2ـ ألا یؤدی دفن الشهداء المجهولین فی داخل المدن و الأماکن العامة إلى هتک حرمتهم؟
3ـ ألا یعتبر دفن الشهداء فی الأماکن غیر المتعارفة نوعا من الإهانة لهم و إن لم یکن هناک قصد مسبق؟
4ـ هل یرضى عوائل الشهداء بدفن أحبتهم فی الجامعات و الحدائق و الساحات و أمثال ذلک؟
5ـ هل یجوز دفن الشهداء فی المساجد؟
6ـ هل یجوز دفن الشهداء المجهولین فی الأماکن العامة و الشعبیة؟
7ـ هل یحتاج دفن الشهداء المجهولین فی هذه الأماکن إلى إذن المجاورین و متولی الأرض؟ و فی حال ممانعة الأهالی و سکنة تلک المنطقة هل سیواجه هذا الفعل مشکلة شرعیة؟
نرجوا أن تجیبونا بإجابات تفصیلیة علمیة دینیة موثقة.
مع الشکر الجزیل. إدارة موقع الشهداء المجهولین (الشهداء المفقودین) مؤسسة حفظ الآثار و إشاعة قیم الدفاع المقدس.
"الحرم" هو بمعنى الحدود و یشمل الحدود المکانیة و الزمنیة و غیرها و لا یوجد دلیل شرعی أو عرفی على انحصار کلمة الحرم بمراقد المعصومین (ع). إذن لا مانع شرعا من استعمال هذه الکلمة لمراقد الشهداء.
إن هتک حرمة الشهداء بسبب دفنهم انما یتحقق اذا کان عامة الناس یرون ذلک موجبا لوهنهم و هذا الموضوع یتغیر بحسب ظروف المکان و الزمان. و لا ریب ان تعیین مکان دفن الشهداء الذین لم تحدد هویتهم و لم تعرف عوائلهم، یعد من شؤون الحکومة الإسلامیة. اما بالنسبة إلى دفنهم فی المساجد فهناک اختلاف بین علماء الإسلام، و لکن لامانع من دفنهم فی سائر الأماکن العامة إن لم یؤدی ذلک إلى إخلال فی الاستفادة الأولیة و المشروعة من تلک الأماکن و تم الدفن بإذن المتولین أو موافقة حاکم الشرع (الحکومة الإسلامیة)، و إن کان الأفضل مراعاة رضا سکّان محل الدفن، و لکن لا حاجة إلى کسب رضا جمیعهم من الناحیة الشرعیة.
فی البدایة، یجب الالتفات إلى هذه القضیة و هی أن فی الفقه الإسلامی بالإضافة إلى الأحکام الأولیة، هناک أحکام ثانویة و کذلک هناک أحکام حکومتیة (ولائیة) و التی تقرّر بحسب ما تراه الحکومة الإسلامیة من مصلحة. مثلا، على أساس الحکم الأولی یحق لأی أحد أن یتصرف فی ملکه حسب ما یشاء، فهو قادر على أن یبنی فی ملکه عمارة بأی ارتفاع شاء و یمنع تصرف الآخرین و حتى التردد فیها، لکن من حق الحکومة الإسلامیة أن تحدد الارتفاع المجاز لبناء العمارة من خلال وضع القوانین و حتى قادرة على أن تبدل جزءاً من ملکه إلى شارع فی سبیل راحة عامة الناس. فالحکومة الإسلامیة تملک هذه الصلاحیة تجاه الأموال العامة مثل المساجد و الجوامع و الحدائق و نحوها. بهذه المقدمة نتناول الأبعاد المختلفة لسؤالکم:
1ـ جاءت کلمة "الحرم" فی القرآن للتعبیر عن مدینة مکة فقط،[1] و قد یقال لها "حرم الله" أیضا.[2] و قد وصف النبی (ص) المدینة المنورة بأنها حرمه.[3] ثم أطلق هذا الاصطلاح بعد ذلک فی المصادر الإسلامیة و الشیعیة على محل سکن أئمة أهل البیت (ع) و محل استشهادهم و دفنهم. فأصبحت الکوفة حرم أمیر المؤمنین (ع)[4] و کربلاء حرم الإمام الحسین (ع)[5] و.... و لکن لا یوجد دلیل على انحصار هذه الکلمة فی هذه الموارد المذکورة، بل یمکن إطلاقها على أی حدود محترمة و إن لم تکن حدوداً جغرافیة، کما تسمى عائلة الرجل حرمه.[6] فبعض التعابیر مثل "المحرم" و "غیر محرم" ناشئة من هذه المادة. و کذلک یمکن عد "الأشهر الحرم" التی هی عبارة عن فترة زمنیة خاصة، من هذا القبیل.
على هذا الأساس لا مانع شرعا من استعمال کلمة "الحرم" لغیر مراقد المعصومین (ع)، و کذلک لا یمکن أدعاء الإجماع العرفی للمجتمع الإسلامی على هذا الحصر، لأننا نرى المتدینین یطلقون هذه الکلمة على مراقد أحفاد الأئمة الذین یبعد نسبهم عن الأئمة بعدة أجیال و کذلک یطلقونها على مراقد الشهداء کمیثم التمار و عمار و الحر الریاحی و غیرهم. لهذا لا یمکن أن نعتبر استعمال کلمة "الحرم" على محل دفن الشهداء المجهولین و حتى الصالحین وا لأتقیاء الذین مضوا بموت طبیعی ممنوعاً شرعاً، و إن أمکن استعمال کلمة "المرقد" أو "المزار" لهذه الأماکن أیضا.
2 و 3ـ طبقا للتعالیم الإسلامیة، إن لأجساد المسلمین سواء الشهداء أو الذین ماتوا حتف انفهم، قیمة و احترام شأنها شأن الأحیاء و لا یجوز هتک حرمتها و اهانتها بای حال من الاحوال، إلّا أنه لم یحدّد الإسلام مصادیق هذا الهتک و الوهن و ترک تشخیص مصادیقها إلى العرف العام. بعبارة أخرى إن اعتبر جلّ الناس أن الأمر الفلانی موجباً لهتک حرمة الشهداء و الأموات، یجب الاجتناب عنه و إلا فلا مانع شرعا من التصرف الذی یراه أکثر الناس غیر موهن، و إن اعتبره البعض من الناس موهنا. مثلا یمکن أن نقول إن دفن الأموات فی مستشفى الامراض النفسیة یعدّ نوعاً من الاهانة لهم و هتکاً لحرمتهم. فی المقابل یرى عامة الناس أن دفنهم فی زاویة من الأماکن المقدسة أو فی موقع من الحدائق و الساحات الکبار لا یعد هتکا لحرمتهم بل یعتبر نوعاً من الإکرام و الاحترام لهم. على هذا الأساس لا یمکن أن نبت فی أن دفن الشهداء فی الأماکن العامة موجب للوهن مطلقا، بل المقتضی هو أن لا یدفن الشهداء فی الأماکن غیر الصالحة من خلال استشارة الناس و استقراء آرائهم.
4ـ بالنسبة إلى سؤالکم الرابع فیجب أن تحصلوا على جوابه من عوائل الشهداء، لکن على أی حال لا شک فی أن تعیین محل دفن الشهداء المعروفین من شأن عوائلهم فی الدرجة الأولى، لکن سؤالکم حول الشهداء المجهولین الذین لیس لهم ولیّ خاص یتولى امرهم؛ و الظاهر انه لم تجمع عوائل الشهداء المجهولین على مخالفتهم لدفن أبنائهم فی الأماکن العامة. على هذا الأساس یصبح الحاکم الشرعی (الحکومة الإسلامیة) هو المتکفل فی تعیین محل دفن هؤلاء الأعزاء ولا توجد ای مشکلة شرعیة فی هذا الخصوص.
5ـ یقول الإمام الخمینی (قدس سره) فی خصوص الدفن فی المسجد: و فی جواز الدفن فی المساجد مع عدم الإضرار بالمسلمین و عدم مزاحمته المصلین کلام، و الأحوط بل الأقوى عدم الجواز.[7] و عندما نراجع فتاوى الآخرین من المراجع نلاحظ هذا الاختلاف فی الرأی، فهناک فتوى أخرى تقول: و الأظهر جواز الدفن فی المساجد مع عدم الإضرار بالمسلمین و عدم المزاحمة للمصلّین و عدم تلویث باطن المسجد و إن کان الأحوط ترکه.[8] و قد ذکر فقهاء الشیعة فی کتبهم المفصلة أدلة المعتقدین بجواز الدفن أو حرمته فی المساجد.[9]
فباعتبار هذا الخلاف الموجود فی الآراء ینبغی أن لا یدفن الشهداء المجهولون فی المساجد. هنا نرى من الضروری أن نؤکد على قضیتین:
الف: إن ما ذکرناه کان فی فرض عدم وجود حکم حکومتی وإلا فإن اعتقدنا بأن من حق الحکومة الإسلامیة أن تهدم بعض المساجد بدلیل وجود مصالح أهمّ وتبدلها إلى شوارع أو مشاریع أخرى[10] فعند ذلک من الطبیعی أن تکون قادرة على أن تسمح بدفن الشهداء المجهولین فی هذه الأماکن إن رأت المصلحة فی ذلک.
ب: کل هذا الکلام و الاختلاف فی الآراء یقع حول الدفن فی المسجد الشرعی أی الأرض التی جرت علیها صیغة الوقف وحدد ابعادها باعتبارها مسجداً و لها أحکام المسجد، و أما الدفن فی صحن المسجد الذی لیس جزءاً من المسجد شرعا فلا إشکال فیه و یجب فی هذا الأمر أن تلاحظ طبیعة الوقفیة الخاصة بکل مسجد.
6ـ بالنسبة إلى سؤالکم السادس فما یتعلق بموضوع الهتک و وهن الشهداء حال دفنهم فی هذه الأماکن، فبحثناه فی القسم الثانی من الأجوبة. و أما بالنسبة إلى الموضوع الآخر و هو قولکم بتعارض دفن الشهداء و بناء المزار لهم مع حقوق الناس من تلک الأمکنة فلا بد من أن نعلم أنه بناء على فتوى الإمام (قدس سره) "لا یجوز الدفن فی الأرض المغصوبة عینا أو منفعة، و منها الأراضی الموقوفة لغیر الدفن، و ما تعلق بها حق الغیر."[11]
قد یتبادر إلى الذهن أنه بناء على هذه الفتوى، یحرم دفن الشهداء فی الجامعات و الحدائق مطلقا، لکن نجد من جانب آخر أن فی کل العالم یقوم المدراء و المسؤولون على الأماکن العامة المتعلقة بالشعب ببناء بعض الأبنیة و التأسیسات التی لها علاقة بثقافة المجتمع و لیس فی هذا العمل إشکال بحد ذاته من ناحیة الشرع أو العرف بل یعتبر من صلاحیات المتولین. و هذا ما نجده فی نصب أنواع التماثیل و اللوحات الفنیة و النصب التذکاریة و حتى تماثیل الشهداء المجهولین. إذن إن خالف بعض الناس فی دفن الشهداء المجهولین فی الأماکن العامة و استدلوا على مخالفتهم بتعارضه مع حقوق الناس، فیبدوا أن مخالفتهم قبل أن تکون بدوافع قانونیة و شرعیة تنطلق من دوافع أخرى لا ارتباط لها بسؤالکم.
إذن فمن حق المتولین على الأماکن العامة أن یسمحوا بدفن الشهداء المجهولین کما لهم الصلاحیة على أن ینصبوا أنواع النصب و التماثیل فی الأماکن العامة التی تحت ادارتهم. و لا یخفى أن هذه القضیة لا ینبغی أن تؤدی إلى الإخلال فی الاستفادة الأولیة و العادیة و المشروعة من تلک الأماکن و کذلک یجب الانتباه إلى أنّ حتى لو عارض المتولون هذا الأمر یمکن القیام به فی حال وجود الحکم الحکومتی.[12]
إذن فإن تم الأمر بإذن المتولی أو الحکومة و کان ذلک فی دائرة صلاحیاتهم، تخرج القضیة عن موضوع غصب محل الدفن الذی جاء فی فتوى الإمام (قدس سره).
7ـ کما ذکر سابقاً إنّ إذن أصحاب الأرض و متولیها فی الدفن لازم و ضروری، لکن إن کان هناک قرار من الحکومة الإسلامیة، فعندئذ لا یحق للمالکین و المتولین أن یستندوا إلى مالکیتهم أو تولیتهم فی مخالفتهم لدفن الشهداء المجهولین.
کما أنه لا حاجة لکسب رضا المجاورین و أهالی المنطقة شرعاً و لیس له تأثیر فی شرعیة الدفن، إذ من الطبیعی أنه لا یمکن کسب رضا جمیع المجاورین فردا فردا و لا یحق لهم التدخل فی أمر الدفن فی المکان الذی لیس لهم. لکن مع هذا إن کانت الحکومة لم تعین مکانا معینا لدفن الشهداء و فوضت الأمر إلى المسؤولین، فینبغی أن یختاروا الأماکن التی یستبشر أهالیها بدفن الشهداء فی جوارهم، أو على الأقل یحاولوا أن لا یؤدی هذا الدفن إلى إیجاد اعنکاسات سلبیة شدیدة مما یؤدی- لا سامح الله- إلى هتک حرمة هؤلاء الشهداء العظام.
فی النهایة نؤکد أنه یحتمل أن تکون سلائق و آراء مختلفة فی أسلوب دفن الشهداء المجهولین، لکن على أی حال الجهة التی تتخذ القرار النهائی هی الحکومة الإسلامیة التی تدرس الآراء المختلفة و بعد ذلک تتخذ القرار الأصوب و تبلغه کقرار تنفیذی.
[1] القصص، 57؛ العنکبوت، 67.
[2] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 4، ص 563، ح 1.
[3] المصدر نفسه، ص 564، ح 5.
[4] المصدر نفسه ، ص 563، ح 1.
[5] المصدر نفسه ، ص 586، ح 2.
[6] إبن منظور، لسان العرب، ج 12، ص 123.
[7] الخمینی، روح الله، تحریر الوسیلة، ج 1، ص 89، مسئلة 8، مؤسسة مطبوعات دار العلم، قم، الطبعة الثانیة.
[8] البهجة، محمد تقی، وسیلة النجاة، ص 120.
[9] راجع: المحقق الداماد، سید محمد، کتاب الصلاة، ج 3، ص 171، مکتب النشر الإسلامی، قم، الطبعة الثانیة، 1416 ق.
[10] صحیفه الامام، ج 20، ص 452، "یحق للحاکم أن یهدم المسجد أو البیت الذی یقع فی امتداد شارع...".
[11] الخمینی، روح الله، تحریر الوسیلة، ج 1، ص 89، مسئلة 8.
[12] طبعا إن کان هناک حکم حکومتی، و إلا فیجب کسب رضا المالکین و المتولین.