یتمکن الإنسان من التوصل إلى معرفة الله من خلال طرق مختلفة، فمن الممکن أن تکون هذه المعرفة عن طریق العقل، أو عن طریق القلب. فتارة یسلک طریق العقل - کما یفعل الفیلسوف و الحکیم – الذی یصل إلى المطلوب و یستدل علیه عن طریق العلم الحصولی و من خلال الاستعانة بالحس والعقل.
وتارة - کما یفعل العارف الذی یسلک طریق العلم الحضوری للقاء المعشوق و شهوده - فوجود النار - مثلاً - إما أن یستدل علیه عن طریق الدخان الذی یتصاعد من اشتعالها، فنفهم أنها موجودة، و تارة نعلم بوجودها عن طریق مشاهدة النار نفسها، و أحیاناً یعلم بوجود النار من خلال احتراق بعض أجزاء البدن فیها.
و على أی حال ففی هذین المنهجین، العلم الحصولی و العلم الحضوری، تارة یکون الطریق و السائر فیه و الهدف أمر واحد، کما یصل الشخص إلى معرفة الله سبحانه و تعالى من خلال التفکر فی مخلوقات الله و النظام الموجود فیها، و تارة لا یکون الأمر کذلک، عندما یتحد السائر و الطریق أو الطریق و الهدف، کما لو عرف الإنسان ربه من خلال معرفته نفسه، و هو القسم الثانی، و أحیاناً یصل الإنسان إلى معرفة الله بواسطة التأمل فی أسماء الله و صفاته، و هذا من النوع الثالث.
و من بین الأقسام المتقدمة القسم الذی یتحد فیه الطریق و الهدف، و یصل الإنسان مرتبة شهود مطلوبه و تذوقه، هوالذی له قیمة عظمى، لان الهدف یشهد و یتذوق. و قد بینت الطرق الثلاثة المتقدمة فی الآیات و الروایات، و قد ورد التأکید بشکل خاص على أنه لا وجود لشیء أکثر وضوحاً و ظهوراً من الله سبحانه، فیجب الوصول به إلیه، فهو نور لا یحتاج إلى غیره حتى یعرف به، و إذا کنا محرومین من مشاهدته، فمرجع ذلک إلى حجب الغفلة التی تحجبنا و تمنعنا من نور العلم فی میدان العلم الحصولی و الحضوری.
فلیس لدینا علم بعلمنا، و إذا ما أردنا الحصول على هذا العلم المرکب، فلا بد من إزاحة حجب الظلام و النور على حد سواء، و لهذا السبب قیل أن معرفة الله سبحانه أمر فطری، و أن الدلالة التی تقام على إثبات وجود الله و معرفته هی من باب التنبیه لا التعلیل.
و من الجدیر بالتوجه و الاهتمام هو أن کنه الذات الإلهیة و صفاتها لا تقع مورداً لفهم الحکیم و لا شهود العارف، و أما غیر ذلک فإنه قابل للفهم و قابل للشهود.
من أجل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من تعریف وسائل المعرفة فی بدایة الأمر.
وسائل المعرفة هی: الحس، و العقل و القلب.
فالحواس الظاهریة ینحصر دورها فی التعامل مع الأعراض و ظواهر الأشیاء و لیس بإمکانها النفوذ إلى الأعماق، و على الرغم من سعة المعلومات التی تزود الحواس بها الإنسان إلا أنها محدودة بلحاظ الزمان و المکان.
أما العقل فإنه قوة خاصة یتمثل دوره الأساسی فی إدراک المفاهیم الکلیة، و بهذا المعنى فإن دوره غایة فی الأهمیة و الشمول، و من جملة شؤون العقل اختصاصه بالبرهنة و الاستدلال.
و لکن وسائل المعرفة لا تنحصر بهذین الطریقین، فبإمکان الإنسان أن یتوصل إلى معارف عظمى عن طریق القلب، فما یتوصل له الآخرون بالدلیل و البرهان یشهده العارف بقلبه، و قد سلک أهل العرفان هذا الطریق لمعرفة الله سبحانه.[1]
و بلحاظ آخر یمکن أن تقسم المعرفة بشکل کلی إلى معرفة حصولیة و حضوریة شهودیة.
و یتم الوصول إلى المعرفة الحصولیة عن طریق الأدلة العقلیة و الفلسفیة، و أما المعرفة الحضوریة فهی معرفة بدون وسیلة و واسطة، فالمعنى و المفهوم و الصورة الذهنیة التی تمثل واقعیة المعلوم هی حاضرة لدى المدرِک و هذه المعرفة من قبیل المعارف العرفانیة الشهودیة التی تتوصل إلى واقعیة الشیء الخارجی المشهود.
علما إنه فی المعرفة الحصولیة (العقلیة) یمکن الاستفادة من المقدمات الحسیة و التجریبیة، فمثلاً یمکن التوصل إلى معرفة الله عن طریق التفکر فی آیاته أو من خلال النظام الموجود بین أجزاء العالم، و یتم ذلک بإقامة الأدلة و البراهین العادیة. و لکنه إذا أراد الإنسان التوصل إلى معرفة أکثر فلا بد له من أن یستعین بالمقدمات العقلیة المحضة.
و على کل حال یجب الالتفات إلى المسائل التالیة:
أولاً: لا یمکن إثبات وجود الله أو نفیه على أساس التحقیقات و التجارب المختبریة فی حقل العلوم التجریبیة الصرفة[2]، لأن ید التجربة الحسیة أقصر من أن تمتد إلى عالم ما وراء الطبیعة، اذا المعرفة الحسیة لایمکن ان تکون الوسیلة الوحیدة لحل المشاکل العقد، بل لا بد أن تدخل فی مقدمات الاستدلال، و لا یقتصر فیها على تمهید الطریق فقط.
ثانیاً: على الرغم من الحث و التوصیة فی النصوص الإسلامیة على التفکر فی الآیات الآفاقیة[3]، و إن هذا المنهج یعد من المعارف العقلیة بسبب ما ینطوی علیه من الاستدلال، و لکنه لا ینبغی إغفال قضیة هامة و هی أن التفکر فی المخلوقات و آثار الصنع و الحکمة الإلهیة لا یثبت أکثر من کون العالم تحرکه ذات قادرة وعالمة و أما ما هی صفات تلک الذات هل هی قائمة بذاتها ام لا؟ فلا یتاتی من خلال هذا الطریق.
أما المعرفة الحضوریة فیمکن تصورها على ثلاث کیفیات:
أ - علم العلة الحضوری بمعلولها.
ب - علم الشیء المجرد بذاته.
جـ - علم المعلول الحضوری بعلته.
و إن علم الموجودات الحضوری بالله سبحانه لا یکون من النوعین الأولین، و إنما هو من النوع الثالث، کما أن محرومیة الإنسان بالنسبة إلى إدراک الحق تعالى تتناسب مع قصوره و محدودیته و ضیق أفقه، و على الرغم من أن هذه الذات المقدسة قریبة من الجمیع، و لکن بعد الآخرین و قربهم منها یحدده قصورهم و محدودیتهم، فهم فی مراتب مختلفة من القرب و البعد تبعاً لذلک.
و قد ذکر المحقق الطوسی مثالاً جیداً فیما یخص مراتب المعرفة حیث قال:
إن مراتب معرفة الله هی مثل مراتب معرفة النار، فأدنى مرتبة من مراتب معرفة النار ما یکون على أساس وصف الآخرین لها، و المرتبة الثانیة تتمثل فی معرفة النار من خلال رؤیة الدخان، و المرتبة الثالثة هی حین الإحساس بالحرارة و النور المنبعث من النار، و المرتبة الأخیرة من مراتب المعرفة هی الاحتراق بالنار و التحول إلى رماد.[4]
و من الضروری هنا الإشارة و التنبیه إلى أمر مهم و هو أنه فی بحث المعرفة بلحاظ المتعلَّق تارة یکون الکلام فی إثبات وجود الله و تارة فی خصوصیات و مشخصات وجوده، و على کلا التقدیرین یمکن الاستعانة بالفکر و بالقلب، و بعبارة أخرى فإن سلوک طریق العلم الحصولی یوصل إلى الفهم، و إن طریق العلم الحضوری یوصل إلى الشهود. و الطریق الأول یطلقون علیه اسم (البرهان) و الطریق الثانی (العرفان). و من الطبیعی فإن الطریق المتداول فی البرهان الفلسفی لا یرتقی إلى قیمة ما یتوصل إلیه العرفان.
و على کل حال، فسواء کان الطریق هو العقل أو القلب فمن الممکن التوصل إلى معرفة الله من خلال ثلاثة مناهج. و بعبارة أخرى فإن سیر السالک أو المفکر الذی یتحرک باتجاه الهدف و المقصد لا یخرج عن ثلاث حالات:
1 - یکون (السالک) و (الطریق) و (الهدف) کل على حدة و منفصلاً عن غیره، و مثال ذلک أن الإنسان یتوصل إلى مقصده و هدفه من خلال مشاهدة نظام الکون و تناسق أجزائه و التفکر فیه، و إن جمیع ما فیه هو محتاج و لا بد له من الاعتماد على أحد غنی و غیر محتاج، و للعالم مبدأ و خالق إذن. و هذا أحد الطرق إلى معرفة الله و قد دعت الآیات القرآنیة الناس إلى سلوک هذا الطریق.[5]
2 - أن یکون السالک هو عین الطریق، و مثاله أن یفکر الإنسان من داخله و یتسائل من أکون أنا؟ و من أین أتیت، و لماذا لم تکن إرادتی و رغباتی فی ملک یدی و اختیاری؟ لماذا لا أتمکن من إزاحة ظلمة هذا القلب حتى لا یمتلأ بالخواطر من دون إذن منی؟.
و الإنسان یمکن أن یصل إلى الله سبحانه عن هذا الطریق.
و قد أشار علی علیه السلام إلى هذا الطریق فقال: "عرفت الله بفسخ العزائم و حل العقود ونقض الهمم".[6] أو "من عرف نفسه فقد عرف ربه".[7]
أو کما جاء فی القرآن الکریم فی قوله تعالى: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا عَلَیْکُمْ أَنْفُسَکُمْ لا یَضُرُّکُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَیْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً فَیُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[8] و هذا الطریق أعمق و أکثر نفعاً من الطریق الأول.
3 - و قد یکون الطریق هو عین الهدف، أی أن السائر و هو الإنسان العارف أو المفکر یرى المقصود من خلال الدقة فی المقصد، و هذا الطریق هو أعمق الطرق، لأنه یتجاوز مرحلة السیر الآفاقی والأنفسی، و بالتدقیق فی الشاهد المطلق، یجد أن الشاهد المطلق هو الله سبحانه و تعالى.
{سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الآفَاقِ وَ فِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّى یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[9] فهو أول من یُعرف و أول مشهود و من بعد ذلک یأتی دور الآخرین و ما یتعلق بعالم الأجسام، لأنه نور السماوات و الأرض، فذاته الأحدیة أقوى شاهد و دلیل على وجوده إلى حدٍ لا یحتاج معه إلى أی دلیل و لا توسط أی شیء.[10] و لذلک قال الله سبحانه و تعالى فی کتابه العزیز: {لَقَدْ کُنْتَ فِی غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَکَشَفْنَا عَنْکَ غِطَاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ}[11].
و قد أشار الإمام الحسین علیه السلام إلى الطریق الثالث من طرق المعرفة، وقال: "أ یکون لغیرک من الظهور ما لیس لک، حتى یکون هو المظهر لک، متى غبت حتى تحتاج إلى دلیل یدل علیک، و متى بعدت حتى تکون الآثار هی التی توصل إلیک".[12]
لست بعیداً فأطلب حضورک
و لست بغائب فأبغی عودتک
"عمیت عین لا تراک".
"إلهی منک أطلب الوصول إلیک، و بک أستدل علیک".
ففی مثل هذا الخطاب نجد أن الله أظهر و أوضح من السموات و الأرض والشجر و .... بالنسبة إلى الإنسان السالک، و قد أشار الإمام الصادق (علیه السلام) إلى ذلک بقوله: "تعرفه و تعلم علمه و تعرف نفسک به ولا تعرف نفسک بنفسک من نفسک. و تعلم أن ما فیه له و به کما قالوا لیوسف: {أَإِنَّکَ لأَنْتَ یُوسُفُ} فعرفوه به و لم یعرفوه بغیره، و لا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب) [13] إنهم قالوا أنت یوسف و لم یقولوا یوسف أنت، أی أنهم تأملوا فی أحوال المخاطب فتوصلوا إلى أنه یوسف، و لم یتوصلوا لمعرفته عن طریق سؤال الآخرین. و بالاستفادة من هذه النصوص استدلوا على أن الموجودات الممکنة هی حقائق تمثل عین الربط و التعلق و الإضافة إلى الواجب، و إلا یلزم أنها غنیة فی ذاتها، و نتیجة ذلک أنها واجبة فی ذاتها، و هذا بدیهی البطلان، فهی مرتبطة إذن بتمام وجودها بالواجب، و من المحال رؤیة الربط من دون رؤیة المربوط إلیه، أی أن إدراک المعلول ممتنع على وجه الاستقلال، و لذلک فکل مدرَکٍ و مهما کان مادیاً - و بعلة کونه عین الربط بالمبدأ - فإن إدراکه یقارن إدراک الواجب تعالى.[14]
و الجدیر بالذکر أن العلم على کیفیتین: العلم البسیط، و العلم المرکب، کما أن الجهل لا یخرج عن هذین القسمین.
و العلم البسیط هو: صرف الاطلاع فی قضیة ما من دون التوجه إلى معرفة هذا الاطلاع بمعرفة أخرى. أی أن الإنسان غیر ملتفت إلى معرفته.
و أما العلم المرکب: فإن الإنسان یعلم فیه - بعلم ثانوی - أنه یعلم. و أن معرفة الله لدى أی شخص یتمتع بالإدراک، سواء أکان الإدراک حصولیاً أم حضوریاً، و بصرف النظر عن متعلَّق الإدراک و ماذا یکون، فإنها أمر ضروری و حتمی. و معنى ذلک أن الإنسان عندما یدرک أی شیء بالعلم الحصولی أو الحضوری فإنه یتوصل إلى إدراک الواجب لا محالة.[15] (معروف عند کل جاهل)[16] و حتى الإنسان الشاک فإنه یرى الله سبحانه قبل أن یرى شکه، لأن الله هو علة شکه، و إن شکه هو عین الربط بالله سبحانه. نعم هناک فئة لا تعلم بهذا العلم و إنها غافلة عن هذا الإدراک الضروری.
و إذا کان علی (علیه السلام) یقول: "ما رأیت شیئاً إلا و قد رأیت الله قبله"[17]، و یقول: "ما کنت أعبد رباً لم أره"[18] فلأنه علیه السلام یعلم أنه یعلم، و أنه توصل إلى حقیقة قوله تعالى: {فَأَیْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.[19]
و من غیر الممکن مشاهدة الوجه من دون مشاهدة ذی الوجه. إنه العارف الذی توصل - بالموت الإرادی - إلى أن کل ما سوى الله هو فی الخفاء و أن الظاهر الأوحد هو خالق العالم، و لذلک یقول علیه السلام: "لو کشف لی الغطاء ما ازددت یقیناً".[20]
و إن کل ما یمنع من الفهم و الشهود یعبرون عنه بالحجاب، و هذا الحجاب إما أن یکون ظلمانیاً أو نورانیاً، و فی الحجاب الظلمانی المتمثل بالحجاب المادی یلزم ثلاثة أمور: المحجوب، الحاجب، و المحجوب عنه، و لکن الواقع فی الحجاب النورانی أنه لا وجود لأکثر من أمرین، المحجوب و المحجوب عنه، و أما الحجاب فی هذا المورد فمرده إلى شدة نورانیة المحجوب عنه، أو بعبارة أفضل إلى ضعف المحجوب و عجزه.
فمثلاً: تارة یحجب الإنسان عن رؤیة الشمس بواسطة الجدار أو الغبار[21]، و تارة یحجب بعلة شدة ضوء الشمس أو ضعف باصرته فیحرم من رؤیتها.
قال الشاعر:
إن الحجاب الذی یحجبک دائما و مستمرا فی کل الحالات، هو حجاب نفسک
فأنت فی خفاء عن عیون العالم لشدة ظهورک
فلا وجود لحجاب بین الله و مخلوقاته وراء المخلوقات نفسها.[22] و إذا ما تمکن الإنسان من إزاحة الحجب الظلمانیة المادیة کالأنانیة و حب الذات و الهوى و الشهوات، فلا بد له من السعی و الکدح من أجل اختراق الحجب النورانیة، و لذلک جاء طلب خرق الحجب النورانیة من الله سبحانه فی المناجاة الشعبانیة الشریفة.[23] ولا یمکن لأی شخص أن یخرق جمیع الحجب النورانیة ما عدا رسول الله (صلى الله علیه و آله و سلم) و أهل بیته (علیهم السلام)، و لکن التوصل إلى کنه الذات و الصفات الإلهیة متعذر حتى بالنسبة إلى رسول الله (صلى الله علیه و آله و سلم) و أهل بیته (علیهم السلام).[24] و إن وجودهم المبارک یعتبر من الحجب النورانیة بالنسبة لمشاهدة کنه الذات الإلهیة، و حیث أن ممکن الوجود لا یستطیع الخروج من المحدودیة و التعیُّن، فإن هؤلاء الأطهار ینظرون إلى الله من موقع الوجود المحدود (فلا یمکن أن تکون العنقاء صیدا لاحد).
إذن فعلم کل عالم هو فی حدود وجود العالم نفسه، و یقاس بالخرق للحجب من ناحیته. قال علی (علیه السلام) فی ذلک: "لم یُطلع العقول على تحدید صفته، و لم یحجبها عن واجب معرفته"[25] أی أن جمیع الموجودات فی عالم الإمکان هی من آیات الحق تعالى، و هی کالصورة فی المرآة[26] فهی مظهر صادق لصاحب الصورة و لکنها لیست موجوداً منفصلاً عن صاحبها، و لیس لها أی نصیب وراء تعبیرها و حکایتها عن جمال صاحب الصورة، و إن کان الأطفال یحسبونها موجوداً مستقلاً.
و من جهة أخرى "لا یدرکه بعد الهمم و لا یناله غوص الفطن"[27] فذاته لا هی فی متناول فهم الحکیم و الفیلسوف و لا ینالها شهود العارف و لذلک فالمعرفة مصحوبة دائماً بالعجز،[28] و ما ذلک إلا من جهة کون نسبة ما هو مجهول إلى ما هو معلوم هی نسبة اللامتناهی إلى المتناهی.
و فی النهایة لا بد من الإشارة إلى ما یلی: جاء الکلام فی لسان الروایات عن المعرفة الفطریة، و المعرفة الفطریة هی من نوع العلم الحضوری الذی تقدم بیانه.
و علوم الإنسان الفطریة تقسم إلى قسمین:
أ- المعارف الفطریة التی یتمتع بها کل إنسان من دون الحاجة إلى التعلیم و التعلم.
ب - المیول الفطریة التی تعد من مقتضیات خلق کل إنسان.
و یطلقون على القسم الأول عنوان (معرفة الله بالفطرة) و على الثانی (عبادة الله بالفطرة) و لکنه و کما أسلفنا فإن معرفة الله بالفطرة و عبادته بالفطرة هی لیست من المعرفة الواعیة الشعوریة إلى الحد الذی یسد حاجة الفرد العادی و یغنیه عن السعی فی میدان المعرفة العقلیة.
و من جهة کون معرفة الله فطریة، فإن المسافات التی تطوى فی الطریق هی من قبیل طریق التنبیه لا التعلیل، لأن الإنسان ملتفت فی التعلیل إلى أنه اکتسب شیئاً جدیداً، و أما فی التنبیه فإنه یعلم حین وصوله إلى مقصده و هدفه بأن ما حصل علیه کان مصاحباً له منذ بدایة الطریق. و لذلک ورد فی تعابیر القرآن و لسان الروایات ما یؤکد على إزاحة حجاب الغفلة، و الطریق الذی یحرر الإنسان من شراک الغفلة هو طریق التنبیه لا التعلیل.
یمکن الاستفادة من المصادر التالیة فی هذا المضمار:
أ - تحریر تمهید القواعد، آیة الله جوادی آملی، ص722 إلى 785 ، ص 1 إلى 66.
ب- رحیق مختوم" الرحیق المختوم" آیة الله جوادی آملی، القسم الثانی من المجلد الأول، ص 188 و 189 و 193 إلى 201. والقسم الثالث من من المجلد الأول ص534.
ج - تفسیر موضوعى "التفسیر الموضوعی" عمیت عین لا تراک ، القسم الثالث من المجلد الأول ص 534.
هـ - مبانى معرفت دینى "أسس المعرفة الدینیة" محمد حسین زاده، ص 36 - 44.
و - المیزان، العلامة الطباطبائی، ج6، ص 86 إلى 105.
ز - آموزش عقاید "تعلیم العقائد" آیة الله مصباح، ص 35 إلى 62.
ح - سیرى در نهج البلاغه "فی رحاب نهج البلاغة" الشهید المطهری.
ط - قرآن و عرفان و برهان از همدیگر جدایى ندارند "وحدة القرآن و العرفان و البرهان" آیة الله حسن زاده آملی، ص 141 و 142 و 143.
[1] مع أنه یمکن التوصل إلى المعرفة من خلال النقل، و لکن لا بد من اعتبار النقل ثابتاً فی بدایة الأمر، و بعد أثبات صحة الصدور عن المعصوم یمکن أن نجعل منه مقیاساً لصحة و سقم ما یتوصل إلیه العقل و القلب.
[2] الشیخ الصدوق (رض) التوحید ص293، باب إثبات حدوث العالم، الحدیث الأول.
[3] فصلت، 53.
[4] نقلاً عن لقاء الله، آیة الله حسن زاده، ص 26 و 27 ملخصاً.
[5] طه: 50، السجدة: 71، الأعلى: 3، آل عمران: 190.
[6] نهج البلاغة، قصار الحکم 250، ترجمة محمد الدشتی.
[7] شرح ابن أبی الحدید، ج20، ص29 - أسرار البلاغة ص88.
[8] المائدة: 105.
[9] فصلت: 53.
[10] إبراهیم: 10، النور: 35.
[11] {لَقَدْ کُنْتَ فِی غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَکَشَفْنَا عَنْکَ غِطَاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ} ق:22.
[12] مفاتیح الجنان ص 496.
[13] تحف العقول، کلامه فی وصف المحبة، ص342.
[14] الأسفار: ج1، ص 113 إلى 120.
[15] (لا یدرک مخلوق شیئاً إلا بالله و لا تدرک معرفة الله إلا بالله)، التوحید، صفات الذات و الأفعال، حدیث 7.
[16] التوحید: باب التوحید و نفی التشبیه، حدیث 5، ص58 (معروف عند کل جاهل).
[17] (ما رأیت شیئاً إلا و رأیت الله قبله)، الأسفار، ج1، ص 117.
[18] "ما کنت أعبد رباً لم أره" الکافی ج1، باب إبطال الرؤیة، حدیث 6 التوحید باب ما جاء فی الرؤیة، حدیث 6.
[19] البقرة: 115، {فَأَیْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.
[20] شرح ابن میثم على المائة کلمة لأمیر المؤمنین (علیه السلام): (لو کشف لی الغطاء ما ازددت یقیناً).
[21] لیس على جماله من حجاب، فأزل الغبار المتمکن من الشهود. (حافظ).
[22] قال الإمام الکاظم علیه السلام: "لیس بینه سبحانه تعالى و بین خلقه حجاب غیر خلقه" التوحید، ص 179، باب نفی الزمان و المکان و الحرکة عنه تعالى، الروایة: 12.
[23] "و أنر أبصار قلوبنا بضیاء نظرها إلیک، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة و ... ".
[24] آل عمران: 30، {وَ یُحَذِّرُکُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}.
[25] نهج البلاغة، الخطبة 49.
[26] قال الإمام الرضا (علیه السلام) فی حدیثه مع عمران الصابی: لیس هو فی الخلق و لا الخلق فیه تعالى عن ذلک، وسأعلمک ما تعرفه به و لا حول و لا قوة إلا بالله، أخبرنی عن المرآة أنت فیها أم هی فیک؟ فإن کان لیس واحد منکما فی صاحبه فبأی شیء استدللت بها على نفسک" التوحید للشیخ الصدوق ص 434 و 435.
[27] نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
[28] "ما عرفناک حق معرفتک "البحار، ج71، ص23 الروایة الأولى و کذلک "ما عبدناک حق عبادتک" مرآة العقول، ج8 ص 146.