إن عالم المجردات خال من الشرور و لا یوجد شیء باسم الشر فی هذا العالم؛ و انما هذا البحث یتعلق بعالم المادة فقط. و عندما نحلل الخیر و الشر نقول: الخیر ما تمیل الیه النفس حسب طبیعتها و تحبه و اذا خیرت بین عدة اشیاء اختارت أفضلها، و الشر ما یقع فی مقابل الخیر.
ثم ان الاشیاء من ناحیة الخیر و الشر تنقس الى خسمة اقسام: و الموجود من الأقسام الخمسة قسمان هما الأول الذی هو خیر محض و هو الواجب تعالى الذی یجب وجوده و له کل کمال وجودی و هو کل الکمال و الثالث الذی هو الخیر الغالب.
و أما الأقسام الثلاثة الباقیة فالشر المحض هو العدم المحض الذی هو بطلان صرف لا سبیل إلى وجوده، و ما شره غالب و ما خیره و شره متساویان تأباهما العنایة الإلهیة التی نظمت نظام الوجود على أحسن ما یمکن و أتقنه.
فالذی تعلقت به کلمة الإیجاد و الإرادة الإلهیة و شمله القضاء بالذات فی الأمور التی یقارنها شیء من الشر إنما هو القدر الذی تلبس به من الوجود حسب استعداده و مقدار قابلیته، و أما العدم الذی یقارنه فلیس إلا مستندا إلى عدم قابلیته و قصور استعداده. نعم ینسب إلیه الجعل و الإفاضة بالعرض لمکان نوع من الاتحاد بینه و بین الوجود الذی یقارنه.
قبل الشروع فی الاجابة عن السؤال المطروح نرى من اللازم التذکیر بأن بحث الشرور من البحوث المهمة و الحساسة للغایة حیث عرض الکثیر من الفلاسفة و المتکلمین مجموعة کبیرة من النظریات و تعددت الافکار فی هذا المجال، و ما سنذکرة فی الاجابة هو الرأی الذی یحظى بالرضا من قبل أکثر الفلاسفة و المتکلمین المسلمین.
و فی الحقیقة أن عالم المجردات خال من الشرور و لا یوجد شیء باسم الشر فی هذا العالم؛ و إنما هذا البحث یختص بعالم المادة فقط.
فعندما نحلل معنى الخیر و الشر نقول: الخیر ما تمیل الیه النفس حسب طبیعتها و تحبه و اذا خیرت بین عدة اشیاء اختارت أفضلها، و الشر ما یقع فی مقابل الخیر. بطبیعة الحال أن تفصیل الکلام هنا یحتاج الى بحث موسع لایسع المجال له.
ثم أن الأشیاء من حیث الخیرات و الشرور المنتسبة إلیها على خمسة أقسام:
1. إما خیر محض؛ 2.و إما شر محض؛ 3. و إما خیرها غالب؛ 4. و إما شرها غالب؛ 5. و إما متساویة الخیر و الشر.
و الموجود من الأقسام الخمسة قسمان هما الأول الذی هو خیر محض و هو الواجب تعالى الذی یجب وجوده و له کل کمال وجودی و هو کل الکمال و الثالث الذی خیره غالب فإن العنایة الإلهیة توجب وجوده لأن فی ترک الخیر الکثیر شراً کثیراً.
و أما الأقسام الثلاثة الباقیة فالشر المحض هو العدم المحض الذی هو بطلان صرف لا سبیل إلى وجوده، و ما شره غالب و ما خیره و شره متساویان تأباهما العنایة الإلهیة التی نظمت نظام الوجود على أحسن ما یمکن و أتقنه.
و أنت إذا تأملت أی جزء من أجزاء الکون وجدته أنه لو لم یقع على ما وقع علیه بطل بذلک النظام الکونی المرتبط بعض أطرافه ببعض من أصله و کفى بذلک شرا غالبا فی ترکه خیر غالب[1].
توضیح ذلک: ما نتصوره فی أذهاننا عن العدم لا یخرج عن إحدى حالتین إما العدم المطلق و هو نقیض الوجود المطلق و مقابله، و إما العدم المضاف و المنسوب للملکة وهو عبارة عن عدم کمال شیء قابل للاتصاف به کالعمى الذی هو عدم بصر موجود قابل للاتصاف به و لذلک لا یقال للجدار أعمى.
یقول العلامة الطباطبائی: إن الشرور التی فی العالم لما کانت مرتبطة بالحوادث الواقعة مکتنفة بها کانت أعداما مضافة لا عدما مطلقا فلها حظ من الوجود و الوقوع کأنواع الفقد و النقص و الموت و الفساد الواقعة فی الخارج الداخلة فی النظام العام الکونی، و لذلک کان لها مساس بالقضاء الإلهی الحاکم فی الکون لکنها داخلة فی القضاء بالعرض لا بالذات.
و ذلک أن الذی تتصوره من العدم إما عدم مطلق و هو عدم النقیض للوجود و إما مضاف إلى ملکة و هو عدم کمال الوجود عما من شأنه ذلک کالعمى الذی هو عدم البصر مما من شأنه أن یکون بصیرا.
و القسم الأول، إما عدم شیء مأخوذ بالنسبة إلى ماهیته کعدم زید مثلا مأخوذا بالنسبة إلى ماهیة نفسه، و هذا اعتبار عقلی لیس من وقوع الشر فی شیء إذ لا موضوع مشترک بین النقیضین. نعم ربما یقید العدم فیقاس إلى الشیء فیکون من الشر کعدم زید بعد وجوده، و هو راجع فی الحقیقة إلى العدم المضاف إلى الملکة الآتی حکمه.
و إما عدم شیء مأخوذ بالنسبة إلى شیء آخر، کفقدان الماهیات الإمکانیة کمال الوجود الواجبی، و کفقدان کل ماهیة وجود الماهیة الأخرى الخاص بها مثل فقدان النبات وجود الحیوان، و فقدان البقر وجود الفرس، و هذا النوع من العدم من لوازم الماهیات و هی اعتباریة غیر مجعولة.
و القسم الثانی، و هو العدم المضاف إلى الملکة فقدان أمر ما شیئاً من کمال وجوده الذی من شأنه أن یوجد له و یتصف به کأنواع الفساد العارضة للأشیاء و النواقص و العیوب و العاهات و الأمراض و الأسقام و الآلام الطارئة علیها، و هذا القسم من الشرور إنما یتحقق فی الأمور المادیة و یستند إلى قصور الاستعدادات على اختلاف مراتبها لا إلى إفاضة مبدإ الوجود فإن علة العدم عدم کما أن علة الوجود وجود.
فالذی تعلقت به کلمة الإیجاد و الإرادة الإلهیة و شمله القضاء بالذات فی الأمور التی یقارنها شیء من الشر إنما هو القدر الذی تلبس به من الوجود حسب استعداده و مقدار قابلیته، و أما العدم الذی یقارنه فلیس إلا مستندا إلى عدم قابلیته و قصور استعداده. نعم ینسب إلیه الجعل و الإفاضة بالعرض لمکان نوع من الاتحاد بینه و بین الوجود الذی یقارنه.[2]
انظر السؤال رقم 936 (الرقم فی الموقع: 1166).