إن کون النبی (ص) و أهل البیت (ع) أحیاء فذلک بالمعنى الذی ورد فی القرآن الکریم فیما یخص الشهداء «و لا تحسبن الذین قتلوا فی سبیل الله أمواتاً بل أحیاء عند ربهم یرزقون» و هناک روایات کثیرة تشیر إلى أن الأئمة أحیاء بهذا المعنى، و لیس بمعنى أنهم أحیاء کما هی الحیاة الدنیویة، و ذلک لأن جمیع المعصومین الأربعة عشر ما عدا الإمام المهدی (عج) عاشوا حیاتهم فی مقطع زمنی معین ثم غادروا الدنیا إما بالشهادة أو الموت الطبیعی. و بهذا تکون هناک حیاة حقیقیة للروح و هی أفضل من حیاة الدنیا و أما بالنسبة للمعصومین فإن هذه الحیاة تکون فی أعلى درجاتها. و یکون هذا باعثاً لجعلهم مشرفین على أمور العالم، و أنهم یتمتعون بحیاة أعلى مرتبة من الحیاة الدنیویة، و أن لهم حضوراً فی العالم.
و الدلیل النقلی لهذا المدعى الکثیر من الآیات و الروایات و التی تؤکد على الحیاة الحقیقیة بعد الموت و قبل القیامة، و توجد روایات کثیرة فیما یتعلق بمقامات و مراتب المعصومین (ع) و سعة وجودهم مما لا یترک مجالاً للتردد فی هذه المسألة، و أبسط دلیل عقلی یمکن أن یقام هو تجرد النفس الناطقة الذی یثبت حیویة و فعالیة و تأثیر أرواح و وجود المعصومین فی محیط أوسع من محیط هذه الحیاة المادیة.
من المعتقدات التی یؤمن بها مریدو النبی (ص) و أهل البیت (ع) أن النبی و أهل بیته لیسوا معلمین ألقوا تعلیماتهم التی ترکت آثارها فی المجتمع ثم غادروا و اختفت آثارهم، و إنما یعتبر هؤلاء الأطهار وجوداً شریفاً حاضراً بشکلٍ دائم، خصوصاً بالنسبة لأتباعهم فإنهم یمارسون الإشراف و المراقبة على نشاطهم. و مع أن الأمر أکثر وضوحاً بالنسبة لإمام الشیعة الذی یؤمنون بوجوده و حیاته و هو «إمام الزمان»، و لکن قاعدة الهدایة الباطنیة و الحضور المؤثر خصوصاً فی الأمور المتعلقة بالتوسلات المعنویة، فإن الأمر صادق علی جمیع المعصومین الأربعة عشر.
و هذه النظرة إلى المعصومین تعتمد على مکانتهم القدسیة و مراتبهم الباطنیة و بهذا اللحاظ سوف لا یوجد تفاوت و اختلاف بین المیّت و الحی و الغائب و الشاهد.
و إن المبنى الکلامی و القرانی و العقلی على هذا المدعى و قبل کل شیء هو تجرّد النفس الناطقة، و الحیاة الحقیقیة للإنسان. و إنها حیاة أفضل و أعلى مرتبة من الحیاة المادیة، کما ورد فی زیارات الأئمة (ع): «أشهد أنک تشهد مقامی، و تسمع کلامی، و أنک حی عند ربّک ترزق»[1]، فإن القول «إنک حی ترزق» إشارة إلى الآیة الشریفة فی قوله تعالى: «و لا تحسبن الذین قتلوا فی سبیل الله أمواتاً بل أحیاءٌ عند ربهم یرزقون»[2][3]، فهذه الآیة فی مقام إثبات الحیاة الحقیقیة الأفضل للشهداء عند الله، و تدل على أن الموت لیس فقط لم یسلبهم الحیاة، و القدرة الروحیة و حسب، بل أضاف إلى سعة وجودهم وحضورهم مساحة أخرى و إن هذه الحقیقة صادقة بأشد ما یکون فی مورد النبی (ص) و الأئمة (ع)، لأن أقل مقام معنوی لهم هو مرتبة الشهادة. و علیه فکون النبی (ص) و أهل البیت أحیاء هو بهذا المعنى، لأن کل واحد من المعصومین الأربعة عشر عدا الإمام صاحب الزمان (عج) عاشوا حیاتهم الدنیویة فی مقطع زمنی معین و فی نهایة الأمر وصلوا إلى مرتبة الشهادة أو الموت الطبیعی فغادروا هذا العالم.
و على هذا الأساس، و بالتوجه إلى سعة الروح و قدراتها الروحیة ینقلنا إلى حقیقة مؤداها أن الموت و فقدان الجسم المادی لا یکون له أثرٌ ذاتی فی آثار الروح و فعالیتها، و إن هذا الأمر یکون أشد بمراتب متعددة بالنسبة للنبی (ص) و أهل البیت (ع) و التی تتصل أرواحهم بالروح الإلهی، و مع أن کیفیة إدراک هذه الحقائق الباطنیة غیر ممکن بالمباحث الظاهریة و بالعقل الجزئی و إن أقل إدراکنا لهذه الحقائق هو تأکید القرآن على الحیاة الحقیقیة التی تتحقق بعد الموت، و لا یمکن حمل المعنى للحیاة الحقیقیة على هذه الحیاة الدنیویة، یقول تعالى: «و ما هذه الحیاة الدنیا إلا لهو و لعب، و إن الدار الآخرة لهی الحیوان لو کانوا یعلمون»[4].
و علیه فهناک الکثیر من الأدلة النقلیة العدید من آیات القرآن الکریم على هذا المدعى و التی تؤکد على الحیاة بعد الموت و قبل القیامة، و الأهم فی ذلک حیاة الشهداء الأفضل التی تحدثت عنها الآیة و صرّحت بها بوضوح. و إضافة إلى آیات القرآن هناک عددٌ کبیر من الروایات و الزیارات المعتبرة التی تدل على هذا المعنى و کذلک وجود الروایات المتعلقة بالمقامات و المراتب الباطنیة للمعصومین الأربعة عشر (ع) حیث احتلت مساحة واسعة مما لا یدع مجالاً لأی مشکک فی هذا المدعى.
و کذلک فإن أبسط دلیل عقلی على ذلک هو تجرد النفس و العلم و القدرة للروح التی تحیى حیاة حقیقیة، و لیس لها أی علاقة بالحیاة الدنیویة و إن الحیاة الحقیقیة ما یتحقق للروح بعد الموت.
و فی الختام نرى من اللازم التذکیر بقضیة هامة، و هی بغض النظر عن أن المعصومین یتمتعون بحیاة أعلى ولا یختلف الأمر فی ذلک بالنسبة لهم بین الموت و الحیاة و الحضور و الغیبة، و أن هذا الأمر یدل على سعة وجودهم. هناک بعدٌ آخر متعلق بالمباحث الشیعیة و التی تؤکد على وجوب وجود إمام الزمان (عج) و ذلک فی طی الکثیر من الروایات التی تدل على وجود إمام حی، من جملتها «قال الراوی سمعت أبا عبد الله (ع) یقول: من مات و لیس علیه إمام حی ظاهر مات میتة جاهلیة، قال: قلت إمام حی جعلت فداک؟ قال: إمام حی، إمام حی».[5]
و هذه الروایات لا تتنافى مع المباحث المتقدمة، حیث تترتب على وجود الإمام فی الحیاة الدنیا الکثیر من الحکم و الفوائد، و هذا ما یبحث فی محله، و نکتفی هنا بالإشارة.
للاطلاع یمکنکم الرجوع إلى الأجوبة التالیة:
حضور الإمام فی کل الأمکنة 3812 (الموقع 4202).
الأئمة و الولایة التکوینیة 1107 (الموقع: 1670).
فوائد وجود إمام الزمان (عج) فی عصر الغیبة، 654 (الموقع: 507).
البرزخ و الحیاة البرزخیة، 3891 (الموقع: 4160).
الحیاة البرزخیة لنبی الإسلام، 9204 (الموقع: 9196).
[1] محدث نوری، مستدرک الوسائل، ج10، ص345، مؤسسة آل البیت، قم، 1408 هـ.ق.
[2]آل عمران، 169.
[3] الجدیر بالذکر أن هناک الکثیر من الآیات التی تشیر الى الحیاة البرزخیة التی تقع بعد الموت و قبل قیام الساعة و التی یمکن الاستناد الیها کدلیل نقلی على المطلوب و هذه الحیاة لا تختص بالشهداء فقط، و لکن شهرة الآیة المذکور فی سورة آل عمران و بعض الروایات الدالة على الحیاة الاخرویة تجعلنا نکتفی بها و لا نتعرض للآیات و الروایات البرزخیة. لمزید الاطلاع انظر الادلة النقلیة على الحیاة البرزخیة فی الاسئلة رقم، 3891 (الرقم فی الموقع: 4160) و 5626 (الرقم فی الموقع: 5870) من هذا الموق.
[4]العنکبوت، 64.
[5] مستدرک الوسائل، ج 18، ص 177.