التوسل لغة یعنی التقرب الى شیء الوَسِیلة ما یُتَقَرَّب به إلى الغَیْر .
و الملاحظ فی التوسل بأولیاء هو إتخاذهم وسیلة للتقرب الى الله تعالى، و التوسل الى الله تعالى یتم من خلال طریقین أحدهما التوسل بالمعصومین (ع) و الآخر التوسل الیه مباشرة بصفاته و ذاته المقدسة و لا منافاة بن الطریقین قطعاً فللانسان أن یختار أیهما شاء.
ثم ان إعتماد السبل التی رسمها لنا المعصومون یسهل لنا الطریق و یقصر لنا المسافة فی الوصول الى الهدف. و لکن هذا لا یعنی بحال من الاحوال أن الانسان لا یستطیع مناجاة ربه بصورة مباشرة و لا یتمکن من أن یدعوة بلا واسطة، بل ذلک میسر له متى شاء و أین ما شاء.
الوَسِیلة ما یُتَقَرَّب به إلى الغَیْر والجَمْع الوَسِیلُ والوَسَائِل. والتَّوْسِیل والتَّوَسُّل واحد یُقال وَسَّل فُلاَنٌ إلى رَبِّه وَسِیلة بالتشدید وتَوَسَّل إلیه بوَسیلة إذا تَقَرَّب إلیه بعمَل.[1] و الوسیلة التوصل إلى الشیء برغبة، و هی أخص من الوصیلة لتضمنها لمعنى الرغب.[2]
و لا ریب أن التوسل بالاولیاء الالهیین و الائمة المعصومین الذین یمثلون الانسان الکامل فی الارض، یعد من المفاهیم المسلمة التی أشارت الیها الآیات و الروایات الکثیرة.
و من الآیات القرآنیة قوله تعالى: " وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحیماً".[3]
و فی آیة أخرى: " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسیلَةَ وَ جاهِدُوا فی سَبیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ".[4]
و قد ورد فی الروایات الصادرة عن المعصومین علیهم السلام أنهم فسروا الوسیلة بهم علیهم السلام حیث روی عن أمیر المؤمنین (ع): فی قوله تعالى: «وَ ابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ»: أنا وسیلته. و قریب منه ما فی بصائر الدرجات، بإسناده عن سلمان عن علی (ع)، و یمکن أن یکون الروایتان من قبیل التأویل فتدبر فیهما.
و فی المجمع: روی عن النبی (ص): سلوا الله لی الوسیلة فإنها درجة فی الجنة- لا ینالها إلا عبد واحد و أرجو أن أکون أنا هو".[5]
فدور التوسل فی الدنیا کدور الشفاعة فی الآخرة لا یمکن إنکاره بحال من الاحوال. فبواسطة التوسل یتقرب الانسان الى الله تعالى و یطلب حاجاته المادیة و المعنویة.
قال تعالى فی کتابه الکریم " وابتغوا الیه الوسیلة"[6]
و قد ورد فی بعض الادعیة التوسل بذات الله وصفاته، کما ورد ذلک کله فی دعاء المباهلة: " اللهم إنی اسالک من جلالک بأجله و کل جلالک جلیل اللهم إنی أسالک من جمالک بأجمله و کل جمالک جمیل....".[7]
أضف الى ذلک أنه قد ورد فی القرآن الکریم " وَ قَالَ رَبُّکُمُ ادْعُونىِ أَسْتَجِبْ لَکمُ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَکْبرُِونَ عَنْ عِبَادَتىِ سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِین ".[8] و إنه تعالى أقرب الینا "مِنْ حَبْلِ الْوَرید"[9] و انه تعالى یعلم بخفایا الصدور.[10] و قد ورد فی مناجاة المطیعین: " لا وسیلة لنا الیک الا أنت".[11]
و کان الائمة أنفسهم یتوسلون بهذا الطریق لتحقیق حاجاتهم و تأمین مطالبهم من الله تعالى؛ فقد کانوا یخاطبون الله تعالى بلا واسطة و قد علمونا کیفیة مخاطبة الباری تعالى بصورة مباشرة وهذا ما نراه واضحا من خلال دعاء عرفة للامام الحسین (ع) الذی یجعل کل من یقرأه یشعر بانه یخاطب الله تعالى مباشرة و من دون واسطة.[12]
اتضح من جمیع ما مر:
التوسل الى الله تعالى یتم من خلال طریقین احدهما التوسل بالمعصومین علیهم السلام و الآخر التوسل الیه مباشرة بصفاته و ذاته المقدسة و لا منافاة بن الطریقین قطعاً فللانسان أن یختار أیهما شاء.
ثم ان التوسل بالائمة (ع) لا یعنی بحال من الاحوال أن الانسان لا یستطیع مناجاة ربه بصورة مباشرة و لا یتمکن من أن یدعوة بلا واسطة بل ذلک میسر له متى شاء و أین ما شاء.[13]
لکن ینبغی الالتفات الى أن إعتماد السبل التی رسمها لنا المعصومون یسهل لنا الطریق و یقصر لنا المسافة فی الوصول الى الهدف.[14]
ثم هل یسمح العبد - المقترف للذنوب و الذی یخجل من افعاله التی إرتکبها- لنفسه أن یتحدث مع ربّه بصورة مباشرة، و بما أنه یخجل من القیام بهذه المهمة العظیمة و الخطیرة من هنا یتوسل الى الله تعالى بالذوات المقربة الیه و الذین لهم شأن عنده سبحانه، لیتمکن من تأمین حاجته من خلال هذا الطریق المهیع.
من هنا نرى المؤمنین فی دعاء التوسل یبدأون بذکر تلک الذوات المقدسة و التوسل بهم أولاً ثم یردفون ذلک بطلب الحاجة منه تعالى.[15]
[1] الجوهری، صحاح اللغه، ماده" و س ل".
[2] العلامة الطباطبائی، المیزان فی تفسیر القرآن، ج5، ص: 32.
[3] النساء، 64.
[4] المائدة، 35.
[5] انظر: المیزان فی تفسیر القرآن، ج5، ص: 333.
[6] المائدة، 35.
[7] مفاتیح الجنان، دعاء یوم المباهلة.
[8] غافر، 60.
[9] ق،16.
[10] انظر: ابراهیم، 38.
[11] مفاتیح الجنان، دعاء الخامسعشر، مناجاة المطیعین ص 205.
[12] مفاتیح الجنان، دعاء الامام الحسین (ع) فی یوم عرفة.
[13] الادعیة الواردة عن المعصومین علیهم السلام تعلمنا السبیل الامثل من مخاطبة الله تعالى و التحدث معه، و لکن هذا لا یعنی أنه لا یحق للعبد أن یدعو بغیرها.
[14] و ذلک لان أهل البیت لهم مقامهم و شأنهم عند الله تعالى فهو یحبهم و یحبونه من هنا یکون التوسل بهم (ع) توسلاً بمحبتهم حیث نقرأ فی زیارة عاشوراء: " و أتقرب الى الله تعالى بحبکم"، و من الطبیعی من یحب شخصاً محبوباً من قبل الله تعالى یود أن یکون ذلک الشخص واسطة بینه و بین ربه للتقرب الیه سبحانه. أضف الى ذلک أن توسیط مثل هذه الذوات یوجب استجابت الدعاء و تأمین الحاجات.
[15] انظر: مفاتیح الجنان، دعاء التوسل.