Please Wait
5964
تعتبر آسیة بنت مزاحم بن الریان بن الولید فرعون یوسف الأول من النساء اللاوتی بلغن الذروة فی الایمان و الورع و کان من اهم ممیزات هذه المرأة انها قد جعل الله تعالى قضیة حفظ النبی موسى علیه السلام من شر فرعون؛ ولم یکن هذا کل ما قامت به، بل المیزة الاساسیة لهذه المرأة المؤمنة ایثارها الایمان بالله و العیش مع المحرومین و الضعفاء على العیش فی قصور الملوک و الفراعنة و هذا لیس بالقرار الهین فان من النادر جداً ان یتغلب الانسان على شواهاته و ملذاته الخاصة خاصة اذا کان یعیش فی الاجواء المغریة کما عاشته آسیة بنت مزاحم مع فرعون.
و من هنا نجد القرآن الکریم اعتبرها نموذجاً للمؤمنین کما فی قوله تعالى: "و ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذینَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لی عِنْدَکَ بَیْتاً فِی الْجَنَّةِ وَ نَجِّنی مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنی مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمینَ".
ان الحدیث عن آسیة بنت مزاحم حدیث عن إمراة فی قمة الایمان و الطهارة اقترنت قصتها بقصة النبی موسى (ع) و هی: آسیة بنت مزاحم من خیار النساء المعدودات و یقال بل هی آسیة بنت مزاحم بن الریان بن الولید فرعون یوسف الأول.[1]
و قد جاء فی البحار لما حملت بموسى أمه کتمت أمرها عن جمیع الناس و لم یطلع على حملها أحد من خلق الله و ذلک شیء ستره الله لما أراد أن یمن به على بنی إسرائیل فلما کانت السنة التی تولد فیها موسى بعث فرعون القوابل و تقدم إلیهن أن یفتشن النساء تفتیشا لم یفتشنه قبل ذلک و حملت أم موسى فلم ینتأ بطنها و لم یتغیر لونها و لم یظهر لبنها فکانت القوابل لا یعرضن لها فلما کانت اللیلة التی ولد فیها موسى ولدته أمه و لا رقیب علیها و لا قابلة و لم یطلع علیها أحد إلا أخته مریم و أوحى الله تعالى إلیها أَنْ أَرْضِعِیهِ الآیة قال و کتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه فی حجرها لا یبکی و لا یتحرک فلما خافت علیه عملت له تابوتا مطبقا و مهدت له فیه ثم ألقته فی البحر لیلا کما أمرها الله تعالى. فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ أی أصابوه و أخذوه من غیر طلب لِیَکُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً أی لیکون لهم فی عاقبة أمره کذلک لا أنهم أخذوه لذلک و کانت القصة فی ذلک أن النیل جاء بالتابوت إلى موضع فیه فرعون و امرأته على شط النیل فأمر فرعون به و فتحت آسیة بنت مزاحم بابه فلما نظرت إلیه ألقى الله فی قلبها محبة موسى و کانت آسیة بنت مزاحم امرأة من بنی إسرائیل استنکحها فرعون و هی من خیار النساء و من بنات الأنبیاء و کانت أما للمؤمنین ترحمهم و تتصدق علیهم یدخلون علیها فلما نظر فرعون إلى موسى غاظه ذلک فقال کیف أخطأ هذا الغلام الذبح قالت آسیة و هی قاعدة إلى جنبه هذا الولید أکبر من ابن سنة و إنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة فدعه یکن قُرَّتُ عَیْنٍ لِی وَ لَکَ و إنما قالت ذلک لأنه لم یکن له ولد فأطمعته فی الولد وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ أن هلاکهم على یدیه .[2]
المیزة الاساسیة لهذه المرأة المؤمنة ایثارها الایمان بالله و العیش مع المحرومین و الضعفاء على العیش فی قصور الملوک و الفراعنة وهذا لیس بالقرار الهین فان من النادر جداً ان یتغلب الانسان على شواهاته و ملذاته الخاصة خاصة اذا کان یعیش فی الاجواء المغریة کما عاشته آسیة بنت مزاحم مع فرعون.
و من هنا نجد القرآن الکریم اعتبرها نموذجا للمؤمنین کما فی قوله تعالى: " وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذینَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لی عِنْدَکَ بَیْتاً فِی الْجَنَّةِ وَ نَجِّنی مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنی مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمینَ".[3]
و قد اشار المفسرون الى قصة هذه المرأة و منزلتها الکبیرة، و نحن هنا نکتفی بما ذکر صاحب تفسیر الامثل حیث قال:
قد آمنت آسیة منذ أن رأت معجزة موسى علیه السّلام أمام السحرة، و استقرّ قلبها على الإیمان، لکنّها حاولت أن تکتم إیمانها، غیر أنّ الإیمان برسالة موسى و حبّ اللّه لیس شیئا یسهل کتمانه، و بمجرّد أن اطّلع فرعون على إیمانها نهاها مرّات عدیدة و أصرّ علیها أن تتخلّى عن رسالة موسى و ربّه، غیر أنّ هذه المرأة الصالحة رفضت الاستسلام إطلاقا.
و أخیراً أمر فرعون أن تثبت یداها و رجلاها بالمسامیر، و تترک تحت أشعة الشمس الحارقة، بعد أن توضع فوق صدرها صخرة کبیرة. و فی تلک اللحظات الأخیرة کانت امرأة فرعون (مشغولة) بهذا الدعاء إذ قالت: "رَبِّ ابْنِ لِی عِنْدَکَ بَیْتاً فِی الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِی مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ"[4] و قد استجاب لها ربّها و جعلها من أفضل نساء العالم إذ یذکرها فی صفّ مریم.
فی روایة عن الرّسول (ص): «أفضل نساء أهل الجنّة خدیجة بنت خویلد، و فاطمة بنت محمّد و مریم بنت عمران، و آسیا بنت مزاحم امرأة فرعون »[5].
و من الطریف أنّ امرأة فرعون کانت تستصغر بیت فرعون و لا تعتبره شیئا مقابل بیت فی الجنّة و فی جواره تعالى، و بذلک أجابت على نصائح الناصحین فی أنّها ستخسر کلّ تلک المکاسب و تحرم من منصب الملکة (ملکة مصر) و ما إلى ذلک. لسبب واحد هو أنّها آمنت برجل راع کموسى.
و فی عبارة "و نَجِّنِی مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِی مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ" تضرب مثلا رائعا للمرأة المؤمنة التی ترفض أن تخضع لضغوط الحیاة، أو تتخلّى عن إیمانها مقابل مکاسب زائلة فی هذه الدنیا.
لم تستطع بهارج الدنیا و زخارفها التی کانت تنعم بها فی ظلّ فرعون، و التی بلغت حدّا لیس له مثیل. لم تستطع کلّ تلک المغریات أن تثنیها عن نهج الحقّ، کما لم تخضع أمام الضغوط و ألوان العذاب التی مارسها فرعون. و قد واصلت هذه المرأة المؤمنة طریقها الذی اختارته رغم کلّ الصعاب و اتّجهت نحو اللّه معشوقها الحقیقی.
و تجدر الإشارة إلى أنّها کانت ترجوا أن یبنی اللّه لها بیتا عنده فی الجنّة لتحقیق بعدین و معنیین: المعنى المادّی الذی أشارت إلیه بکلمة «فی الجنّة»، و البعد المعنوی و هو القرب من اللّه «عندک» و قد جمعتهما فی عبارة صغیرة.[6]
[1] العلامة المجلسی، بحار الانوار، ج 13، 50، مؤسسة الوفاء بیروت، الطبعة الاولى.
[2] العلامة المجلسی، بحار الانوار، ج 13، ص16، مؤسسة الوفاء بیروت، الطبعة الاولى.
[3] التحریم ، 11.
[4] التحریم،11.
[5] الدرّ المنثور، ج 6، ص 246.
[6] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج18، ص: 462- 463، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، قم المقدسة.