یؤید القرآن الکریم أصل وجود الجن فی الکثیر من آیاته و کذلک یبین خصوصیاتهم و ما یمیزهم.
و مع محدودیة معلوماتنا فیما یتعلق بالجن و قلتها إلا أنه یمکن القول - اعتماداً على الأدلة المتعددة - بوجود أنبیاء من جنس الجن قبل خلق آدم (ع):
1- إن الجن کالبشر مکلفون و مسؤولون، و التکلیف و المسؤولیة فرع الإبلاغ و التبشیر و الإنذار. إذن فمن المسلم أن یرسل الله الأنبیاء إلى هذه المخلوقات المتحررة لیؤدوا هذه المهمة.
2- إن هذه الموجودات لها حشر و نشر کالإنسان و معاد و مؤاخذة و معاقبة، و إن العقاب و المؤاخذة فرع إتمام الحجة، و إتمام الحجة فرع إرسال الأنبیاء و الرسل.
3- الآیة الشریفة التی جاء فیها: «یا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الإِنْسِ أَلَمْ یَأْتِکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ یَقُصُّونَ عَلَیْکُمْ آیَاتِی وَ یُنْذِرُونَکُمْ لِقاءَ یَوْمِکُم هَذَا.....» فإنها تشمل ما قبل خلق آدم (ع).
4- الروایة الواردة عن الإمام علی (ع) جواباً عن سؤال الرجل الشامی حینما سأله هل أن الله أرسل إلى الجن رسولاً؟، قال (ع): «نعم، بعث إلیهم نبیاً یقال له یوسف، فدعاهم إلى الله فقتلوه».
یؤید القرآن المجید أصل وجود موجود باسم الجن، و قد بین خصوصیات هذا الموجود على النحو التالی:
1- إنها موجودات خلقت من النار، خلافاً للإنسان المخلوق من الطین.[1]
2- موجود له علم و إدراک و تشخیص للحق و الباطل و قدرة على المنطق و الاستدلال.[2]
3- له تکلیف و مسؤولیة.[3]
4- له حشر و نشر و معاد.[4]
5- منهم المؤمنون الصالحون، و منهم الکفار و المشرکون.[5]
6- لهذه المخلوقات القدرة على النفوذ فی السماوات و استراق السمع و قد منعوا من ذلک بعد بعثة النبی (ص).[6]
7- لبعض الجن علاقات و ارتباطات بالإنسان، و یتمکنون من إغواء الإنسان اعتماداً على اطلاعاتهم المحدودة فی معرفة بعض الأسرار الخفیة.[7]
8- یوجد منهم أفراد یتمتعون بقدرة فائقة.[8]
9- لهم القدرة على القیام ببعض الأعمال المتعلقة بالإنسان.[9]
10- زمن خلقهم على الأرض سابق لزمن خلق الإنسان.[10]
11- منزلة الإنسان و مرتبته أفضل من منزلة الجن، و لذلک أمر الله إبلیس بالسجود لآدم، و إن إبلیس من کبار طوائف الجن.[11]
و أما فیما یخص السؤال القائل: هل أن للجن أنبیاء و رسلا أم لا؟ فلابد من القول: کما تقدم بیانه فإنه من المفترض للجن مقطعان زمنیان، مقطع سابق لخلق الإنسان، و مقطع زمنی آخر بعد خلق الإنسان.
أما ما یتعلق بالمقطع الزمنی الثانی الخاص بما بعد خلق الإنسان و هو الزمان المشترک بین وجود الجن و الإنس (سواء قبل ظهور الإسلام أم بعد ظهوره) فالمطابق لآیات القرآن أن الجن فی المقطع الزمنی مأمورون کالبشر بإطاعة الأنبیاء المبعوثین إلى الإنس مع أنهم من غیر جنسهم.[12] و على هذا الأساس فمن الجن من یؤمن بالنبی (ص) و منهم من یکفر به.
و أما فیما یتعلق بالزمن الأول قبل أن یخلق الله الإنسان على هذه الأرض فهل یوجد أنبیاء و رسل مبعوثون إلى الجن من أجل هدایتهم و إرشادهم أم لا؟ و إذا قلنا بوجود الأنبیاء، فهل إنهم من جنس الجن أنفسهم؟ و لابد من القول فی إجابة هذا السؤال أنه یمکن القول - اعتماداً على الأدلة المتعددة - بوجود أنبیاء من جنس الجن قبل خلق آدم (ع) و ذلک لما یأتی:
1- إن القرآن الکریم اعتبر الهدف من خلق الجن و الإنس العبودیة لله سبحانه و التکامل فی هذا الطریق حیث یقول: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإِنْسَ إِلاَّ لِیَعْبُدُونِ».[13]
و من المسلم أن الوصول إلى المقام الواقعی للعبودیة و هو مرتبة الکمال الواقعی لا یکون من دون تکلیف، و من هنا یمکننا أن نقول أن الجن موجود مکلف.[14] و آیات القرآن شاهدة على هذه المسألة.[15] هذا من جهة، و من جهة أخرى، فإن الله الحکیم لا یمکن أن یکلف الجن و لم یعلمهم بشرائط التکلیف و أجزائه و تفاصیله و لم یرسل لهم من یهدیهم إلى ذلک، و علیه فإن تکلیف الجن و الإنس فرع إرسال الأنبیاء و الرسل، و إذا لم یتم إرسال الأنبیاء و الرسل فلا یجوز التکلیف.
2- إن الله عادل و حکیم، و لم یصدر من العادل الحکیم فعل قبیح، فکیف یمکن أن یقول: إننی معذب الجن و الإنس حال تقصیرهم فی أداء الواجب و أنه یملأ جهنم من أفراد الجن و الإنس من دون أن یکونوا مکلفین و لیس لهم من ذنب.[16]
فهل من الممکن أن یکون الله عادلاً و حکیماً من دون أن یرسل لهؤلاء الأنبیاء و الرسل لیتموا علیهم الحجة من قبل أن ینزل بهم العذاب؟
قطعاً یکون الجواب هو النفی، لأن عذاب المکلف من دون إرسال النبی و إتمام الحجة أمر قبیح، و لا یمکن أن یصدر القبیح من الحکیم، و الجن مشمولون بهذه القاعدة العقلیة الکلیة، إضافة الى ما ورد فی القرآن الکریم فی قوله تعالى: «وَ مَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً».[17] إذن فمن المقطوع به أن للجن أنبیاء و مرسلین.
3- الآیة الشریفة: «یَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الإِنْسِ أَلَمْ یَأْتِکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ یَقُصُّونَ عَلَیْکُمْ آَیَاتِی وَ یُنْذِرُونَکُمْ لِقَاءَ یَوْمِکُمْ هَذَا»[18] إن مفهوم الآیة و احتجاجها القاطع یدل بوضوح تام على أن للجن أنبیاء و مرسلین قبل خلق آدم (ع) و قبل و بعد الإسلام، و لکن من الطبیعی أن یکون أنبیاؤهم قبل خلق آدم من جنسهم.[19] و شاهد ذلک آیة أخرى تقول: «إِنَّا أَرْسَلْنَاکَ بِالْحَقِّ بَشِیرًا وَ نَذِیرًا وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِیهَا نَذِیرٌ».[20]
4- جاء فی الروایة أن رجلاً شامیاً سأل الإمام علیا (ع): هل بعث الله الرسل إلى الجن؟ فقال الإمام (ع) فی إجابته: «نعم، بعث إلیهم نبیاً یقال له یوسف، فدعاهم إلى الله فقتلوه».[21] و هذه الروایة أیضاً تدل على أن للجن رسلاً خاصین بهم.
و على ضوء ما تقدم من بیان، أصبح من الواضح أن الجن مخلوقات مکلفة، و قد أرسل إلیهم الأنبیاء من قبل خلق البشر من أجل هدایتهم و لکن کیفیة ذلک غیر معلومة بالنسبة إلینا.
[1] الرحمن، 15.
[2] آیات متعددة من سورة الجن.
[3] آیات من سورتی الجن و الرحمن.
[4] الجن، 15.
[5] الجن، 11.
[6] الجن، 9.
[7] الجن، 6.
[8] النمل، 39.
[9] سبأ، 12 و 13.
[10] الحجر، 27.
[11] الکهف، 50.
[12] من الطبیعی لابد من التوجه إلى أن هذه المسألة قطعیة فیما یخص موسى (ع) و نبی الإسلام (ص) و فی بقیة الأنبیاء من جنس البشر، و قد أورد المفسرون رؤى مختلفة فی هذه المسألة.
و أکثر الآیات دلالة فی هذا المورد الآیات 29 و 30 من سورة الأحقاف: «وَ إِذْ صَرَفْنَا إِلَیْکَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ یَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِیَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِینَ * قَالُوا یَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا کِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ یَهْدِی إِلَى الْحَقِّ وَ إِلَى طَرِیقٍ مُسْتَقِیمٍ» و إذا رأینا فی هذه الآیة أنه لم یذکر الإنجیل بالإسم و ذلک لأن التوراة هی الکتاب الأصلی و أن المسیحیین یأخذون أحکامهم عنها. انظر: تفسیر الأمثل، ج21، ص370؛ و العلامة الطباطبائی فی المیزان یقول بصراحة أن المقطع فی الآیة المبارکة الذی یقول: «إِنَّا سَمِعْنَا کِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ» فیه إشعار بل دلالة على أن الجن المذکور یؤمن بدین موسى و کتابه. انظر: تفسیر المیزان، ج 18، ص350. و قد جاء بخصوص ما بعد الإسلام: أن النبی الأکرم (ص) توجه من مکة إلى سوق عکاظ فی الطائف لیدعو الناس الذین اجتمعوا فی هذا المرکز الکبیر إلى الإسلام، و لکن لم یستجب لدعوته أحد، و عند رجوعه وصل إلى مکان یسمى بوادی الجن و قد مکث فی ذلک المکان لیلته و أخذ یتلو آیات من القرآن الکریم فسمع جمع من الجن هذه الآیات، و آمنوا بها و ذهبوا لإنذار قومهم. انظر: تفسیر الامثل، ج 25، ص100. تفسیر الآیات 1 و 2 من سورة الجن.
و من الطبیعی أن جماعة أرادوا أن یستفیدوا من عبارة «رُسُلٍ مِنْکُمْ» فی الآیة الشریفة: «یَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الإِنْسِ أَلَمْ یَأْتِکُمْ رُسُلٌ مِنْکُمْ یَقُصُّونَ عَلَیْکُمْ آَیَاتِی وَ یُنْذِرُونَکُمْ لِقَاءَ یَوْمِکُمْ هَذَا». أن أنبیاء الجن بعد خلق آدم کانوا من جنسهم ایضا مع أنهم یعترفون أن النبی محمدا (ص) أرسل إلى الجن و الإنس(انظر تفسیر روح البیان، ج 3 ، ص 105؛ اسماعیل حقی البروسوی؛ تفسیر راهنما ،للشیخ هاشمی الرفسنجانی، ج 5 ، ص 354) ولکن هناک طائفة اخرى من المفسرین ردوا هذا الرأی وقالوا:صحیح ان الایة فی سوررة الجن تفید ان النبی الاکرم (ص) هو رسول للانس والجن ولکن فی نهایة الأمر لا یوجد أی مانع أن یکون رسل و مبعوثون من قبل النبی إلیهم لکن من جنسهم، و کلمة (منکم) لا تدل على أن أنبیاء کل مجموعة من جنسهم، و ذلک عندما یقال لمجموعة (نفر منکم) فإن هؤلاء النفر یمکن أن یکونوا من طائفة أو من جمیع الطوائف. انظر: التفسیر الأمثل، ج 5، ص343. أی أن کلمة منکم لا تدل على أکثر من ان الأنبیاء من جنس المجموع بما فیهم الجن و الإنس، و لم یکونوا من جنس الملائکة لانه قد یستوحش منهم، وان یکون النبی یبعث بلسان قومه اما ان یکون نبی الجن من الجن ونبی البشر من البشر فلا تدل الایة الشریفة علیه ،انظر: تفسیر المیزان، ج7، ص 450؛ تفسیرالصادقین، ج3، ص 452.
[13] الذاریات، 56.
[14] انظر: بحار الأنوار، ج60، ص311.
[15] «أُولَئِکَ الَّذِینَ حَقَّ عَلَیْهِمُ الْقَوْلُ فِی أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الإِنْسِ إِنَّهُمْ کَانُوا خَاسِرِینَ». الأحقاف، 18.
[16] السجدة، 13؛ هود، 119.
[17] الإسراء، 15.
[18] الأنعام، 130.
[19] ان بعض المفسرین یری ان هذا المقطع من الآیة " رسل منکم" یدل علی ان انبیاء الجن من جنسهم الا عصری موسی (ع) و النبی الاکرم (ص) فلم یکن نبیهم من جنسهم.
[20] فاطر، 24.
[21] بحار الأنوار، ح10، ص76.