Please Wait
7046
بحثنا فی الرقم 916 (997 فی الموقع) عصمة الانبیاء (ع)، و بعد ان اتضح لنا هذه المسالة نقول:
انه لاتنافی بین العصمة و بین النسیان عند اهل السنة، فانهم یقولون بعصمة الانبیاء فی مجال التبلیغ والامور الدینیة وفی الوقت نفسه یقولون بوقوع النسیان و غیره من الامور فی القضایا غیر الدینیة، هذا اوّلاً، و ثانیاً اننا اذا اثبتنا عصمة الانبیاء مطلقا فی الامور الدینیة و غیر الدینیة، لابد من البحث عن مخرج لتوجیه بعض الآیات التی قد یظهر منها خلاف ذلک مثل قول موسى (ع) : " لاتؤاخذنی بما نسیت"، فنقول:ان ذلک یحتمل وجوها: انه اراد لاتؤاخذنی بما ترکت، ویجری ذلک مجرى قوله تعالى: "ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسی..." ای بما ترکت. والوجه الثانی، انه اراد لاتؤاخذنی بما فعلته مما یشبه النسیان، و الوجه الثالث، ان الامر بالمعروف و النهی عن المنکر مقدم على الالتزام بالعهد. و الوجه الرابع، التفریق بین مهمة کل من موسى والخضر (ع).
بحثنا فی الرقم 916 (997 فی الموقع) عصمة الانبیاء (ع)، و بعد ان اتضح لنا هذه المسالة، نشیر هنا الى مسألتین:
الاولى: لاتنافی بین العصمة و بین النسیان.
الثانی: بیان المراد من النسیان فی قصة موسى(ع).
اما المسألة الاولى: فمن الواضح ان اهل السنة یقولون بعصمة النبی (ص) فی مجال التبلیغ و امور الدین، و یجوزون الخطأ و النسیان علیه فی الامور العامة مما لادخل له فی الدین او تبلیغ الاحکام. و من الممکن ان نسلم لهم و نقول بما قالوا و نقتصر على هذا المقدار من العصمة لاهل البیت (ع) لان فیه الکفایة فی اعتبارهم المرجع بعد الرسول الاکرم (ص) خاصة اذا اخذنا بنظرالاعتبار ان المسائل المختلف فیها بیننا و بینهم هی من الامور الدینیة و قد وردت عن النبی الاکرم و اهل بیته (ع)، و عصمتهم کافیة فی اثبات حجیة ذلک.
من الطبیعی ان هذا الجواب مبنی على التسلیم بما یقولون و انه بناء على نظریتهم القائلة بالتفکیک بین العصمة فی مجال التبلیغ و الخطا و النسیان فی الامور العادیة. الاّ ان الواقع ان المحققین من علمائنا لایقبلون هذه النظریة و لایرون مجالا للتفکیک فی العصمة بین الامور الدینیة و الدنیویة، لانه لو سها النبی و اشتبه علیه الامر فی الامور الدنیویة فلربما تسرب الشک الى اذهان الناس، و انه هل یسهو فی ما یحکیه من الامر و النهی الالهی ام لا؟
فبای دلیل انه لا یخطأ فی هذا الجانب مع انه یسهو فی المجالات الاخرى؟!
وهذا الشعور اذا تغلغل فی اذهان الناس سوف یسلب اعتماد الناس على النبی، و بالتالی تنتفی النتیجة المطلوبة من بعثه، لان عامة الناس غیر قادرین على التفکیک بین تلک المرحلتین، بل یجعلون السهو فی احدهما دلیلا على امکان تسرب السهو فی المرحلة الاخرى.[1]
اما المسألة الثانیة: بیان المراد من النسیان فی قصة موسى (ع)
فبعد ان ثبت لنا من خلال الاجوبة السابقة ضرورة عصمة الانبیاء عقلا و نقلا، لابد ان نفتش عن المخرج لما یظهر منه خلاف ذلک من قبیل قول موسى(ع) :" لاتؤاخذنی بما نسیت" فنقول:
الوجه الاوّل: انه اراد لاتؤاخذنی بما ترکت، ویجری ذلک مجرى قوله تعالى: "ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسی..."[2] ای بما ترکت.
وقد روی هذا الوجه عن ابن عباس عن ابی بن کعب، عن رسول الله (ص) قال: وقال موسى ( لاتؤاخذنی بما نسیت) یقول بما ترکت من عهدک.[3]
الوجه الثانی: انه اراد لاتؤاخذنی بما فعلته مما یشبه النسیان، فسماه نسیانا للمشابهة کما قال المؤذن لاخوة یوسف (ع) :( انکم لسارقون)[4] ای انکم تشبهون السراق.[5]
الوجه الثالث: قال الشیخ مغنیة (ره): اشترط العبد الصالح على موسى ان لا یسأل، و قبل موسى الشرط، و مع ذلک سأل، و لما ذکّر بالشرط اعتذر، و لکنه سأل بعد الاعتذار، و لما ذکّر ثانیة قطع على نفسه عهدا أن یجعل العبد الصالح فی حل من صحبته ان سأل بعدها.
و لکنه سأل، و هو الحریص على ان یتخذه العبد الصالح صاحبا. و موسى (ع) معذور فی کل ما سأل لأن نفسه تصبر على الخیر و المعروف، أما ما تراه منکرا فلا و لن تستطیع علیه صبرا، حتىّ و لو أدى ذلک الى مخالفة الوعد و الشرط، و أی وزن للوعود و الشروط إذا أدت الى ترک الأمر بالمعروف، و النهی عن المنکر.[6]
و کان لانزعاج موسى (ع)- بالطبع- ما یبرره، إذ کان یرى تجاوزا عن حدود الشرع فی الأحداث التی وقعت على ید صاحبه، بحیث تعرض القسم الأعظم للشریعة الى الخطر، ففی الحادثة الأولى تعرضت مصونیة أموال الناس إلى الخطر و فی الثّانیة تعرضت أرواحهم إلى خطر، أمّا فی الثّالثة، فکان اعتراضه ینصب على ضرورة التعامل المنطقی مع حقوق الناس، لذلک فقد اعترض و نسی عهده الذی قطعه لصاحبه العالم، و لکن ما إن اطلّع على بواطن الأمور هدأ و کفّ عن الاعتراض.[7]
یظهر لنا من هذا الکلام ان موقف موسى (ع) یکشف عن روح عالیة لاتتحمل ادنى ما منکر ولو ظاهراً.
الوجه الرابع: التفکیک بین مهمة موسى والخضر (ع).
قد روى صاحب البحار عن: عَنْ یُونُسَ قَالَ: اخْتَلَفَ یُونُسُ وَ هِشَامُ بْنُ إِبْرَاهِیمَ فِی الْعَالِمِ الَّذِی أَتَاهُ مُوسَى عَلَیْهِ السَّلَامُ أَیُّهُمَا کَانَ أَعْلَمَ وَ هَلْ یَجُوزُ أَنْ یَکُونَ عَلَى مُوسَى حُجَّةٌ فِی وَقْتِهِ وَ هُوَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ؟ فَقَالَ قَاسِمٌ الصَّیْقَلُ: فَکَتَبُوا إِلَى أَبِی الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَیْهِ السَّلَامُ یَسْأَلُونَهُ عَنْ ذَلِکَ فَکَتَبَ فِی الْجَوَابِ :أَتَى مُوسَى الْعَالِمَ فَأَصَابَهُ فِی جَزِیرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ إِمَّا جَالِساً وَ إِمَّا مُتَّکِئاً فَسَلَّمَ عَلَیْهِ مُوسَى فَأَنْکَرَ السَّلَامَ إِذْ کَانَ بِأَرْضٍ لَیْسَ بِهَا سَلَامٌ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ. قَالَ: أَنْتَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ الَّذِی کَلَّمَهُ اللَّهُ تَکْلِیماً؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا حَاجَتُکَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِی مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً.
قَالَ: إِنِّی وُکِّلْتُ بِأَمْرٍ لَا تُطِیقُهُ وَ وُکِّلْتَ بِأَمْرِ لَا أُطِیقُه...."[8]
وهذه الروایة صریحة فی کون الامر الذی حمله موسى (ع) یختلف عن المهمة التی اوکل بها الخضر(ع)، ولقد فصل الکلام فی هذا المجال صاحب تفسیر الامثل حیث قال:
إنّ مجموعة من أولیاء الله و عباده مکلّفون فی هذا العالم بالبواطن، بینما المجموعة الأخرى مکلّفون بالظواهر. و المکلّفون بالبواطن لهم ضوابط و أصول و برامج خاصّة بهم، مثلما للمکلّفین بالظواهر ضوابطهم و أصولهم الخاصّة بهم أیضا.
صحیح أنّ الخط العام لهذین البرنامجین یوصل الإنسان إلى الکمال و صحیح أنّ البرنامجین متناسقین من حیث القواعد الکلیة، إلّا أنّهما یفترقان فی التفاصیل و الجزئیات .[9]
بالطبع لا یستطیع أحد أن یعمل کما یحلو له ضمن هذین الخطین، بل یجب أن یحصل على إجازة المالک القادر الحکیم الخالق جلّ و علا، لذا رأینا الخضر (العالم الکبیر) یوضح هذه الحقیقة بصراحة قائلا، "ما فعلته عن أمری" بل إنّی خطوت الخطوات وفقا للبرنامج الإلهی و الضوابط التی کانت موضوعة لی.
و هکذا سیزول التعارض و التضاد و تنتفی الأسئلة و المشکلات المثارة حول مواقف الخضر فی الحوادث الثلاث.
و سبب عدم تحمّل موسى (ع) لأعمال الخضر یعود إلى مهمّة موسى التی کانت تختلف عن مهمّة الخضر فی العالم، لذا فقد کان موسى (ع) یبادر إلى الاعتراض على مواقف الخضر المخالفة لضوابط الشریعة بینما کان الخضر مستمراً فی طریق ببرود، لأنّ وظیفة کل من هذین المبعوثین الإلهیین تختلف عن وظیفة الآخر و دوره المرسوم له إلهیا، لذلک لم یستطیعا العیش سویة، لذا قال الخضر لموسى (ع): "ذا فِراقُ بَیْنِی وَ بَیْنِکَ".[10]
و خلاصة ما قاله الخضر: إن هذه الأعمال لیست من جنس أعمال الناس، بل هى من أعمال اللّه، و إنما کنت واسطة فیها، فهى نماذج لفعل ربکم فى هذه الحیاة.[11]
[1] جعفر السبحانی، عصمة الانبیاء فی القران الکریم، ص292-293.
[2] طه، 115.
[3] اذا قلت: ان الترک للعهد ایضا لا ینبغی ان یقع منه (ع) جوابه ما یأتی فی الوجه الثالث.
[4] یوسف، 70.
[5] مرکز المصطفى، تفسیر آیات موسى والخضر (ع)،ص44.
[6] تفسیر الکاشف، ج5، ص، 150.
[7] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج9، ص، 346.
[8] بحارالأنوار، ج13، ص 279.
[9] فقد ذکر مجموعة من الامثلة فی هذا المجال یمکنکم مراجعتها.
[10] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج9، ص، 346.
[11] تفسیر المراغی، ج16، ص، 11.