الشرطان الثانی و الثالث مع بعضهما، و نکتفی بذکر الروایة لننتقل إلى الإجابة عن الشق الثانی من السؤال (لماذا لم یطلق على بعض الأنبیاء اسم أولی العزم مع أنهم یحملون کتباً إلهیة؟! فقد أجاب الإمام الرضا (ع) عن تساؤل البعض عن سبب تسمیة هؤلاء الأنبیاء بأولی العزم فقال: "إنما سمی أولو العزم أولی العزم لأنهم کانوا أصحاب العزائم و الشرائع و ذلک أن کل نبی کان بعد نوح (ع) کان على شریعته و منهاجه...".[14]
إذن تلقی الکتاب شرط فی کون النبی من أولی العزم، و لکن هناک شرطان مهمان آخران، أحدهما أن تکون له دعوة شاملة لجمیع الإنس و الجن و غیرهم، و الآخر أن یکون له دین مستقل و شریعة جدیدة.
و لابد من الالتفات إلى أن الشریعة المستقلة لا تعنی أن تکون مختلفة بالکامل عن الشرائع السابقة لها و لا تتلائم معها، و لکن اختلاف الشرائع تبعاً لمقتضیات الزمان أمر طبیعی و معقول.
فالنبی داوود (ع) مع أنه صاحب کتاب سماوی، و لکن کتابه لم یکن کتاب أحکام و لم تکن شریعته مستقلة و جدیدة کما هو الحال بالنسبة لآدم، و کذلک شیث و إدریس (ع) فإنهم من أصحاب الکتب و لکنهما لیسا من أولی العزم.[15]
و أما بالنسبة إلى الروایات فإنها أشارت بشکل صریح إلى أسماء الأنبیاء أولی العزم، نقل عن الإمام علی بن الحسین (ع)، قوله أن أولی العزم خمسة هم: نوح، إبراهیم،موسى، عیسى و محمد (ص).[16] و کذلک نقل هذا المعنى عن الإمام الصادق (ع)[17]و الإمام الرضا (ع)[18]، و کذلک وردت فی الروایات الإشارة إلى کتب نوح و إبراهیم (ع) تحت عنوان (الصحف) مع أن عنوان الصحف أطلق على کتاب موسى (ع) فی القرآن الکریم[19]. و لکن مجموع هذه الصحف سمیت باسم التوراة، و أن کتاب عیسى (ع) هو الإنجیل و کتاب النبی محمد (ص) هو القرآن.
و أما بالنسبة إلى (الأوستا) کتاب الزرادشتیة، فهل إنه کتاب زرادشت السماوی؟ ذلک موضع تأمل، فقد نقل فی مواضع مختلفة من الأوستا کلام زرادشت، أو ما کان یتکلم به مع الله أو الناس.[20]
(و من أجل الاطلاع یراجع (الیسنا) أقدم و أهم أقسام (الأوستا) الفصل السادس و الأربعون البند 1ـ 2) مع أن الروایات تفضی إلى أنه نبی إلهی و صاحب کتاب.[21]
[1] الأحقاف، 35.
[2] مفردات الراغب، مادة عزم.
[3] وأولوا العزم من الرسل: الذین عزموا على أمر الله فیما عهد إلیهم، لسان العرب، ج 12، ص 399.
[4] الشورى، 43.
[5] طه، 115.
[6] قال العلامة الطباطبائی: (العزم) بمعنى (العزیمة) یعنی (الحکم و الشریعة).
[7] التفسیر الأمثل، ج 21، ص 379.
[8] مصباح الیزدی، أصول العقائد، ص 239.
[9] الشورى، 13.
[10] بحار الأنوار، ج 11، ص 35، طبعة بیروت، وفا.
[11] المصدر نفسه، ص32.
[12] المصدر نفسه، ص 34 ؛ علل الشرائع، ج 1، ص 149، باب 101.
[13] المصدر نفسه، ص 35.
[14] المصدر نفسه، ص 56.
[15] المیزان، ج 2، ص 142؛ ترجمة المیزان، ج 2، ص 213.
[16] بحار الأنوار، ج 11، ص 32.
[17] المصدر نفسه، ج 11، ص 56.
[18] علل الشرائع، ج 1، ص 149، باب 101.
[19] الأعلى، 19.
[20] رابرت هیوم، أدیان زنده جهان "الادیان الحیة"، ص 278؛ و للتوضیح الأکثر یراجع (الیسنا) (أقدم و أهم فصل من (الأوستا) الفصل السادس و الأربعون، البنود 1 و 2.
[21] من لا یحضره الفقیه، ج 2، ص 53، ح 1678؛ سفینة البحار، ج 4، ص 346.