توضیح ذلک: المشهور بین الناس أن شخصا رأى رسول الترک- قبل توبته- فی عالم الرؤیا بصورة کلب یحمی خیام الامام الحسین (ع) و یمنع من دخول الاجانب الى تلک الخیام. الأمر الذی إنجر الى حدوث حالة من التحول و الانقلاب فی شخصیة الرجل فتاب الى الله توبة خالصة و نال على أثرها مقامات معنویة عالیة.
و السؤال هنا: لماذا ارتضى الامام الحسین (ع) هذا الرجل یحمی عیاله على صورة کلب، أ لیس مقام الانسان أکرم من ذلک؟ فلماذا قبله الامام على هذه الحالة و بصورة الکلب؟ علما أنی قرأت کتاب تحریر الامام لرسول الترک؟؟!
نقرأ فی کتاب الله تعالى قوله تعالى: "واذا الوحوش حشرت"[1] و قد ذکر المفسرون للآیة المبارکة معنیین:
الاول: أن الحیوانات الوحشیة تحشر للقصاص و الشهادة على أعمال الناس.
الثانی: أی النفوس المستوحشة الآبیة الوحشیة التائهة فی بوادی الطبیعة و قفر الهیولى حُشِرَتْ و جمعت الى ما فیه انتشت و بدت[2].
و نقرأ أیضا قوله تعالى: "فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ کُونُوا قِرَدَةً خاسِئِین"[3] إن بعض بنی اسرائیل بناء على هذه الآیة قد تمردوا على أمر الله تعالى فی عدم الامتناع عن الصید یوم السبت لذلک قال لهم تعالى کونوا قردة خاسئین.
و هذا یکشف عن کون بعض الاعمال تؤدی الى اختلاف الصورة الباطنیة للانسان عن صورته الظاهریة فهو فی الظاهر انسان حسن الملامح و لکنه فی الباطن یحمل صورة حیوانیة.
و هناک روایات کثیرة تثبت تغیر الباطن و خروجه من الحالة الانسانیة الى الصورة الحیوانیة بسب الاعمال القبیحة التی یقترفها، و من تلک الروایات:
1. منها ما رواه ابو بصیر عن الامام الباقر (ع) فی موسم الحج و التی رواها صاحب البحار.[4]
2. ما رواه کامل التمار عن الامام الباقر (ع) أیضا.[5]
3.روی عن النبی الاکرم (ص) أنه قال: "یَظْهَرُ فِی أُمَّتِی الْخَسْفُ وَ الْقَذْفُ! قَالُوا: مَتَى ذَلِکَ؟ قَال: إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَازِفُ وَ الْقَیْنَاتُ وَ شُرِبَتِ الْخُمُورُ وَ اللَّهِ لَیَبِیتَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِی عَلَى أَشَرٍ وَ بَطَرٍ وَ لَعِبٍ فَیُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَ خَنَازِیرَ لاسْتِحْلالهمُ الْحَرَامَ وَ اتِّخَاذِهِمُ الْقَیْنَاتِ و شُرْبِهِمُ الْخُمُورَ وَ أَکْلِهِمُ الرِّبَا وَ لُبْسِهِمُ الْحَرِیر".[6]
و هذه الروایة تثبت أن بعض الاعمال تغیر باطن الانسان و تحوله من صورة الى أخرى.
من هنا اتضح أن بعض الآیات و الروایات تشیر الى أن باطن بعض الناس یتحول الى صورة حیوان نتیجة لما یقترفونه من موبقات و أعمال قبیحة.
أما لماذا ظهر الشخص المذکور فی السؤال فی عالم الرؤیا بهذه الصورة؟
و ذلک لانه کان یدمن تعاطی الخمرة و کان لا یمتنع عنها الا فی أیام محرم احتراما لسید الشهداء، و لاریب ان تعاطی الخمرة و الادمان علیها یؤدی الى تغیر الصورة الباطنیة للانسان.
من هنا لم یغیر الامام الحسین (ع) باطنة بل الرجل هو الذی أصلح حاله و غیر سلوکه مما انعکس ایجابیا على صورته الباطنیة فاصلحها.
اما لماذا کشف الامام عن سره و خفایاه و أظهر باطنه بالصورة المذکورة مع کرامة الانسان و احترامه؟
جوابه: أراد أن یقول له: مع ما انت علیه من الانحراف و الصورة الباطنیة القبیحة الناتجة من عملک القبیح، لکن مع ذلک نحن لا نتنکر للعمل الحسن و لا نضیع اجره حتى لو صدر ممن هو على شاکلتک، کذلک لا یحق لانسان أن یتعرض لشخص التجأ الى حضرة الامام (ع)، و هذا یکشف عن جلالتهم و عظیم کرم اخلاقهم.
و ثالثا، أن الامام أراد أن یفتح له نافذة على الطریق الذی ینبغی له أن یسلکه لیصلح حاله. و من المعروف أن التوبة لا یستتبعها لوم أو مذمة کما قال الرسول الاکرم (ص): " التائب من الذنب کمن لا ذنب له".[7]
اما لماذا ظهر بصورة الکلب؟
فهذا فی الحقیقة نتیجة اعماله و تعاطیه للخمرة و الادمان علیها، لکنه کان ینتهی عنها و یمنع الآخرین من تعاطیه فی تلک الایام احتراما لأیام عاشوراء، و بهذا المقدار کان یکشف عن ولائه للامام (ع)، و اما بعد التوبة فقد تغیرت حالته و خرج عن الصورة المذکورة و تحول الى صورة هی من أبهى صور الانسانیة.
[1]التکویر، 4.
[2] نخجوانی، نعمة الله بن محمود، الفواتح الالهیة و المفاتح الغیبیة، ج2،ص487، دار رکابی للنشر، مصر ، 1999م
[3]الاعراف، 166.
[4]انظر: بحارالأنوار ج 27، ص 30. موسسةالوفاء، بیروت، 1404.
[5] الکافی ،ج 2 ،ص 242،(باب فی قلة عدد المؤمنین).
[6]الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج17، ص311، ح22623، مؤسسة آل البیت (ع)، 1409هـ.
[7] وسائل الشیعه ج 16 ص 75. موسسة آل البیت، 1409.