یقصد بطی الأرض: إمکانیة الذهاب إلى إی مکان فی لحظة واحدة. إن طی الأرض من الأمور الغیر عادیة و التی هی فوق القدرة الطبیعیة للإنسان، و ان هذا الأمر یکون میسراً للشخص الذی یجعل سلسلة العلل الطبیعیة تحت تصرفه و تحت قدرته، و ان أهم مسألة فی هذا المجال هی اکتساب معرفة النفس، و یستطیع الإنسان عن طریق السیر و السلوک الصحیحین و المشروعین، أن یکون مظهراً لتجلی الأسماء و الصفات الإلهیة، و للوصول إلى هذه المعرفة، یجب أن تطهّر الروح من الامراض النفسیة، و التجلی بالصفات الإلهیة، و طبقاً للشریعة المقدسة، فان هذا الأمر من أفضل الإعمال.
طبقاً لحدیث "قرب النوافل" یستطیع الإنسان أن یتکامل و یتسامى إلى درجة أن یصبح الله سبحانه عینه و اذنه و لسانه و...، یعنی تصبح جمیع أعماله و أفعاله إلهیة، و من المؤکد أن السلوک فی هذا الطریق یتطلب السیر على نهج اهل أهل البیت (ع) و الاهتداء بهدیهم و ان یکون السالک تحت إشراف أساتذة السیر و السلوک، و قد ورد فی الادب الفارسی ما مضمونه:
لا تطوی هذه المرحلة بدون مرافقة الخضر
فهی ظلمات و احذر من خطر الضیاع
لا یمکن التوضیح الکامل لکیفیة الوصول إلى مرحلة طی الأرض فی هذه الصفحات القلیلة، و لکن سوف نشیر هنا إلى عدة ملاحظات بشکل مختصر:
1. إن حقیقة "طی الأرض" هی من الأمور الغیر العادیة و الخارقة للعادة[1]، و هی تعنی إمکانیة الوصول إلى أی نقطة فی الأرض فی لحظة واحدة.[2] و ان الشخص الذی یستطیع القیام بطی الأرض هو الإنسان الذی یمتلک القدرة فوق الطبیعیة و یستطیع أن یضع سلسلة العلل الطبیعیة تحت تصرفه و اختیاره.[3]
2. إن الحصول على القدرة فوق الطبیعیة و تسخیر سلسلة العلل الطبیعیة، و بتعبیر آخر القدرة على التصرف بمادة الکائنات، تحتاج إلى اکتساب مقدمات معینة، و من أهمها هی الحصول على معرفة النفس، و هذا یعنی أن یصل الشخص إلى درجة من الإدراک و العلم یعرف من خلالها، أولاً: انه و جمیع الموجودات ما خلا الله سبحانه لا توجد لهم ای استقلالیة من ناحیة الوجود و لا من ناحیة الأفعال، و لا یکون لهم ای دور فی هذا العالم بشکل مستقل، و ان ای حرکة أو فعل لا تتحقق إلا من خلال أرادة و مشیئة و إذن الباری عزوجل.
ثانیاً: بالرغم من أن النفس الإنسانیة هی لا شیء بشکلها المستقل، و غیر قادرة على انجاز ای عمل، و لکن بإرادة و إذن و مشیئة الله سبحانه، فان لهذه النفس الإنسانیة القدرة و الاستعداد و القابلیة لان تکون محلاً و موضعاً لتجلی و ظهور أسماء و صفات و أفعال الحق (جل شانه)، و من الممکن لهذه النفس أن تکون اشمل محل لظهور و تجلی الذات الإلهیة المقدسة.
3. إن الوصول إلى مقام ظهور الحق و تحول هذه القوة و هذا الاستعداد إلى الفعلیة، منوطة بتصفیة و تنقیة أعماق النفس الإنسانیة من التلوث، و هذا یعنی تطهیر النفس من الأفکار و التصورات الباطلة و الدوافع و النزعات الغیر صحیحة و الأفعال الغیر جائزة، هذا من جانب، و من جانب آخر منوطة بالتحلی و التجمل بالخصال الحسنة، و هذا یعنی أن یسعى لتتصف حقیقة وجوده و قلبه و روحه بالصفات الإلهیة و ان تتحلى أفکاره و نزعاته و أفعاله بالصفات الحمیدة و یصل إلى درجة النفس القدسیة، و بعبارة اشمل، أن یصل إلى درجة القرب الإلهی، و بهذا القرب من الله، یصبح مالکاً لاسم الله الأعظم و حاصلاً على الولایة التکوینیة، و التی یستطیع على ضوئها الحصول على قدرة یستطیع من خلالها التصرف بمادة الکائنات و ترضخ و تتبع جمیع موجودات عالم المادیات إلى روحه القویة. و الحقیقة أن طی الأرض، واحدة من آثار و ثمرات هذه القدرة الروحیة و بروز و ظهور النفس القدسیة له.[4]
4. إن الطریق لتصفیة النفس الإنسانیة من الأوساخ و الادران و التحلی بالخصال الحسنة یکمن فی إتباع تعالیم الشریعة الإلهیة و تطبیق الدین الإلهی على اکمل وجه، هذا الدین الذی أُهدی إلى البشریة عن طریق الأنبیاء، و ان الوجه الکامل للشریعة الإلهیة تتجسد بالدین الإسلامی الحنیف و الذی اهدی إلى المجتمع البشری عن طریق رسول الإسلام الأکرم (ص).
5. بالرغم من أن الشرائع الإلهیة لها جنبتها العمومیة و لم تلزم الناس على اکتساب القدرات الروحیة الفوق طبیعیة و الغیر اعتیادیة، و لکن أئمة الدین قد بینوا من جانب أن للمتون الدینیة إضافة إلى المعانی الظاهریة، معانی باطنیة، و من جانب آخر و عن طریق بیان الطرق للوصول إلى المراتب العلیا للنفس الإنسانیة، قد رغّبوا و شجعوا الأشخاص الذین لهم الاستعداد و القابلیات لطی مراحل السیر و السلوک، و نکتفی هنا بنقل هذا الحدیث القدسی المعروف بحدیث قرب النوافل و الذی هو من الأحادیث القدسیة: قال رسول الله (ص): قال الله عزوجل: "و ما تقرب إلی عبد بشیء أحب إلیّ مما افترضت علیه و انه لیتقرب إلی بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع به و بصره الذی یبصر به و لسانه الذی ینطق به و یده التی یبطش بها، إن دعانی أجبته و ان سألنی أعطیته ...".[5]
6. إن طی مراحل السیر و السلوک الإنسانی لا یمکن بدون الاستعانة بمنهج أهل البیت (ع) و السیر على هداهم لان هؤلاء هم وسائط الفیض الإلهی و رأس سلسلة العارفین الحقیقیین، و کما جاء فی الزیارة الجامعة الکبیرة: "بکم فتح الله و بکم یختم".[6]
7. بسبب صعوبة طریق السیر و السلوک، فعلى السالک العارف أن یکون تحت إشراف أستاذ کامل سائر إلى الله و من أهل المکاشفة، طبقاً للموازین و القوانین التی أقرتها الشریعة الإسلامیة و الرسول الأکرم (ص) و الأئمة الأطهار (ع)، لکی یدخل فی مرحلة السیر و السلوک إلى الله.[7]
لا تطوی هذه المرحلة بدون مرافقة خضر
فهی ظلمات واحذر من خطر الضیاع
لا تذهب بدون الشیخ فی الخربات
حتى لو کنــــت اسکنـــدر زمانــــک[8]
1- حسینی الطهرانی، السید محمد حسین، مهر تابان، ص 182- 183.
2- راه روشن، ترجمة المحجة البیضاء، ج 1، ص 32.
3- مهر تابان، ص 182- 183، للاطلاع أکثر على حقیقة طی الأرض، راجع: موضوع حقیقة طی الأرض، رقم السؤال 2589 (الموقع: 2818).
4- ابراهیمیان، سید یوسف، ارمغان اسمان (شرح لکتاب انسان در عرف عرفان، حسن زاده الآملی، ص526- 534.
5- محاسن برقی، ج 1، ص 291؛ أصول الکافی، ج 2، ص 352.
6- مفاتیح الجنان، الزیارة الجامعة الکبیرة.
7- شرح لمقدمة قیصری، ص 594- 595.
[8] تعریب للشعر الفارسی:
طی این مرحله بی همرهی خضرمکن
ظلمات است بترس از خطر گمراهی
بی پیــر مــرو تو در خـــــرابات
هـــــر چنــد سکنـــدر زمانـــــــی