الفیزیاء هی بمعنی الطبیعیات و هی ما یقابل الإلهیّات و الریاضیات، و المیتافیزیک هو بمعنی الفلسفة المعاصرة أی العلم الذی یبحث حول الموجود بما هو موجود و "الترانس فیزیک" أو ماوراء الطبیعة هو العلم الذی یبحث حول الله و الموجودات الماورائیة. و أما العلاقة بین الطبیعة و ماوراء الطبیعة فهی علاقة الجزء بالکل و العلاقة بینها و بین الترانس فیزیک هی علاقة العلة بمعلولها.
معنی الطبیعة و ماوراء الطبیعة
استعملت لفظة الفیزیاء قدیماً و حدیثاً فی اصطلاحات مختلفة، نبحث عنها باختصار فی هذا المقال:
تطلق کلمة فیزیاء علی العلم الذی یبحث عن ظواهر الطبیعة المادیة من قبیل الحرکة و الثقل و الضغط و الحرارة و الضوء و الصوت و الکهرباء و ...، و البحث فی هذه المواضیع غیر البحث فی موضوع ترکیب الأجسام، لأن ترکیب الأجسام و التغییرات الحاصلة لها یبحث عنه فی علم الکیمیاء فقط. و لکن العلماء المعاصرین یجعلون علمی الفیزیاء و الکیمیاء تحت عنوان واحد (العلوم الفیزیاویة) و العلوم الفیزیاویة هی فی مقابل العلوم الطبیعیة و الحیاتیة التی تبحث فی الموجودات الحیة. و الفیزیاویة هی المنسوبة الی الفیزیاء و تطلق علی الامور المتعلقة بظواهر الطبیعة المادیة. و هذا الاصطلاح هو فی مقابل الامور الغیبیة، لأن الأمر الغیبی یتعلّق بالظواهر التی لا ترتبط بدائرة الحس و التجربة، بل ترتبط بشیء هو فوق هذه الظواهر. و أیضاً فإن هذا الاصطلاح فی مقابل "الروحی"، لأن الفیزیاء کما قیل تتعلّق بالظواهر المادیة التی تکون تابعة لقانون الحتمیة و الجبر العلمی، و أما الروحی فهو یتعلّق بالظواهر النفسانیة التی تتصف بالحریة.
و کذلک فإن الفیزیاء هی فی مقابل الریاضیات أو النظریات لأن الفیزیاء تتعلّق بظواهر الأجسام الحقیقیة، و الریاضیات أو النظریات تتعلّق بالمعانی المجردة.[1]
و ارسطو هو أول من اکتشف وجود مجموعة من المسائل التی لا تندرج فی أی من العلوم الطبیعیة و الریاضیة و الأخلاقیة أو الاجتماعیة، فقد شخّص أن المحور الذی جمع هذه المسائل باعتبارها عوارض و حالات له هو "الموجود بما هو موجود" و لکن ارسطو لم یضع لهذا العلم أی إسم، و لکن حین جمعت آثاره فی مجموعة واحدة من دائرة المعارف جعل هذا القسم فی الترتیب بعد قسم الطبیعیات "الفیزیاء" و لکن حیث لم یکن له إسم خاص فقد عرف بالمیتافیزیک "أی ما بعد الفیزیاء" و ترجمته العربیة "ما بعد الطبیعة".
و بمرور الزمان نسی کون سبب تسمیة هذا العلم هو وقوعه بعد بحوث الطبیعیّات فاعتقد البعض أن سبب هذه التسمیة لهذا العلم بهذا الإسم هو کون مسائل هذا العلم أو علی الأقل بعض مسائله مثل: الله و العقول المجردة هی خارجة عن الطبیعة، و لهذا حصلت شبهة لدی بعض الأشخاص مثل إبن سینا الذی کان یری أن هذا العلم ینبغی أن یسمی بـ "ما قبل الطبیعة" لأن الله و العقول المجردة هی من ناحیة رتبة الوجود قبل الطبیعة و لا بعدها.
و قد انجرّ هذا الاشتباه اللفظی و الذی کان بسبب الترجمة الی اشتباه معنوی عند بعض المتفلسفین الجدد، فقد ظن جماعة کبیرة من الاوروبیین أن کلمة ماوراء الطبیعة تعادل "ما بعد الطبیعة" و ظنوا أن موضوع هذا العلم هو الامور الخارجة عن الطبیعة، و الحال أن موضوع هذا العلم یشمل الطبیعة و ماوراء الطبیعة و کل ما کان موجوداً.
و قد عرف هؤلاء المیتافیزیک کما یلی: المیتافیزیک هو العلم الذی یبحث حول الله و الامور المجردة عن المادة فقط.[2]
و لفهم هذین المصطلحین إذن یجب أن تذکر أقسام الحکمة: "الحکمة تنقسم الی قسمین نظریة و عملیة، الحکمة النظریة و هی التی تتعلّق بالعلوم التی تشمل الطبیعیات و الریاضیات و الإلهیات. و الطبیعیات تشمل علم الفلک و الجیلوجیا و علم الحیوان و النبات. و تنقسم الریاضیات الی الهندسة و الحساب و الهیئة و الموسیقی، و تنقسم الإلهیات الی قسمین الإلهیات بالمعنی الأعم "البحوث المرتبطة بأصل الوجود" و الإلهیات بالمعنی الأخص و هی المباحث المرتبطة بمعرفة الله، و یسمی هذان القسمان م الإلهیات بالمیتافیزیک".[3]
و قد اتضح بما تقدّم إن المراد بالفیزیاء هو علم الطبیعیات و المراد بالمیتافیزیک هو الإلهیات.
العلاقة بین علم الفیزیاء و علم المیتافیزیک:
بناء علی القول الصحیح فإن جعل مصطلحی ماوراء الطبیعة و ما بعد الطبیعة مترادفین هو خطأ یرتکبه بعض الأشخاص غیر المطّلعین، حیث إن التسمیة بما بعد الطبیعة کانت علی أساس محلّ ذکر هذا العلم فی کتاب أرسطو و هو ما بعد مبحث الطبیعیات، و إن التسمیة بماوراء الطبیعة هی علی أساس وجود مضامین ما ورائیة فی نفس العلم، و بناء علی هذا فالعلاقة بین الفیزیاء "الطبیعیات" و المیتافیزیک "ما بعد الطبیعة" فی العلوم هی أن المیتافیزیک یتکفل إثبات موضوع علم الطبیعیات، و إن کثیراً من الاصول الموضوعیة فی العلوم یتم إثباتها فی هذا العلم و هو یساعد الفلسفة فی مقابل العلوم الاخری –فی إثبات بعض مقدمات البراهین الفلسفیة.
العلاقة بین عالم الفیزیاء و عالم المیتافیزیک:
و العلاقة بین عالم الفیزیاء و عالم المیتافیزیک فی عالم الخارج هی علاقة الجزء بالکل و النسبة بینهما هی العموم و الخصوص المطلق، أی أن موضوع علم الفیزیاء هو جزء من موضوع المیتافیزیک، لأن موضوع علم الفیزیاء هو المادیات و موضوع المیتافیزیک هو مطلق الوجود الذی یشتمل علی المادیات "الطبیعة" و علی ماوراء الطبیعة.
العلاقة بین الفیزیاء و الترانس فیزیک:
العلاقة بین هذین الاثنین (أی العلاقة بین الطبیعة"الفیزیاء" و ماوراء الطبیعة"ترانس فیزیک") فی الفلسفة الإسلامیة هی علاقة العلة و المعلول، أی أن الموجودات الماورائیة هی العلل الوجودیة لهذا العلم المادی. فالمادیات کلها محدودة و لا توجد هذه المحدودیة بهذا الوسع فی عالم ماوراء الطبیعة. و کذلک فإن العلاقة بین المادة و ماوراء المادة تعتبر أیضاً هی علاقة الحقیقة و الرقیقة.
و یذکر أن افلاطون و أتباعه قد جسّدوا نظام الخلقة فی المثل. فقد قسّم العالم الی قسمین:
الفیزیاء و المیتافیزیک، و عالم ماوراء الطبیعة هو الأصل و عالم الطبیعة هو ظلّ لعالم الماوراء و عالم الماوراء هو عالم أرباب الأنواع، و هو یری أن مثل الأمثال یقع فی قمة الهرم و إن عالم الأجسام یقع فی قاعدته، و هذه الخلقة الهرمیة الشکل التی یمکن تصوّر نظام خلقتها بشکل هرمی بحیث یکون مثل الأمثال و رب الأرباب[4] قد أوجده ذات المبدأ الأول ثم تکثّر الفیض بالتدریج و تکثّرت أرباب الأنواع أو الأمثال الی عالم الأجسام الذی هو قاعدة ذلک الهرم. و عالم المثل عالم مستقر و عالم الأنواع الجسمانیة غیر مستقر و هو فی معرض الکون و الفساد.[5]
[1] جمیل صلیبا، المعجم الفلسفی، منوچهر صانعی دره بیدی، ص 507، الطبعة الاولی، منشورات الحکمة، طهران 1366 هـ ش.
[2] مطهری، مرتضی، التعرف علی العلوم الإسلامیة، ج 1، ص 94، الطبعة الجدیدة، مکتب النشر الإسلامی، قم 1362 ش، بتخلیص؛ مصباح الیزدی، محمد تقی، تعلیم الفلسفة، ج 1، ص 69، الطبعة الثانیة، منظمة الإعلام الإسلامی، القسم الثقافی، طهران 1326 ش.
[3] غرویان، محسن، نظرة الی تعلیم الفلسفة للاستاذ مصباح الیزدی، ص 33، الطبعة الثالثة، منشورات شفق، 1373 ش.
[4] مجمع البحوث الإسلامیة، شرح المصطلحات الفلسفیة، ص 355، مجمع البحوث الإسلامیة، مشهد، الطبعة الاولی، 1414 هـ ق.
[5] السجادی، السید جعفر، معجم المصطلحات الفلسفیة الملاصدرا، ص 317، وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامی، طهران، الطبعة الاولی، 1379 هـ ش.