بحث متقدم
الزيارة
4970
محدثة عن: 2018/02/24
خلاصة السؤال
ما الفرق بین «الکفر» و «الإلحاد» فی الایات القرانیة. فمثلاً قد ذُکر «الإلحاد» فی احدى ایات سورة فصلت ثم أشار الى «الکفر» فی الایة الاخرى؟
السؤال
بسم الله الرحمن الرحیم والصلاة و السلام على سیدنا محمد و على اهل بیته الطیبین الطاهرین کیف الحال ایها الکرام (دامت اوقاتکم سروراً ان شاء الله).. ذات یوم و من خلال تصفحی لکتاب الله العزیز لفت انتباهی آیتین متتالیتین فی سورة (فصلت) و هما (40 و 41): "إِنَّ الَّذینَ یُلْحِدُونَ فی‏ آیاتِنا لا یَخْفَوْنَ عَلَیْنا أَ فَمَنْ یُلْقى‏ فِی النَّارِ خَیْرٌ أَمْ مَنْ یَأْتی‏ آمِناً یَوْمَ الْقِیامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصیر" فصلت -40 "إِنَّ الَّذینَ کَفَرُوا بِالذِّکْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَکِتابٌ عَزیز" فصلت-41. بعد التمعن فی الایتین انهار سیل من الاسئلة العالقة فی الذهن، نرجوا جوابکم الکریم: 1. ما الفرق بین الاحاد و بین الکفر؟ 2. هل الالحاد سابق زمانا على الکفر على اعتبار السبق الترتیبی لایة الاحاد على ایة الکفر؟ 3. ذکر فی ایة الاحاد: "الذین یلحدون فی الیاتنا"، بینما فی ایة الکفر: "الذین کفروا بالذکر" مالفرق بین الایة و بین الذکر؟ ولماذا تعلق الالحاد بالایات بینما متعلق الکفر هو الذکر؟ 4. ما دلالة حرف الجر فی کلا الایتین: حیث فی آیة الالحاد جاء بحرف الجر(فی) - «فی‏ آیاتِنا» و فی ایة الکفر اتى بحرف الجر (الباء- "بالذکر" لماذا لم تکن القضیة معکوسة؟ 5. جاء فی ایة الاحاد بالفعل المضارع (یلحدون) بینما فی ایة الکفر جاء بالفعل الماضی (الذین کفروا)....... هل الالحاد مستمر و الکفر قد انتهى؟ الاسئلة کثیرة لکن نکتفی بهذا القدر....و حفظکم الله من کل مکروه و شکرا لکم.
الجواب الإجمالي
نفهم من مجموع الآیات القرانیة عدم وجود فارق یذکر بین الکفر و الإلحاد فالایات المذکورة فی السؤال فی صدد تهدید الملحدین و الکفار الذین کانوا یرفضون آیات الله –التکوینیة منها و التشریعیة- بالحیل والخدع المختلفة و بطرح النظریات الفلسفیة و الرؤى الباطلة و بنسج الأکاذیب الخیالیة.
یبین القران الکریم بأن عملهم هذا غیر خافٍ على الله سبحانه، فهو محیط علما حتى على النوایا التی فی الصدر لذلک لاجزاء لهم إلّا جهنم و بئس المصیر، و یعجل الله لهم العذاب و لیس لهم یومئذ لاناصر و لاشفیع و لاعذر و لامعین.
الجواب التفصيلي
 
  1.  "إِنَّ الَّذینَ یُلْحِدُونَ فی‏ آیاتِنا لا یَخْفَوْنَ عَلَیْنا أَ فَمَنْ یُلْقى‏ فِی النَّارِ خَیْرٌ أَمْ مَنْ یَأْتی‏ آمِناً یَوْمَ الْقِیامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصیر"؛ ذکرت للإلحاد معانٍ مختلفة؛ کلانحراف، و المکاء و الصفیر أثناء تلاوة القران الکریم، و العداء، و التکذیب للایات الإلهیة و...[1]
نقل عن قتادة، و ابن زید و السدی أن معنى الإلحاد فی ایات الله، هو ما کانوا یفعلونه من المکاء و الصفیر أثناء تلاوة القران الکریم.
عن مجاهد ان الإلحاد فی الایات هو تبدیل الایات، و وضعها فی غیر محلها. عن ابن عباس عن بعض المفسرین: ان المراد بالایات هنا و دلالات التوحید والإلحاد فیها و الانحراف عنها و ترک الاستدلال بها.[2]
و سیاق الایة، سیاق تهدید الملحدی هذه الأمة کما تؤیده الایة التالیة. و إطلاق قوله «یلحدون» و قوله «ایاتنا» یشمل کل إلحاد فی کل ایة فیشمل الإلحاد فی الایات التکوینیة کالشمس و القمر و غیرهما فیعدّونها ایات الله سبحانه ثم یعودون فیعبدونها، و یشمل ایات الوحی و النبوة فیعدّون القران افتراء على الله و تقولا من النبی (ص) أو یلغون فیه «ای یکثرون الصراخ عند تلاوته» لتختل تلاوته فلایسمعه سامع أو یفسّرونه من عند أنفسهم أو یأولونه ابتغاء الفتنة، فکل ذلک إلحاد فی آیات الله بوضعها فی غیر موضعها و المیل بها إلى غیر مستقرها.[3]
و فی عبارة « لا یَخْفَوْنَ عَلَیْنا »، یرید القول؛ ان الملحدین مع ما کانوا یتوسلون به من حیل مختلفة و سعی لرد الآیات الإلهیة بطرح النظریات الفلسفیة و الرؤى الباطلة و نسج الأکاذیب الخیالیة التی قد تخدع کثیر من الناس و تخدعهم، لکنها لاتخفى على الله الذی یعلم بالسر و أخفى و محیط علما بنوایاهم الخبیثة لذلک جزاءهم جهنم و بئس المصیر.[4]
و قوله «أَ فَمَنْ یُلْقى‏ فِی النَّارِ خَیْرٌ أَمْ مَنْ یَأْتی‏ آمِناً یَوْمَ الْقِیامَةِ »، إیذان بالجزاء و هو الإلقاء فی النار یوم القیامة قسراً من غیر أی مؤمن متوقع کشفیع أو ناصر أو عذر مسموع فلیس لهم إلا النار یلقون فیها، فلیس لهم جزاء إلا جهنم و بئس المصیر.
و الظاهر أن قوله «أَمْ مَنْ یَأْتی‏ آمِناً یَوْمَ الْقِیامَةِ» لإبانة أنهما –یوم القیامة- قبیلان لاثالت لهما فمستقیم فی الإیمان بالایات و ملحد فیها و یظهر أن أهل الاستقامة فی امن یوم القیامة.[5]
یشدّد الله سبحانه فی اخر الیة تهدیده للکفار و المشرکین حیث یقول: اعملوا أی عمل شئتم –حیث انکم أحرار فی الدنیا تعملون ما تشاءون- لکن اعلموا بأنکم تحت قدرة الله و علمه، یعلم و یبصر ما تفعلون: « اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصیر». و هذه الجملة تنوی على تشدید فی التهدید السابق.[6]
و عندما ییأس الإنسان من هدایة شخص یخاطبه بقوله: افعل ما شئت لذا فالایة تقول لأمثال هؤلاء: «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ» لکن علیکم أن تعلموا: «إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصیر».
لکن هذا الامر لایعنی أن لهم الحریة فی أن یعملوا ما یشاؤون، أو أن یتصرفوا بما یرغبون، بل هو تهدید لهم بأنهم لایصغون لکلام الحق، إنّه تهدید یتضمن توعّد هؤلاء و الصبر على أعمالهم إلى حین.[7]
  1. «إِنَّ الَّذینَ کَفَرُوا بِالذِّکْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَکِتابٌ عَزیز»؛ المراد من «الذکر» القران الکریم؛ لما فیه من ذکر الله.[8] و ان إطلاق وصف «الذکر» على القران یستهدف تذکیر الإنسان و إیقاظه، و شرح تفصیل الحقائق له بشکل إجمالی عن طریق فطرته، و قد ورد نظیر ذلک فی الایة 9 من سورة الحجر فی قوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُون‏».[9]
و تقیید الجملة بقوله: « لَمَّا جاءَهُمْ » یدل على أن المراد ب« الَّذینَ کَفَرُوا » هم مشرکوا العرب المعاصرین للقران من قریش و غیرهم.[10]
و هذه الایة تتحوّل من الحدیث عن التوحید و المعاد إلى القران والنبوة، و تحذر الکفار المعاندین بقوله تعالى: «إِنَّ الَّذینَ کَفَرُوا بِالذِّکْرِ لَمَّا جاءَهُمْ» لم یکونوا یخفون علینا. ثم تنعطف الایة لبیان عظمة القران بقوله: «إِنَّهُ لَکِتابٌ عَزیز» إنه کتاب لایستطیع أحد أن یأتی بمثله أو أن یتغلب علیه، منطقه عظیم و استدلاله قوی، و تعبیره بلیغ منسجم عمیق، تعلیماته جذریة، و أحکامه متناسقة متوافقة مع الاحتیاجات الواقعیة للبشر فی أبعاد الحیاة المختلفة.[11]
فبناء على ما ذکر لایظهر هناک فرق بین الکفر و الإلحاد؛ فلم یذکر کثیر من المفسّرین فرقاً بینهما بل عدّوا الکافرین هم الملحدین.[12] و الکفر بالقران هو من مصادیق الإلحاد فی آیات الله.[13]
 
 
 

[1]. ابن الجوزی، ابوالفرج عبدالرحمن بن علی، زاد المسیر فی علم التفسیر، تحقیق، المهدی، عبدالرزاق، ج4، ص53-54، بیروت، دارالکتب العربی، الطبعة الاولى، 1422ق.
[2] . الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان فی تفسیر القران، مقدمة، البلاغی، محمد جواد، ج9، ص22، طهران، ناصر خسرو، الطبعة الثالة، 1372ش
[3] . الطباطبائی، السید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القران، ج17، ص397، قم، مکتب النشر الاسلامی، الطبعة الخامسة، 1417ق.
[4] . المدرسی، السید محمى تفی، تفسیر هدایت، فریق المترجمین، ج12، ص235، مشهد، مؤسسة الدراسات الاسلامیة للعتبة الرضویة المقدسة، الطبعة الاولى، 1377 ش
[5] . المیزان فی تفسیر القران، ج17، ص 397.
[6] . نفس المصدر، تفسیر اسان، ج17، ص355-356.
[7] . مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل، ج15، ص418-420، الطبعة الاولى، قم، مطبعة أمیرالمؤمنین، 1379ش.
[8] . المیزان فی تفسیر القران، ج17، ص 397.
[9] . الأمثل، ج15، ص 418-420.
[10] . المیزان فی تفسیر القران، ج17، ص397.
[11]. الأمثل، ج15، ص 418-420.  
[12]. المراغی، احمد بن مصطفى، تفسیر المراغی، ج 24، ص138، بیروت، دار احیاء التراث العربی، بی تا.
[13] . المیزان فی تفسیر القران، ج 17، ص 397.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280322 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258935 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129725 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115895 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89620 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61168 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60446 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57414 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51821 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47768 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...