ما روي عن أمير المؤمنين (ع) من حديث البصيرة يرتبط بقضية البحث عن رؤية الله تعالى، الذي يعد من الابحاث التي أثارها المتكلمون، فاختلف كلمة الباحثين فيها و تعددت آراء الفرق و المذاهب حولها، الا ان القول الحق يتمثل بالتفريق بين الرؤيتين البصرية و القلبية و استحالة الاولى و إمكان الثانية، بل الثانية قد نزلت الى حيز الواقع من قبل الاولياء الالهيين، و المراد منها هنا تجلي الله تعالى في مخلوقاته و مظاهر الاسماء و الصفات، لا رؤية كنه ذاته تعالى. و هذه الرؤية نفس المعرفة الشهودية بالله تعالى و التي ورد التعبير عنها في لسان الروايات بالرؤية القلبية.
و المعرفة القلبية بالله تعني مشاهدة تجليات الحق تعالى، و قد صنفها العرفاء على عدة مراتب تختتم المرتبة الاخيرة منها ( مرتبة الفناء و البقاء) بالتجلي الذاتي لله تعالى.
و هناك سؤال آخر يطرح في هذا المجال و هو: ما العلاقة بين مسألة الشهود أو الرؤية القلبية لله و بين كلمة " لا إله الا الله" التوحيد؟
وجوابه أن المعيار من الزاوية العملية يمكن في درجة الاخلاص، و أنه اذا أخلص الانسان في توحيده و الاعتقاد بكلمة لا إله الا الله، إنطلاقاً من المعرفة لا التقليد و التبعية و لا مجرد لقلقة لسان و ترديد الفاظ، كان درجة انفتاحه على الله تعالى أكمل، و ازدادت التجليات الالهية في قلبه. و بعبارة أخرى: كلما نفى ما سوى الله " لا إله" و إثبت "الا الله" في نفسه إرتقت مرتبة التجلي الالهي في نفسه.
ما روي عن أمير المؤمنين (ع) من حديث البصيرة يرتبط بقضية البحث عن رؤية الله تعالى، الذي يعد من الابحاث التي أثار المتكلمون الجدل حولها في الصدر الاول من الاسلام، فذهب كل فريق الى تبني رأي من الآراء في هذا المجال.[1]
كذلك ورد في أكثر من موضع من القرآن الكريم الحديث عن "لقاء الله" و "النظر الى وجه الله" و هناك ابواب مستقلة في المصادر الحديثية تختص بالحديث عن رؤية الله نفياً و إثباتاً. من هنا اختلف كلمة الباحثين في هذا الشأن و تعددت آراء الفرق و المذاهب فيها، الا ان القول الحق يتمثل في التفريق بين الرؤيتين البصرية و القلبية و القول باستحالة الاولى و إمكان الثانية، بل الثانية قد نزلت الى حيز الواقع من قبل الاولياء الالهيين، و المراد منها هنا تجلي الله تعالى في مخلوقاته و مظاهر الاسماء و الصفات، لا رؤية كنه ذاته تعالى.
و هذه الرؤية نفس المعرفة الشهودية بالله تعالى و التي ورد التعبير عنها في لسان الروايات بالرؤية القلبية، من قبيل ما روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "ما کنت اعبد ربّاً لم أره، قال: و کیف رأیته؟، قال: ویلک لاتدرکه العیون في مشاهدة الابصار و لکن رأته القلوب بحقائق الایمان".[2]
و المعرفة القلبية بالله تعني مشاهدة تجليات الحق تعالى، و قد صنفها العرفاء على عدة مراتب تختتم المرتبة الاخيرة منها ( مرتبة الفناء و البقاء) بالتجلي الذاتي لله تعالى.
و التقسيم الرائج لمراتب التجليات الالهية عبارة عن: التجليات الذاتية، و الصفاتية و الافعالية؛ و التجليات الذاتية تنقسم بدورها الى تجليات الربوبية و الإلوهية.[3]
و يرى العرفاء أن التجلي الذي ظهر لموسى (ع) في جبل طور هو من نوع التجلي الربوبي لا التجلي الالوهي؛ و ذلك لان من شروط التجلي الإلوهي فناء أنانية العبد فناء تاماً، و مع بقاء الانانية يستحيل الوصول الى هذا النوع من الشهود.
انطلاقا من هذا التفسير يمكن القول: صحيح أنه تستحيل الرؤية البصرية، إلا ان الرؤية القلبية بمعنى شهود الحق في التلجليات الافعالية و الصفاتية متصورة؛ مع الاخذ بنظر الاعتبار أن الشهود الذاتي في مقام الالوهية لا يتم الا بفناء ذات العبد فناءً تاماً.
من هنا نعرف بأن للشهود القلبي مراتب مختلفة تعم السلوك و المقامات العرفانية، الا ان التجلي الالوهي الذاتي لله تعالى لا يتحقق الا بيقظة العارف، و إن كانت الحجب الظلمانية قد رفعت. و عليه فخطاب " لن تراني"[4] في رد طلب موسى (ع) لا يعني نفي مطلق الرؤية القلبية. نعم، اختص النبي الاكرم (ص) – كما يقول العرفاء- بحصول جميع التجليات له و على رأسها التجلي الالوهي الذاتي.
و من العرفاء الذين تعرضوا لهذه القضية العارف المشهور ابن عربي حيث قال: التجلي الذاتي على نوعين، التجلي الربوبي و التجلي الالوهي؛ و التجلي الربوبي هو ما تجلى لموسى (ع) في جبل طور الذي لم يكن فيه وجود موسى (ع) قد فني بالكامل حتى مع تلاشى الجبل و اندكاكه عندما تجلى له الله تعالى و خر موسى صعقا[5]، و أما التجلي الالوهي فمن مختصات الرسول الاكرم (ص) لفنائه في ذات الله تعالى، حتى قال تعالى بشأنه: " إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّه".[6]
و هنا يطرح السؤال التالي: ما العلاقة بين مسألة الشهود أو الرؤية القلبية لله و بين كلمة " لا إله الا الله التوحيد؟
قيل في مقام الاجابة عن السؤال المطروح بان الانسان يعيش في جميع مراتب التجلي - الأعم من التجلي الفعلي و الصفاتي و الذاتي- حالة طردية بين درجة الفناء في التوحيد الافعالي و الصفاتي و الذاتي و بين مرتبة التجلي الحاصلة له، فكلما ازدادت درجة الفناء إرتقى العبد الى مرتبة من الشهود أرفع من سابقتها، و كلما ضعفت نسبة فناء الذات كان مرتبة التجلي و الشهود أضعف.
و على هذا يكون المعيار من الزاوية العملية، أنه اذا أخلص الانسان في توحيده و الاعتقاد بكلمة لا إله الا الله، إنطلاقاً من المعرفة لا التقليد و التبعية و لا مجرد لقلقة لسان و ترديد الفاظ، كان درجة انفتاحه على الله تعالى أكمل، و ازدادت التجليات الالهية في قلبه. و بعبارة أخرى: كلما نفى ما سوى الله " لا إله" و إثبت "الا الله" في نفسه إرتقت مرتبة التجلي الالهي في نفسه.
فكلما ارتفعت درجة التوحيد، و التي من أرفعها التوحيد الوجودي – إنطلاقا من الايمان بانه لا وجود الا وجود الله تعالى (وحدة الوجود العرفانية)- زاد فناء أنانية العبد، و كانت النتيجة ارتقاء المرتبة الشهودية عنده، كما أوضحنا ذلك في التجلي الذاتي الالهي.
تحصل: أن مقام الشهود القلبي للحق تعالى يمثل الغاية القصوى و المرتبة العليا من مراتب السير التكاملي للانسان، التي لا ينالها العبد بمجرد الخوض في البراهين العقلية و الاستدلالات الفكرية فقط، و إنما تحتاج بالاضافة الى ذلك الى السير و الحركة الوجودية و يكون كدحه متجهاً نحو هذه الغاية، و هذا ما أشار اليه القرآن الكريم: " یا ایّها الانسان انّک کادحٌ الی ربّک کدحاً فملاقیه".[7]
[1] دائرة المعارف، التشیع، ج 8، ص 404 و 408 تا 409، نشر شهید حجتي، طهران، 1379ش.
[2] کافی، ج 1، ص 97، دارالکتب الاسلامیة، تهران، 1365.
[3] دائرة معارف بزرگ اسلامي، ج 14، ص 589 و 590. نشر مرکز دائرة المعارف الاسلامیة الکبری، الطبعة الاولی، 1385.
[4] الاعراف، 143.
[5] " فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقا" (الاعراف: 143)
[6] رسائل ابن عربي، رسالة الغوثیة، ص 29، مقدمه و تصحیح، مایل هروي، انتشارات مولی طهران، 1367.
[7] الانشاق، 6.