المباهلة تعنی أن کلا من المتباهلین یدعو على صاحب بان یظهر الله باطله و یتجلى حق صاحب الحق لیتمیز الحق عن الباطل، وهی نوع من الدعاء و الابتهال، من هنا یجب أن تتوفر فیها شروط خاصة نشیر الى بعضها: أن یصلح المباهل نفسه ثلاثة أیام، الصیام.، الغسل، الخروج مع من یباهله الى الصحراء، أن تکون السَّاعَةُ الَّتِی یُبَاهِلُ فِیهَا مَا بَیْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.
لاشک أنّ المباهلة لا تختص بالنبی الاکرم (ص) فلا مانع من أن تکون المباهلة مع المعارضین حکما عامّا، و أنّ الأتقیاء من المؤمنین الذین یخشون اللّه، لهم یطلبوا من الذین لم ینفع فیهم المنطق و الاستدلال التقدّم للمباهلة. الجدیر بالذکر أن شروط المباهلة و الاخلاص اللازم فیه لا یجعل قضیة المباهلة متیسرة لکل انسان وانه لا ینبغی الاستعجال فیها اذ لعل ذلک یؤدی الى نتیجة عکسیة.
ثم أن مجال المباهلة هو المنازعات و الاختلافات الدینیة و المذهبیة فما لم تحل القضیة بالحوار والمنطق ویصل الأمر الى الجحود والانکار فحینئذ تصل النوبة الى المباهلة.
اما المباهلة مع نصارى نجران کما تنقل لنا کتب التفسیر والحدیث فقد ختمت بالصلح بعد أن رأى النصارى علامات صدق النبی الاکرم (ص).
بما أن السؤال یتوزع على مجموعة من المقدمات من هنا نقدم للاجابة بمقدمة مختصرة بحسب الترتیب الوارد فی متن السؤال.
المباهلة لغة:
«مباهلة» فی الأصل من مادة «بهل» (على وزن اهل) بمعنى اطلاق و فک القید عن الشیء و بذلک یقال للحیوان الطلق حیث لا توضع محالبها فی کیس کی یستطیع ولیدها أن یرضع بسهولة یقال له: «باهل»، و «ابتهال» فی الدعاء بمعنى التضرع و تفویض الأمر إلى اللّه.
المباهلة اصطلاحاً:
امّا مفهوما: فما هو المعروف نزول هذه الآیة، بمعنى الملاعنة بین الشخصین، و لذا یجتمع أفراد للحوار حول مسألة دینیة مهمّة فی مکان واحد و یتضرعون اللّه أن یفضح الکاذب و یعاقبه[1].
و المباهلة تعنی أن کلا من المتباهلین یدعو على صاحب بان یظهر الله باطله و یتجلى حق صاحب الحق لیتمیز الحق عن الباطل.[2]
و من الطبیعی أن طرفی المباهلة لابد أن یکونا معتقدین بالله تعالى القادر على القیام بذلک الأمر، لان الملحد و المنکر لله تعالى لایرى معنى للطلب من الله تعالى أن یحقق ذلک له أو علیه.
اما جواب سؤالکم حسب الترتیب الذی ورد فیه، فهو بالنحو التالی:
1- هل للمباهلة شروط خاصة حتى یتمکن الانسان من مباهلة غیره؟
کما مر فی تعریف المباهلة أنها نوع من الدعاء و الابتهال، من هنا یجب أن تتوفر فیها شروط الدعاء[3].لکن مع الأخذ بنظر الاعتبار أن المباهلة دعاء خاص من هنا تکون لها شروط خاصة نشیر هنا الى بعضها:
ورد فی الاحادیث عن الائمة علیهم السلام فی کیفیة المباهلة:
الف: أن یصلح المباهل نفسه ثلاثة أیام.
ب.الصیام.
ج. الغسل.
د. الخروج مع من یباهله الى الصحراء.
هـ. ان تکون السَّاعَةُ الَّتِی یُبَاهِلُ فِیهَا مَا بَیْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.
و. یَشَبِّکْ أَصَابِه مِنْ یَدِه الْیُمْنَى فِی أَصَابِعِ من یباهله.
ز. ثُمَّ ینْصِفْهُ وَ یبْدَأْ بِنَفْسِه وَ یقوُل: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَ رَبَّ الْأَرَضِینَ السَّبْعِ عَالِمَ الْغَیْبِ وَ الشَّهَادَةِ الرَّحْمَنَ الرَّحِیمَ إِنْ کَنت جَحَدت حَقّاً وَ ادَّعَیت بَاطِلًا فَأَنْزِلْ عَلَی حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ أَوْ عَذَاباً أَلِیماً ثُمَّ یرُدَّ الدَّعْوَةَ عَلَیْهِ فیَقُولْ: وَ إِنْ کَانَ فُلَانٌ جَحَدَ حَقّاً وَ ادَّعَى بَاطِلًا فَأَنْزِلْ عَلَیْهِ حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ أَوْ عَذَاباً أَلِیماً. ثُمَّ قَالَ الامام فَإِنَّکَ لَا تَلْبَثُ أَنْ تَرَى ذَلِکَ فِیهِ فَوَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ خَلْقاً یُجِیبُنِی إِلَیْهِ.[4]
2- اما بالنسبة الى السؤال الثانی هل یحق لکل انسان یرید ان یثبت حقه مباهلة الآخرین؟ و بعبارة أخرى هل المباهلة شأن عام أو انها من مختصات النبی الاکرم (ص)؟
قد یقال استناداً الى سبب نزول الآیة المبارکة و کون الخطاب موجهاً للنبی الاکرم (ص) بان المباهلة من مختصاته (ص)، لکن ذلک غیر صحیح فلایمکن اعتبار المباهلة من خصائصه (ص) بل یحق لسائر المؤمنین الاستفادة منها و المباهلة مع الخصوم و المعاندین؛ و ذلک:
اولا: استناداً الى القاعدة المسلمة بان خصوص المورد لا یخصص الوراد بمعنى أن سبب النزول لا یحدد الآیة بما نزلت فیه.[5]
و ثانیاً: لاشک أنّ هذه الآیة لیست دعوة عامّة للمسلمین للمباهلة، إذ أنّ الخطاب موجّه إلى رسول اللّه صلى اللّه علیه و آله و سلّم وحده. و لکن هذا لا یمنع من أن تکون المباهلة مع المعارضین حکما عامّا، و أنّ الأتقیاء من المؤمنین الذین یخشون اللّه، لهم یطلبوا من الذین لم ینفع فیهم المنطق و الاستدلال التقدّم للمباهلة.[6]
ثالثا: تظهر عمومیة هذا الحکم فی بعض الروایات الإسلامیة، فقد روى الکلینی فی الکافی عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: إذا کان کذلک (أی إذا لم یقبل المعاند الحقّ) فادعهم إلى المباهلة...[7]
من هنا یمکن القول أنه یحق لکل انسان إثبات حقانیتة ما یعتقده من خلال المباهلة مع رعایة الشروط اللازمة فیها.[8]
3. اما بالنسبة الى السؤال حول القضایا التی یمکن المباهلة فیها، نقول:
کما مر أن مجال المباهلة کما یظهر من الآیة المبارکة هو المنازعات و الاختلافات الدینیة و المذهبیة فما لم تحل القضیة بالحوار والمنطق ویصل الأمر الى الجحود والانکار فحینئذ تصل النوبة الى المباهلة.[9]
4. اما بالنسبة الى السؤال الآخر حول وقوع المباهلة حقیقة أم لا، و قلتم: إن ما ورد فی القرآن الکریم لایدل على وقوعها فعلا لان الطرف الثانی إنسحب منها و تراجع عن إجرائها، هل هذا الأمر حقیقة؟
لکی تتضح الاجابة نرى من المناسب التعرض لبیان أصل المباهلة:
روی فی سبب نزول الآیة أنه (ص) لما أورد الدلائل على نصارى نجران، ثم إنهم أصروا على جهلهم، فقال (ص): «إن اللّه أمرنی إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلکم» فقالوا: یا أبا القاسم، بل نرجع فننظر فی أمرنا ثم نأتیک فلما رجعوا قالوا للعاقب: و کان ذا رأیهم، یا عبد المسیح ما ترى، فقال: و اللّه لقد عرفتم یا معشر النصارى أن محمداً نبی مرسل، و لقد جاءکم بالکلام الحق فی أمر صاحبکم، و اللّه ما باهل قوم نبیاً قط فعاش کبیرهم و لا نبت صغیرهم و لئن فعلتم لکان الاستئصال فإن أبیتم إلا الإصرار على دینکم و الإقامة على ما أنتم علیه، فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادکم و کان رسول اللّه (ص) خرج و علیه مرط من شعر أسود، و کان قد احتضن الحسین و أخذ بید الحسن، و فاطمة تمشی خلفه، و علی رضی اللّه عنه خلفها، و هو یقول، إذا دعوت فأمنوا، فقال أسقف نجران:
یا معشر النصارى، إنی لأرى وجوها لو سألوا اللّه أن یزیل جبلا من مکانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلکوا و لا یبقى على وجه الأرض نصرانی إلى یوم القیامة، ثم قالوا: یا أبا القاسم، رأینا أن لا نباهلک و أن نقرک على دینک فقال صلوات اللّه علیه: فإذا أبیتم المباهلة فأسلموا، یکن لکم ما للمسلمین، و علیکم ما على المسلمین، فأبوا، فقال: فإنی أناجزکم القتال، فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة، و لکن نصالحک على أن لا تغزونا و لا تردنا عن دیننا، على أن نؤدی إلیک فی کل عام ألفی حلة: ألفا فی صفر، و ألفا فی رجب، و ثلاثین درعاً عادیة من حدید، فصالحهم على ذلک، و قال: و الذی نفسی بیده، إن الهلاک قد تدلى على أهل نجران، و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازیر، و لاضطرم علیهم الوادی ناراً، و لاستأصل اللّه نجران و أهله، حتى الطیر على رؤوس الشجر، و لما حال الحول على النصارى کلهم حتى یهلکوا.[10]
من هنا یتضح جلیاً أن جمیع مقدمات المباهلة قد تمت، لکن لما تراجع الطرف الآخر أمام اصرار النبی الاکرم (ص) وإیمانه الراسخ بنفسه و دعوته ودب الرعب فی نفوس قادة النصارى، استسلموا قبل أن تتم المباهلة. هذه هی قصة المباهلة و لم یحدثنا التأریخ أن مباهلة أخرى وقعت غیرها.
[1] الشیخ ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج2، ص: 523، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، 1421هـ، قم، الطبعة الاولى.
[2] حسن مصطفوی، التحقیق فی کلمات القرآن الکریم، ج1، ص: 348، بتصرف، نشر بنگاه ترجمه و نشر کتاب، طهران، 1360هجری شمسی.
[3] انظر السؤال رقم 896 (الموقع: 982) شروط استجابة الدعاء حتماً؛ و السؤال رقم 2145 (الموقع: 2269) شروط و سبل استجابة الدعاء.
[4] الکلینی، الکافی، ج : 2 ص : 513، باب المباهلة، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365 هجری شمسی.
[5] السید الحکیم، محسن، حقائق الاصول، ج2، ص589.
[6] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج2، ص: 533.
[7] الکلینی، الکافی، ج 2، ص 513.
[8] ینبغی الالتفات الى انه صحیح ان القرآن الکریم قد طرح موضوع مباهلة النبی الاکرم (ص) مع نصارى نجران، لکنه فی خصوص الاختلاف بین الزوجین فی مسالة القذف بالزنا من قبل الزوج طرح مسالة اللعان وهی فی الحقیقة نوع من المباهلة مع شروط خاصة منها الحضور عند الحاکم و غیر ذلک. انظر: ترجمة اصول الکافی، ج6، ص630.
[9] الکلینی، الکافی، ج 2، ص 513.
[10] الفخر الرازی، مفاتح الغیب، ج8، ص248؛ وهناک مصادر حدیثیة وتفسیریة أخرى اشارت الى سبب النزول هذا بتفاوت یسیر، منها: صحیح مسلم، جزء 12، ص 129، رقم 4420؛ سنن الترمذی، جزء 10، ص 260، رقم 2925 و جزءالورد 12، ص 187، رقم 3658؛ مسند احمد، جزء 4، ص 32، رقم 1422؛ الحاکم، المستدرک علی الصحیحین، جزء 11، ص 26، رقم 4702، وقال صحیح علی شرط الشیخین؛ و انوار التنزیل و أسرار التأویل، ج2، ص: 20 و المعجم الکبیر للطبرانی؛ صحیح ابن حیان، مشکل الآثار للطحاوی؛ و قال الفخر الرازی فی ذیل تفسیر الآیه المذکور بعد بیان شأن نزول آیه التطهیر: روی أنه علیه السلام لما خرج فی المرط الأسود، فجاء الحسن رضی اللّه عنه فأدخله، ثم جاء الحسین رضی اللّه عنه فأدخله ثم فاطمة، ثم علی رضی اللّه عنهما ثم قال: إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً [الأحزاب: 33] و اعلم أن هذه الروایة کالمتفق على صحتها بین أهل التفسیر و الحدیث.