بحث متقدم
الزيارة
6358
محدثة عن: 2014/05/18
خلاصة السؤال
اختلف القُرّاء فی طریقة قراءة الآیة "وَ کَأَیِّن مِّن نَّبیِ‏ٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ کَثِیر"، فما هی قراءتها و معناها الصحیح؟
السؤال
السلام علیکم، الآیة "وَ کَأَیِّن مِّن نَّبیِ‏ٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ کَثِیر" اختلفت القرّاء فی قراءة قوله : " قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ کَثِیر" فقرأ ذلک جماعة من قرّاء الحجاز و البصرة "قتل" بضم القاف، و قراءة جماعة أخری بفتح القاف و بالألف، و هی قراءة جماعة من قرّاء الحجاز و الکوفة. والسؤال على قراءة "قاتل"، فیمن نزلت هذه الآیة الکریمة و کیف یمکن الجمع بین هذه القراءات بالنسبة للمعنی؟
الجواب الإجمالي
ذکر المفسرون وروایات اسباب النزلو ان جماعة من المسلمین ضعفت فی معرکة "أحد"، و فرّت من ساحة المعرکة و لم یبق مع النبی محمد (ص) إلّا عدد قلیل من المسلمین؛ کالإمام علی (ع) فثبتوا و سطروا أروع آیات الصمود والمواقمة والتضحیات الجسام فنزلت الآیة لتوبّخ الأفراد الفارین والمنهزمین و الثناء على المسلمین الثابتین فی مواقعهم و المدافعین عن النبی والرسالة بکل عزیمة و ثبات. فتکون قراءة "قاتل" فی هذه الآیة ناظرة إلی أنّ کثیراً من الربّانیین السابقین کانوا ینصرون أنبیاءهم، فعلیکم أیها المسلمون نصرة نبیّکم کذلک؛ أما قراءة "قُتل" فناظرة أکثر شیء إلی هذا  المفهوم أی إن کثیراً من الربّانیین السابقین لم یترکوا طریق الحق و إن قتل أنبیاؤهم، بل یثبتون و یُضحون و یصبرون فی الجهاد، فعلیکم أیها المسلمون الثبات و الصبر فی الدفاع عن دینکم فلا یطرأ علیکم التزلزل بل حتی لو سمعتهم بشهادة نبیّکم (ص) فلا تتزلزلوا و اثبتوا علی الجهاد و التضحیة.
 
الجواب التفصيلي
بعد استعراض حوادث معرکة اُحد نزلت الآیة 146 من سورة آل عمران (و هی الآیة مورد السؤال): " وَ کَأَیِّن مِّن نَّبیِ‏ٍّ قَتَلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ کَثِیرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابهَمْ فیِ سَبِیلِ اللَّهِ وَ مَا ضَعُفُواْ وَ مَا اسْتَکاَنُواْ  وَ اللَّهُ یحُبُّ الصَّابرِین" لتحث المسلمین علی التضحیة و الثبات و تشجّعهم و شحذ عزائمهم بتذکیره بتضحیات من سبقوهم من أصحاب الرسل الماضین و أتباعهم المؤمنین الصادقین الأبطال، و التوبخ ضمناً لأولئک الذین فرّوا فی اُحد و حدّثوا أنفسهم بما حدّثوا إذ یقول الله سبحانه فی الآیة الأولی من هذه الآیات: "وَ کَأَیِّن مِّن نَّبیِ‏ٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّیُّونَ کَثِیرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابهَمْ فىِ سَبِیلِ اللَّهِ وَ مَا ضَعُفُواْ وَ مَا اسْتَکاَنُواْ  وَ اللَّهُ یحُبُّ الصَّابرِین"
ثم قال واصفاً لحالهم و علمهم: فأنصار الأنبیاء إذا واجهوا المصاعب و الجراحات و الشدائد فی قتالهم الأعداء لم یشعروا بالضعف و الهوان أبداً، و لم یخضعوا للعدو أو یستسلموا له، و من البدیهی أن الله تعالی یحب مثل هؤلاء الأشخاص الذین یثبتون و یصبرون فی القتال. [1] و مما لا شک فیه إن أبرز مصداق لهؤلاء الأفراد الذین ثبتوا و ضحّوا إلی آخر لحظة فی معرکة اُحد و عرضوا أنفسهم للخطر دفاعاً عن النبی (ص) هو الإمام علی (ع). [2]
فهذه الآیة تقرأ بطریقتین "قاتل" و "قتل" و علی رغم کون القراءة الأولی هی الأشهر، إلا أنه لا یمکن الجزم بترجیحها علی القراءة الأخری. فنظراً إلی قواعد اللغة العربیة، "کأیّن" من أدوات الکنایة و هی مبتدأ و تعطی معنی (کم). و عبارة "من نبیّ" جار و مجرور و تمییز. و فی کل من القراءتین یحتمل أربع ترکیبات، و أربع معانٍ مختلفة، نذکرها بالتفصیل: [3]
1- کلمة "قاتل" خبر لـ "کأیّن" و جملة " معه ربیّون کثیر" تأتی بمعنی الحال. فیکون معنی الآیة: کم قاتل من الأنبیاء والحال قد صحبهم رجال ربّانیّون کثیرون، فلم یضعفوا أبداً و لم یستسلموا فی مقابل ما حلّ بهم فی سبیل الله. فعلیکم أیضاً أن تکونوا کذلک و تضحّوا و لا تضعفوا. أمّا قراءة "قُتل" فیکون المعنی: کم من نبیٍّ قد قتل و الحال قد صاحبه ربّانییون کثیرون، فلم یضعفوا و لم یستکینوا فی مقابل ما حلّ بهم فی سبیل الله. فعلیکم أیضاً أن تکونوا کذلک و حتی لو قتل أنبیاؤکم فاستمرّوا فی جهادکم و لا تضعفوا و لا تترکوا جهادکم و تضحیاتکم فی سبیل الدین. [4]
2- کلمة "قاتل" خبر لـ "کأیّن" و کلمة "ربیّون" فاعله و عبارة "معه" ظرف لفعل "قاتل" فیکون معنی الآیة: کم من نبیٍّ جاهد معه ربانیّون کثیرون، فلم یضعفوا و لم یستکینوا فی مقابل ما حلّ بهم فی سبیل الله. فعلیکم أن تکونوا کذلک. وإمّا على قراءة "قتل" فسیکون المعنی هکذا: کم من نبی قتل فی رکابه ربانیون کثیرون (وصلوا إلی حد الموت) لکنهم، لم یضعفوا أبداً و لم یستکینوا فی مقابل ما أصابهم فی سبیل الله. فعلیکم أیضاً أن تکونوا کذلک و حتی لو کان الموت أو الشهادة أمامکم، لا تضعفوا و لا تترکوا نصرة نبیّکم.
3- علی خلاف الترکیبین السابقین، تکون کلمة "قاتل" صفة لـ "النبی" و کلمة "ربّیون" فاعله، و عبارة "معه" تعتبر ظرفاً لفعل قاتل و الخبر بهذا الترکیب محذوف و یُمکن تقدیره "صبر" أو "مضی". فیکون المعنی هکذا: کم من نبیٍ کان معه رجال ربّانیون (من قبلک) فلم یضعفوا أبداً فی مقابل ما أصابهم فی سبیل الله و لم یستکینوا. فعلیکم أیضاً أن تکونوا مثلهم مجاهدین، صابرین مستحکمین و لا تدعوا نبیکم وحیداً. وأما على قراءة "قتل" فسیکون المعنی: کم من نبی قتل معه رجال ربانیّون کثیرون، فلم یضعفوا أبداً و لم یستکینوا لما أصابهم فی سبیل الله حتی استقبلوا الموت بأرواحهم و لم یترکوا نبیّهم وحیداً.
4- کلمة "قاتل" صفة لـ "النبی" و اعتبرت جملة "معه ربیون کثیر" حال. و فی هذا الترکیب أیضاً یکون الخبر محذوفا و یمکن تقدیره "صبر" أو "مضی". فیکون المعنی هکذا: کم من نبی (کان فی الماضی) کان معه رجال ربانیون کثیرون. فلم یضعفوا أبداً و لم یستکینوا فی مقابل ما أصابهم فی سبیل الله. فعلیکم أیضاً أن تجاهدوا مثهلم وتؤازوا نبیّکم کما آزروا أنبیاءهم و لا تترکوه کما لم یترکوا أنبیاءهم، وعلیکم أن تکونوا دؤوبین علی نصرته و الدفاع عنه. و أما على قراءة "قُتل" فیکون المعنی: کم من نبی فی الماضی قتل و یصحبه رجال ربّانیون کثیرون. فلم یضعفوا هؤلاء أبداً فی مقابل ما أصابهم فی سبیل الله و لم یهنوا و ثبتوا علی جهادهم فی سبیل هدفهم حتی بعد شهادة أنبیائهم.
و کما اتضح أن الترکیبین الثالث و الرابع لا یفترقا کثیراً من حیث المعنی عن الترکیبین الأول و الثانی، و إنما هما مجرد ملاحظات تفسیریة قائمة على تعدد الوجوه بتعدد انطباق قواعد اللغة العربیة.[5]
 

[1] مکارم الشیرازی، ناصر، تفسیر الأمثل، ج 2، ص 722، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، قم، 1421 هـ . ق.
[2] المفید، محمد بن محمد، الاختصاص، تحقیق: المحرمی، ص 158، المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید، قم، 1413 ق.
[3] لدراسة القراءات و الترکیبات المختلفة المطروحة، یراجع : الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان، ج 2، ص 854، ناصر خسرو، طهران، 1372 ش؛ الفخر الدین الرازی،  محمد بن عمر، مفاتیح الغیب، ج 9، ص 380، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، 1420 ق؛ القرطبی، محمد بن أحمد، الجامع لأحکام القرآن، ج 4، ص 228، ناصر خسرو، طهران، 1364 ش.
[4] إشارة إلی إشاعة حصلت فی واقعة أحد مفادها أن النبی (ص) قد قتل، و قد ضعف جمع من المسلمین و فرّوا عند سماعهم لشائعة قتل النبی (ص). کما أن هذا الترکیب یؤکّده أیضاً حدیث للإمام الباقر (ع) مذکور فی تفسیر مجمع البیان (مجمع البیان، نفس المصدر).
[5] لدراسة الوجوه المختلفة المطروحة للترکیبة النحویة لهذه الآیة راجع: الدرویش، محیی الدین، إعراب القرآن و بیانه، ج 2، ص 66، دار الإرشاد، سوریة، 1415 ق؛ الصافی، محمود بن عبد الرحیم، الجدول فی إعراب القرآن، ج 4، ص 327، دار الرشید، مؤسسة الإیمان، دمشق، بیروت، 1418 ق.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280259 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258835 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129631 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115649 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61041 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60369 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57377 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51625 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47715 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...