ورد فی تعالیم دیننا أنه لا یوجد أحد من السابقین أنبیاء و أوصیاء و أولیاء یفوق الإمام (ع) بالفضیلة، إلا فی فضیلة النبوة، و أما من جهة أخرى فإن الإمام وارث جمیع العلوم التی کانت فی حوزة الأنبیاء جمیعاً کما ورد فی بعض الروایات أن الاسم الأعظم له ثلاثة و سبعون حرفاً لیس للأنبیاء السابقین منها إلى النزر الیسیر، و حتى إبراهیم (ع) الذی یعد من أعاظم الأنبیاء و کان صاحب شریعة، إلا أنه لا یملک من حروف الإسم الأعظم إلا ثمانیة حروف، فی حین لدى نبی الإسلام محمد (ص)، إثنان و سبعون حرفاً، و إن أئمة الشیعة (ع) ورثوا عن محمد (ص) جمیع هذه الحروف بالتمام و الکمال.
بحسب ما جاء فی تعالیمنا الدینیة فإن الأنبیاء و الأولیاء و أئمة الشیعة یحظون بمقام عظیم و منزلة رفیعة، و إن أفضلیة أئمة الشیعة على سائر الأنبیاء عدا محمد (ص) أمرٌ قابل للإثبات، نشیر هنا إلى بعض من الأدلة التی تثبت ذلک.
1ـ إن منصب الإمامة أعلى من منصب النبوة، کما ورد فی القرآن الکریم بشأن إبراهیم (ع) حیث یقول تعالى: «وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی قَالَ لا یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ»[1].
یقول العلامة الطباطبائی فی تفسیر هذه الآیة: إن إبراهیم(ع) وصل إلى مقام الإمامة فی آخر عمره الشریف و بعد أن تجاوز العدید من الإمتحانات والابتلاءات العسیرة، مع أنه کان حائزاً على مرتبة الرسالة، و مع ذلک لم یکن قد توصل إلى ظرفیة استقبال الإمامة إلا بعد الإمتحان[2].
2ـ الذی نجده فی کلامه تعالى: أنه کلما تعرض لمعنى الإمامة تعرض معها للهدایة تعرض التفسیر، قال تعالى فی قصص إبراهیم ع: «وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ نافِلَةً وَ کُلًّا جَعَلْنا صالِحِینَ وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا»: الأنبیاء- 73، و قال سبحانه: «وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَ کانُوا بِآیاتِنا یُوقِنُونَ»: السجدة- 24، فوصفها بالهدایة وصف تعریف، ثم قیدها بالأمر، فبین أن الإمامة لیست مطلق الهدایة، بل هی الهدایة التی تقع بأمر الله.
و بالجملة فالإمام هاد یهدی بأمر ملکوتی یصاحبه، فالإمامة بحسب الباطن نحو ولایة للناس فی أعمالهم، و هدایتها إیصالها إیاهم إلى المطلوب بأمر الله دون مجرد إراءة الطریق الذی هو شأن النبی و الرسول و کل مؤمن یهدی إلى الله سبحانه بالنصح و الموعظة الحسن[3].
3ـ إن النبی عیسى (ع) من أولی العزم، و یتمتع بمقام النبوة، و إنه سوف یظهر فی وقت ظهور إمام الزمان (ع)، و إنه سوف یقتدی بحضرته[4].
و مما یقال فی إیضاح هذا المطلب: بحسب معاییر الکتاب و السنة و قواعد الحکمة المتعالیة، و أصول المعارف العرفانیة التی تعد شرحاً و تفسیراً لبطون و أسرار الکتاب و السنة، صحیح، أن الانسان یکون متصفاً بحقائق و دقائق أسماء الله تعالى، و لکنه لیس له مرتبة النبوة التی تعد منصباً تشریعیاً فهو من الجهات الأخرى یکون مقدماً على النبی، کما لو فرضنا وجود شخص یتمتع بمنصب القضاء و إن حکمه نافذ. و لکن هذا المقام عرضی و زائل، و من الممکن أن یکون إلى جانبه شخص لا یمتلک منصب القضاء و الحکم إلا أنه یتمتع بمنزلة علمیة أو أفضلیة تفوق منزلة الحاکم و القاضی.
و علیه فمهما یکون لعیسى (ع) من الأفضلیة فی جانب المنزلة التشریعیة و لکن الإمام المهدی (ع) له الأفضلیة من جهة الولایة التکوینیة، و من هنا تکون له الأفضلیة على الأنبیاء الآخرین و حتى عیسى (ع) الذی یعد من أولی العزم[5]. و لعل الشاهد على هذه المسألة ما جرى بین موسى (ع) و الخضر الذی یبینه القرآن فی عدة آیات بینات، کان موسى (ع) صاحب شریعة و له مقام النبوة و الإمامة، و یضاف إلى ذلک أنه کان کلیم الله و لکنه کان یتعلم من عبد صالح وهبه الله علماً لدنیاً مع أنه لیس من أصحاب الشرائع و الکتب، و قد صاحبه موسى شریطة أن یعلمه مما أتاه الله من العلم، و کان الخضر یخاطب موسى (ع) و یقول: «إنک لن تستطیع معی صبراً»، بل کان یخاطبه بلهجة شدیدة و یقول: «أَلَمْ أَقُلْ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْرًا»[6].
4ـ إن الاسم الأعظم الإلهی یحتوی على ثلاثة و سبعین حرفاً، کان آصف بن برخیا یعلم حرفاً واحداً، و عیسى (ع) حرفین، و موسى (ع) أربعة حروف، و إبراهیم(ع) ثمانیة حروف و نوح (ع) خمسة عشر حرفاً، و آدم (ع) عشرین حرفاً، و أما محمد (ع) فکان یعلم اثنین و سبعین حرفاً، و إنه علم الأئمة (ع) تمام هذه الحروف الإثنین و السبعین[7].
5ـ إن جمیع ما کان للأنبیاء (ع) کان للأئمة (ع) مثل عصا موسى (ع)، و هی الآن بید إمام الزمان(عج)[8].
6ـ کل ما کان للنبی الأکرم (ص) کان للأئمة المعصومین (ع) إلا النبوة، کان النبی الأکرم (ص) یخاطب علیاً(ع): «إنک تسمع ما أسمع و ترى ما أرى إلا أنک لست بنبی»[9]،[10] و یقول الإمام الحسن(ع): « لقد قبض فی هذه اللیلة رجل لم یسبقه الأولون بعمل، و لا یدرکه الآخرون بعمل»[11]. و على هذا الأساس فکما أن النبی الأکرم (ص) أفضل من جمیع الأنبیاء، فإن أئمة الشیعة المعصومین (ع) أفضل من جمیع الأنبیاء باستثناء النبی محمد خاتم الأنبیاء (ص).
للاطلاع أکثر فیما یخص مقام الأئمة(ع) انظر:
1ـ خصائص الأئمة فی القرآن، السؤال 4416 (موقع: 4686).
2ـ الفرق بین النبی و الإمام، السؤال 5396 (الموقع: 5818).
3ـ امتیازات النبی على الإمام السؤال 1384 (الموقع: 4231)
[1] البقرة، 124.
[2] العلامة الطباطبائی، المیزان، ج1، ص-274270، قم، جامعة مدرسین حوزة علمیة، 1417هـ الطبعة الخامسة.
[3] المصدر نفسه، ص411.
[4] المجلسی، بحار الأنوار، ترجمة دوانی، ص 167، منشورات دار الکتب الإسلامیة، الطبعة 28، طهران، 1378ش.
[5] حسن زادة آملی، حسن، الإنسان الکامل فی نهج البلاغة، ص84، الطبعة الثانیة، منشورات قیام، قم.
[6] الکهف، 60إلى 82.
[7] اقتباس من جواب 5723 (الموقع: 6419).
[8] الکلینی، أصول الکافی،....، ج2، ص215، الطبعة الرابعة، منشورات اسوه، قم، 1379 ش.
[9] السید الرضی، نهج البلاغة، خطبة 192 (القاصعة).