لا یخفى أننی نقلت هذه النصوص من المصادر الإسماعیلیة و لم أتأکد من صحتها و سقمها.
1. روى الکلینی و المفید و الطوسی عن أبی هاشم داود بن القاسم الجعفری قال: کنت عند أبی الحسن العسکری وقت وفاة ابنه أبی جعفر و قد کان أشار إلیه و دل علیه، و انی لأفکر فی نفسی و أقول هذه قصة أبی إبراهیم و قصة إسماعیل، فاقبل إلی أبو الحسن و قال: نعم یا أبا هاشم بدا لله فی أبی جعفر و صیر مکانه أبا محمد کما بدا له فی إسماعیل بعدما دل علیه أبو عبدالله و نصبه، و هو کما حدثتک نفسک و أنکره المبطلون. أبو محمد ابنی الخلف من بعدی عنده ما تحتاجون إلیه، و معه آلة الإمامة و الحمد لله !!
2. عن مسمع کردین قال: دخلت على أبی عبدالله و عنده إسماعیل، قال: و نحن إذ ذاک نأتم به بعد أبیه... الروایة !! انظر الاختصاص (290) و البصائر (97) و البحار (47/82) و إثبات الهداة : (3/165).
3. ذکر الولید بن صبیح أن أباه قد أوصى إلیه و قال: کان بینی و بین رجل یقال له: عبد الجلیل صداقة فی قدم، فقال لی: إن أبا عبدالله أوصى إلى إسماعیل فی حیاته قبل موته بثلاث سنین!! انظر البحار: (48 / 22 ).
4. کذلک ذکر الحسن بن موسى النوبختی فی کتابه (فرق الشیعة) أن الأمام الصادق نص على ابنه إسماعیل و هذا قوله: (فإنه لما أشار جعفر بن محمد إلى إمامة ابنه إسماعیل ثم مات إسماعیل فی حیاة أبیه رجعوا).
5. المصادر الدالة على حیاة إسماعیل:
سنة 138 /755 عند المقریزی فی اتعاظ الحنفا. لیبزغ 1909 ص6 و طبعة القاهرة. تح .شیال.م1.ص15.
الجوینی .تاریخ جهان .لندن 1937-1912 م3 ص146.رشید الدین .اسماعیلیان.ص10 .دی غویه
مذکرات قرامطة البحرین .لیدن 1886 ص203 .مقالة کازانوفا فی JA .سلسلة 11. 19. 1922 ص126.ص135
باعتبار أن إسماعیل کان الابن الأکبر للإمام الصادق (ع)، فکان یعتقد أکثر الشیعة أنه سوف ینال مقام الإمامة فی المستقبل، و لم یقم الإمام الصادق (ع) بتکذیب هذه العقیدة بصراحة بسبب مقتضى الظروف السائدة على المجتمع آنذاک و بغیة الحفاظ على حیاة الإمام الآخر، أما بعد وفاة إسماعیل فی زمن حیاة أبیه، انتفت هذه العقیدة عند أکثر الشیعة. کما تکرر ما یشبه هذه الواقعة بالنسبة إلى أبی جعفر، محمد بن الإمام الهادی الأکبر. و قد أوضحت روایات الشیعة تماما هذه الحقیقة و لا یمکن إثبات عقائد الإسماعیلیة من خلالها.
فی ما یتعلق بمنشأ الفرقة الإسماعیلیة و ما أدى إلى شکّ بعض الشیعة فی إمامة الإمام السابع (ع)، ذکرنا مسائل فی جواب رقم 5283 فی نفس هذا الموقع ندعوکم إلى مطالعاتها أولا.
أما بالنسبة إلى الروایات التی أشرتم إلیها فی سؤالکم، فنقول:
1ـ لقد ورد هذا الحدیث مع اختلاف فی الألفاظ فی مجموعة من المصادر الشیعیة منها کتاب الکافی[1] و إرشاد المفید[2] و غیبة الطوسی[3] و کشف الغمة[4] و بحار الأنوار[5].
بناء على هذه الروایة، کان أبو هاشم الجعفری حاضرا عند وفاة أبی جعفر[6] الذی هو أحد أولاد الإمام الهادی (ع) و أخو الإمام الحسن العسکری (ع) الأکبر.
وبما أن أبا جعفر کان أکبر من الإمام الحادی عشر، ظن الشیعة أنه هو الإمام، و لعله بنفس الأسباب التی کانت فی قضیة إسماعیل، و حفاظا على حیاة الإمام الحسن العسکری (ع) کان موقف الإمام الهادی (ع) بحیث لا یزیل هذه العقیدة من بین الشیعة تماما. فبناء على هذا الظن العام، احتار روای الحدیث، أبو هاشم و بدأ یقارن هذا الحدث بزمن وفاة إسماعیل فی زمن حیاة الإمام الصادق (ع). ثم قبل أن ینطق خاطبه الإمام الهادی و قال له: نعم، صحیح ما خطر ببالک و إن هذین الحدثین متشابهان.
و لکن هناک عبارة وردت فی هذا الحدیث و استفاد منها الإسماعیلیة لصالحهم و هی "کَمَا بَدَا لَهُ فِی إِسْمَاعِیلَ بَعْدَ مَا دَلَّ عَلَیْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) وَ نَصَبَه" فیبدو من هذه العبارة أن الإمام الصادق (ع) قد نصب إسماعیل للإمامة.
و لکن هذا الاستدلال مخدوش من عدة جهات:
1ـ1ـ الاستناد إلى هذه الروایة بحاجة إلى الإیمان بإمامة الإمام الهادی (ع) و هو ما لا ینسجم مع عقائد الإسماعیلیة.
2ـ1ـ یبدو من خلال هذه الروایة بکل بساطة أن إسماعیل لم ینل مقام الإمامة بل قد أعطی هذا المنصب للإمام الکاظم (ع) فإمامة إسماعیل و إن کانت محتملة من قبل أکثر الشیعة إلا أنها لم تصل مستوى الفعلیة بعد و فاته أبدا.
3ـ1ـ من بین المصادر التی بین أیدینا و التی نقلت لنا هذه الروایة، نجد کتاب الکافی أقدم الکتب فی هذا المجال، و لم تکن عبارة "نصب" بین کلمات الروایة المذکورة فی هذا الکتاب حتى یستدل بها الإسماعیلیون. و جدیر بالذکر أن أکثر علماء الشیعة یعتقدون أن الشیخ الکلینی مؤلف کتاب الکافی کان أکثر دقة فی حفظ نص أصل الروایات.[7]
فباعتبار هذا النقل، لعلّ فی أصل الروایة لم یأت ذکر النصب، و إنما أضیفت هذه الکلمة من قبل باقی الرواة حیث نقلوا الروایة بالمضمون[8] و أضافوا الکلمة الدالة على النصب (وإن کان ظاهریا أو مؤقتا) باعتبار الزعم العام الموجود آنذاک، و الجدیر بالذکر ان جمیع اننا على یقین من أن جمیع المؤلفین الذین أشرنا إلیهم لم یعتنقوا الاسماعیلیة، فلو کانوا یفهمون من الروایة انها تثبت ادعاء الاسماعیلیة فلماذا لم یعتقدوا بذلک؟!!.
2ـ کل ما یبدو من الروایة الثانیة هو أنه کان یزعم الشیعة أن إسماعیل هو الإمام الآخر و لم یظهر من الروایة أکثر من هذا، و کما أشرنا سابقا لم ننکر نحن أیضا وجود هذا الزعم عند الشیعة وقتئذ.
3ـ و فی الروایة الثالثة یدخل شخص باسم ولید بن صبیح على الإمام الصادق (ع) و یقول: لقد سمعت من أحد أصدقائی فی القدم بِأَنَّکَ أَوْصَیْتَ إِلَى إِسْمَاعِیلَ فِی حَیَاتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِ سِنِینَ؟ فَقَال: یَا وَلِیدُ لا وَ اللَّهِ فَإِنْ کُنْتُ فَعَلْتُ فَإِلَى فُلَانٍ یَعْنِی أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى (ع) وَ سَمَّاهُ. فیا ترى هل تثبت بهذه الروایة عقائد الإسماعیلیة؟! مع العلم ان المتامل فیها یجدها تعطی خلاف ذلک تماما حیث ینفی الامام (ع) ما نسب الیه من تنصیب.
4ـ و لم یشر النص الموجود فی کتاب فرق الشیعة للنوبختی إلى أکثر من ذکر بعض الروایات، و بلحاظ عبارتی "أشار" و "رجعوا" المذکورتین فی نص الروایات یمکن أن نقول إن هذا النص إنما یحکی عن الزعم الموجود بین الشیعة تجاه إمامة إسماعیل، و قد انتفى هذا الزعم عند أکثر الشیعة بعد وفاته.
5ـ لم تکن روایة فی مصادر الشیعة الإثنی عشریة تدل على حیاة إسماعیل بعد الإمام الصادق (ع) و أما المصادر التی ذکرت من دون ذکر نص الروایة فلیست من المصادر الشیعیة.
[1] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 1، ص 327، ح 10، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.
[2] الشیخ المفید، الإرشاد، ج 2، ص 318، مؤتمر الشیخ المفید، قم، 1413 هـ ق.
[3] الشیخ الطوسی، الغیبة، ص 82 و 200، مؤسسة المعارف الإسلامیة، قم، 1411 هـ ق.
[4] الإربلی، علی بن عیسی، کشف الغمة فی معرفة الأئمة، ج 2، ص 406، مکتبة بنی هاشمی، تبریز، 1381 هـ ق.
[5] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 50، ص 241، ح 6، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.
[6] اسم هذا السید الجلیل محمد و ملقب بأبی جعفر و قد توفی فی زمن حیاة الإمام الهادی (ع) و له مزار معروف بالسید محمد فی مدینة "بلد" الواقعة بین بغداد و سامراء، و له شأن و احترام عند الشیعة.
[7] النجفی، محمد حسن، جواهر الکلام، ج 2، ص 219، دار احیاء التراث العربی، الطبعة السابعة.
[8] على أساس إرشادات المعصومین لا یجب نقل الروایة بنفس نصها الصادر عن المعصومین، بل إذا لم یذکر الراوی نص الروایة یجوز له أن ینقلها بتعبیر آخر بنفس المضمون. راجع: وسائل الشیعة، ج 27، ص 80، ح 33255؛ "قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ (ع) إِنِّی أَسْمَعُ الْکَلَامَ مِنْکَ فَأُرِیدُ أَنْ أَرْوِیَهُ کَمَا سَمِعْتُهُ مِنْکَ فَلَا یَجِیءُ قَال: فَتَعَمَّدُ ذَلِکَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: تُرِیدُ الْمَعَانِیَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا بَأْس".